تناولت الصحافة الاسرائيلية الصادرة اليوم عدة ملفات على رأسها الملف الايراني وزيارة الرئيس الفرنسي الذي يحتفي به الكيان الاسرائيلي هذه الايام بسبب موقفه المتشدد من الملف النووي الايراني. كما تناولت الصحافة الشأن
المصري والزيارة التي قام بها وزيرا الدفاع والخارجية الروسيين للقاهرة.
ايران، في وضح النهار
فتحت عنوان: ايران، في وضح النهار كتب ناحوم برنياع في صحيفة يديعوت:
في البيت الأبيض توجد قاعة سينما صغيرة، تقع تحت تصرف الرئيس وأبناء عائلته. أحد الأفلام التي يكثر الرؤساء على مشاهدتها هو الفيلم الغربي الكلاسيكي، في وضح النهار، بطولة غاري كوبر. مجرم وعصابته يهددان حياة بلدة كاملة. يحاول الشريف تجنيد السكان في حرب. يتملصون، خوفا على حياتهم، ويتطلعون الى حل وسط مع رئيس العصابة. فيقرر مقاتلة الاشرار وحده فيقتلهم واحدا واحدا، مع بعض المساعدة من زوجته كارهة الحروب، غريس كيلي.
انتج الفيلم في 1952، حين كانت
امريكا تدير حربا ضروس في كوريا. وكانت اخلاقياته – عقلانيته بسيطة. ويرتبط جيدا بالتراث الامريكي: مع الشر لا مساومة، والشر يباد. وحتى عندما يكون احتمال النصر طفيفا، وحتى حين يكون الشارع يفكر بطريقة مختلفة. فان البطل الأمريكي لا يهرب أبدا.
براك اوباما ليس غاري كوبر، وأمريكا 2013 ليست امريكا 1952. وقد اضطر اوباما مؤخرا الى أن يعقد في البيت الابيض مؤتمرا صحفيا محرجا اعترف فيه بفشل تطبيق خطة التأمين الصحي، التي كانت درة تاج رئاسته. وجعل الفشل اوباما رئيسا نازفا. واذا لم تحدث له معجزة، فان حزبه وهو سيتعرضان لضربة في الانتخابات المرحلية في تشرين الثاني. وينزلق الضغط الداخلي الى الخارج. هبوط مكانة الولايات المتحدة في العالم وفي الشرق الاوسط بشكل خاص واضح منذ الان. السعودية تنتقل الى رعاية فرنسية. وترى في اوباما عدوا وجوديا يكاد يكون عميلا ايرانيا. مصر تبحث عن اصدقاء في روسيا؛ وفي المحادثات مع ايران وزير الخارجية الفرنسي هو العنصر المقاتل، المؤثر، وليس وزير الخارجية الامريكي. فقد ذهل الفرنسيون عندما تراجع اوباما في اللحظة الاخيرة عن قرار مهاجمة سوريا. وهم غير مستعدين لان يتبنوا سياسته الواهنة تجاه ايران.
المشكلة لا تتلخص في رئيس واحد، او في مشروع واحد. فالسياسة الامريكية مريضة، الاقتصاد الامريكي لم يعد يستطيع تجسيد الاحلام التي حققها في الماضي، والمجتمع الامريكي يجد صعوبة في التكيف مع الواقع الجديد. يوبيل من السنين والمؤرخون يتحدثون عن هبوط أمريكا – ويخيب ظنهم. يحتمل الا يكونوا اخطأوا – بل ان سبقوا اوانهم فقط.
على هذه الخلفية لا حاجة الى الفزع حين يدخل رئيس وزراء اسرائيل في مواجهة علنية مع ادارة اوباما في موضوع ايران. صحيح، بيبي خاصتنا هو الاخر ليس غاري كوبر، وخسارة أنه يكثر جدا، حتى التعب، من نفخ صدر ليس له. ولكن طالما كان رئيس وزراء اسرائيل يكافح في سبيل ما يعتبر مصلحة امنية اسرائيلية لا ينبغي ان يلحق به في الولايات المتحدة أي ضرر. لقد ألقى اريئيل شارون خطاب ميونخ خاصته في البيت الابيض. خطاب ألمح فيه، دون أساس حقيقي، بان الرئيس بوش يترك اسرائيل لمصيرها امام اعدائها، ولم يقع ضرر باسرائيل؛ لا يوجد ما يدعو الى أن يقع بها ضرر فقط لان رئيس وزرائها يكافح في سبيل سياسة اكثر حزما في المحادثات مع ايران.
اذا كان نتنياهو يؤمن بانه في خطاباته سيتسبب بعملية عسكرية في ايران فانه يعيش في فيلم. فحتى لو كان لاسرائيل قدرة – وهو أمر مشكوك فيه بحد ذاته – فليس لها خيار عسكري طالما تكون المفاوضات جارية. اما بالنسبة للامريكيين فليست لهم مصلحة في تفجير المفاوضات، وهم لا يريدون العمل عسكريا.
حسن أن يتحقق اتفاق: فهو افضل من استمرار تطوير النووي. اسرائيل ليست السعودية، التي خصوبتها مع ايران تحيط العالم بأسره – حروب دينية للسنة ضد الشيعة، تطوير حقول نفط، منافسة على مناطق نفوذ في الخليج الفارسي، بقاء الحكم في الدولتين. اما لاسرائيل فليس هناك سوى مصلحة واحدة، ولا غير لها: النووي. ولهذا فيمكن الترحيب بحذر بمؤشرات الابطاء في تقدم المشروع كما اشير اليه في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. قد تكون هذه مجرد مناورة. وقد تكون لا.
المهم هو مضمون الاتفاق. ثمة معنى لا بأس به لاتفاق مؤقت، يفترض أن يجمد قسما من النشاط مقابل تخفيف في قسم من العقوبات، وللاتفاق النهائي. لا داعي لان نوهم أنفسنا. فالايرانيون لن يفجروا اجهزة الطرد المركزي التي اشتروها بالمليارات، ولن يدفنوا المفاعلات ولن يفككوا الصواريخ. فالاستثمار الايراني الهائل في المشروع لن يحترق. ولكن طالما أبعدت الاتفاقات ايران عن القدرة العسكرية النووية فليس هناك ما هو افضل.
الصحافة الليبرالية للشاطيء الشرقي، صحف مثل "نيويورك تايمز" و "واشنطن بوست" هاجمت هذا الاسبوع نتنياهو في الموضوع الايراني. هذا ليس لطيفا، ولكنه بعيد عن أن يكون فظيعا. الاغلبية في الرأي العام الامريكي لا تتأثر: فإما انها ليس لها أي اهتمام في هذه اللحظة بالنووي الايراني، او ان رأيها كرأي نتنياهو. واوباما هو الاخر لا حاجة لان يتأثر: فله مشاكل اكثر ازعاجا.
المشكلة هي ان نتنياهو لا ينجح في التركيز على مواجهة واحدة. كل اعلان له ولوزرائه عن البناء في المناطق يخرب على قدرته في اقناع زعماء اجانب لابداء تصلب تجاه ايران. قبل اسبوعين، حين حرر سجناء، فزع من رد فعل اليمين واعلن عن بناء في المناطق؛ وهذا الاسبوع، عندما ازعجته المحادثات مع ايران أكثر، اخرج مسرحية حديث – توبيخ لوزير الاسكان. فمنح اوري اريئيل، السياسي الاكثر تطرفا في الكنيست، وزارة الاسكان هو منح للذئب لافتراس ليلى الحمراء، منح للقط لحراسة القشطة. كان يمكن لاريئيل ان يكون وزير صحة لا بأس به، ربما وزير رياضية او وزير للنقب والجليل. ولكن الاسكان؟ رئيس الوزراء الذي عينه لا يمكن له أن يلوم أحدا غير نفسه.
الصورة الاخيرة في فيلم "وضح النهار" لا تنسى. فبعد لحظة من قتل الشريف ويل كاين (غاري كوبر) آخر المجرمين يخرج سكان البلدة بجموعهم من بيوتهم، ويجتمعون به. أحد لا ينبس ببنت شفة. الشريف يلقي الى الارض بالنجمة التي كانت على قميصه، يأخذ زوجته ويصعد الى العربة التي تأخذهما الى الافق. لا توجد موعظة اخلاقية. لا توجد كلمات وداع. فقد أنقذ البلدة، رغم جبنها، رغم ازدواجية اخلاقها. والان يمكنه أن يغادر.
الكلمات الاخيرة، وهي وحدها، يتبناها اوباما بكلتي يديه.
الدب يقفز في الحفرة
وتحت عنوان: الدب يقفز في الحفرة كتبت سمدار بيري لصحيفة يديعوت
قل لي ما هي النكتة الاخيرة، أنت تقول للمصري الذي تلتقيه في اقصى العالم. فيبتسم لك ابتسامة قصيرة وكأنك أمسكت به متلبسا، أو لعله يغمز لك بانك "واحدا منا"، فيروي النكتة الاخيرة. وحتى في أشد الاوقات، الازمات السياسية، التوتر الامني والضائقة الاقتصادية، فان المصريين لا يفقدون حس الدعابة.
على كل قضية يعقبون بقرصة، تتطور الى قصة تتطاير من أذن الى أذن ولا تنجح الرقابة في منعها. يروون عن الرئيس مبارك بانه كان له مبعوث سري الى الميادين، لالتقاط ما الذي يضحك الناس، ولتشخيص الى أين تهب رياح الشارع. لا يمكن لاحد أن يعرف من الذي ينتج النكات على حساب السياسيين، ومن يلذع الفاسدين. خط الانتاج يعمل بوتيرة نكتين – ثلاث نكات في اليوم. بربك، قل لي ما هي النكتة الاخيرة، تقول للمصري، حتى تحصل على آخر الاخبار الحقيقية، من هو العدو الذي يحتل عناوين الشارع.
ولكن النكتة الاحدث أطلقت منذ الان لحية لاسبوعين: يتحدثون عن الدستور الجديد الذي يأتي ليطرح نموذجا واعدا من الديمقراطية وحقوق الانسان في مصر، ويعد بولايتين للرئيس. ولاية اولى في القصر، ولاية ثانية في السجن. وكلفت هذه النكتة غاليا النجم التلفزيوني المصري باسم يوسف الذي يقدر برنامجا ساخرا حطم ارقاما قياسية في المشاهدة، ليس فقط في مصر بل وفي كل ارجاء العالم العربي.
في 2 تشرين الثاني، بعد أن سخر يوسف، طبيب قلب في اختصاصه، من الرئيس المخلوع مبارك ومن الرئيس المعزول مرسي وتجرأ على لذع الرجل القوي الذي يدير مصر، الجنرال السيسي، ابلغه صاحب قناة تلفزيون سي.بي.سي بانه يطفىء الكاميرات في الاستديو وبعث به الى بيته.
قصر الرئاسة في القاهرة والمستشارون الاعلاميون لـ "الجنرال" هرعوا لان يعلنوا بان ليس لهم أي ضلع في العزل الصاحب.
هذا بالضبط ما ينقص الان الحكم العلماني المؤقت. أن يجلس "الدكتاتور" امام الكاميرات ويدور لسانه اللاذع ضد الدب الروسي الذي دخل بحذائه العسكري في الثغرة التي حفرها الرئيس اوباما بقراره تقليص وتجميد المساعدات العسكرية لمصر. هذا ليس موضوعا سياسيا، بل هو خيانة للشرف الوطني.
يمكن انتاج عدد لا حصر له من النكات على الطريقة المصرية عن عنوان "الاهرام" المهدد في يوم أمس والذي يضمن تعاونا عسكريا كاملا بين مصر وروسيا، تبادل للوفود، تدريبات عسكرية وصفقات سلاح بالمليارات. وبالمقابل، فان التلعثم الذي يخرج من وزارة الخارجية المصرية في "نحن لا نبدل العلاقة مع واشنطن بل ننوع فقط مصادر السلاح". هذه ليست نكتة، سيقول لك المصري، اوبام حفر الحفرة والدب الروسي قفز اليها.
وسيشرح لك المتهكمون بان مصر تصعد على مسار لغم متفجر، من جريرة امريكية تلقت صفعة رنانة الى جريرة روسية في حفاضات تصدر رائحة نتنة. وحسب احدى الروايات فان الحديث يدور عن صفقة أساسية: إذ كان اوباما سيسير نحو اتفاق مع الايرانيين، فان القصر الملكي السعودي سيتجند لتمويل ارساليات السلاح الروسي، الطائرات القتالية والمعدات العسكرية الحديثة الى مصر.
كيفما نظرنا عندنا الى التحالفات والاتفاقات، فان هذه أنباء سيئة. رئيس الوزراء نتنياهو يسافر هذا الاسبوع للقاء مع الرئيس بوتين. سيتحدثان عن ايران، عن الفلسطينيين. ماذا يمكن لنتنياهو أن يقوله عن العودة الروسية الى مصر؟ ان يشتكي من اوباما في موسكو؟ ان يطلق ملاحظة سامة ما على نمط الساخر المصري؟
الربيع العربي مات، الله يرحمه. أهلا وسهلا بوجع الرأس لهزة الخريف والشتاء.
الطلب الى أولاند أن يستمر في البقاء في الجانب الاخلاقي
وتحت عنوان: الطلب الى أولاند أن يستمر في البقاء في الجانب الاخلاقي، كتب بوعز بسموت في صحيفة اسرائيل اليوم:
يأتي رئيس فرنسا فرانسوا أولاند اليوم للزيارة في أفضل وقت بالنسبة إلينا. قبل اسبوع منعت فرنسا في جنيف التوقيع على "اتفاق سيء" (كما قال نتنياهو) بين ايران والقوى الكبرى. وستُظهر القدس حرارة كبيرة نحو الضيف لشكره على ذلك الاجراء وعن أمل أن تستمر فرنسا ايضا في النهج نفسه في هذا الاسبوع ايضا. ونُذكركم بأنه ستُجدد المحادثات في يوم الاربعاء في سويسرا، وعلى حسب التصريحات التي تأتي من واشنطن وموسكو، هناك احتمال كبير أن يوقع على اتفاق في الجولة القريبة إلا اذا كانت لغة موليير هي المهيمنة مرة اخرى.
نحن نواجه اسبوعا حاسما. فليس من السهل منع صفقة حينما يكون الامريكيون والروس متحمسين للوصول الى مقام التوقيع. وقد اضطرت فرنسا في هذا الصيف الى الانطواء في القضية السورية ايضا – برغم أن طائراتها كانت قد بدأت تسخن المحركات – بازاء الاملاء الامريكي – الروسي، الذي فضل آنذاك ايضا صفقة على ابراز العضلات في مواجهة نظر حكم ظلامية. وفي نهاية المطاف تنتظرنا مواجهة اخرى بين المباديء والمصلحة. سيطلب نتنياهو من أولاند أن يستمر في البقاء في الجانب الاخلاقي للمباديء، بل إن لفرنسا حقوق إبداع بعض منها (الحرية والاخوة والمساواة). وفي جنيف تنتظر اسرائيل ودول الخليج أخوة فرنسية.
إن التوقعات من فرنسا عالية في الحقيقة، لكن يجب أن تكون ايضا واقعية وملائمة لروح العصر. إن روسيا والصين وهما مشاركتان كبيرتان في محادثات الخمس + واحدة مع ايران لم تتحمسا قط لزيادة الضغط على الايرانيين. والمشكلة الكبيرة هي أنه منذ بدأت المحادثات قبل عشر سنوات، تغير الامريكيون في الأساس وجذبوا الاوروبيين معهم (ما عدا فرنسا). ويجب أن نفهم أن واشنطن تفكر في مصالحها، وليس ذلك غير شرعي تماما، بيد أن المشكلة في أن القدس قد طُلب اليها مدة سنين أن تعتمد على العم سام.
إن صحيفة "نيويورك تايمز" التي أصبحت شريكة في النضال لأجل الاتفاق بيّنت أمس لماذا "ليس هذا وقت الضغط على ايران". وقال وزير الخارجية الروسي سيرجيه لافروف في نهاية الاسبوع إن كل ما بقي الآن صوغ التفاهمات فقط، وهو شيء يشير الى سبب كوننا قريبين من الاتفاق.
يلتقي نتنياهو في هذا الاسبوع مع أولاند وسيقفز لزيارة بوتين مع الابقاء على صلة مستمرة بالبيت الابيض. فرئيس الوزراء يحاول مضاءلة الاضرار. ومن الممكن أنه حتى لو لم يمنعوا اتفاقا فان العناد والتشدد الفرنسيين قد يُعدلان الاتفاق السيء على الأقل، ويعتبر هذا ايضا شيئا ما في الوضع الحالي.
لا شك ايضا في أن العالم له مشكلاته الخاصة. وايران بالنسبة لاسرائيل هي المشكلة الرئيسة (الوجودية)، لكن لقادة العالم ايضا اهتماماتهم الخاصة. وخذوا على سبيل المثال الرئيس اوباما، فقد كان الاصلاح الصحي يفترض أن يكون درة تاج ادارته فأصبح اخفاقا ذريعا، حتى إن اعضاء ديمقراطيين من مجلس النواب يهاجمون الاصلاح، ومنحه أحدهم من ويست فرجينيا درجة فاشل ناقص. فلو أن شخصا ما استطاع أن يلتزم لنتنياهو أن يكون المشروع الذري الايراني ناجحا كاصلاح اوباما الصحي فلربما استطاع أن ينام نوما جيدا في الليل، لكن لا يوجد ضمان كهذا.
يحظى فرانسوا أولاند ايضا باستطلاعات رأي جد غير مطرية. فقد كشف استطلاع للرأي أخير أُجري لأجل النشرة الفرنسية "بنغتون بوست" عن أن شعبية الرئيس قد تهاوت في فرنسا الى 15 بالمئة، وأن 3 بالمئة فقط لهم رأي ايجابي فيه. وهذا شيء لم يسبق له مثيل. وقد يحسن مع مثل هذه الاستطلاعات أن يطيل أولاند بقاءه في اسرائيل. فهنا، بعد السلوك الفرنسي في ليبيا ومالي وسوريا وجنيف في الأساس، يُضمن للرئيس الفرنسي استطلاعات رأي ايجابية جدا.