حذرت أوساط إسرائيلية، من واقع وصفوه
بالكارثي، يتم فيه اعتماد الفلسطينيين بالكامل في قطاع
غزة، على
الاحتلال للحصول
على الغذاء والماء والضروريات الأساسية، وهو ما قد يشكل ورطة يصعب التخلص منها
لاحقا.
عوفر شيلح، عضو
الكنيست السابق، ورئيس لجنة الخارجية والأمن فيها، والباحث الكبير بمعهد دراسات
الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أكد أن "الاهتمام الشعبي والإعلامي الآن،
بطبيعة الحال، ينصبّ على ما يحدث على الحدود الشمالية، وما قد يحدث من تبادل
لإطلاق النار مع حزب الله، الذي يستمر بكامل قوته رغم الضربات التي تلقاها، وقد
تتحقق تهديدات إيران بالرد على هجوم سلاح الجو في الأيام المقبلة، لكن الأحداث
الأهم في الحرب تجري هذه الأيام تحديداً في غزة".
وأضاف في مقال نشرته
القناة 12، وترجمته "عربي21" أن "ما يحصل في غزة ينبغي أن يحوز على
الأهمية الخاصة به، لأن ما يحصل فيها من فرض الوقائع على الأرض كل يوم، قد يعرّض
الاحتلال لأضرار لا رجعة فيها في وقت قصير، لأنه يرتبط بمزيج من النشاط العسكري،
الذي لا يتم الكشف عن تفاصيله الكاملة للجمهور، ودفع جزء من المستوى السياسي لرؤية
لم تحدّدها الحكومة قط بأنها هدف حرب، وغياب أي مبادرة سياسية، كل ذلك أدى لتفاقم
الوضع الإسرائيلي إلى حد الاحتلال الفعلي للقطاع، بثمن غير مقبول".
وأشار إلى أن "التورط
الاسرائيلي التدريجي في القطاع يحدث تقريباً دون نقاش عام في الجيش، بل إن القيادة
السياسية ما تلبث تكرر أنها لا تنوي تنفيذ خطة الجنرالات، لكن من الناحية العملية،
ينفذ الجيش نفس الفكرة الخطيرة، فهو يمارس ضغطًا هائلاً وعنيفًا على فلسطينيي شمال
القطاع للإخلاء نحو الجنوب، وهو أمر لا يستجيب له سوى جزء منهم فقط، لكن الجيش
يتصرف بقوة تكلّف حياة العديد منهم، بما ينعكس في وسائل الإعلام الدولية على أنها
تقترب من جرائم الحرب".
وأوضح أنه
"بالنظر لما ينفذه جيش الاحتلال في شمال غزة، فإن النتيجة النهائية قد لا
تكون أقل من خطورة المسؤولية عن مئات آلاف الفلسطينيين، بما في ذلك الحاجة لتوفير
احتياجاتهم الأساسية، حتى لو قام بذلك مقاولو القطاع الخاص الأجانب، وبغض النظر
عمن يتحمل التكاليف، فإن الاحتلال سيكون مسؤولا عن وضعهم الإنساني، وعن حالات
الاحتجاج الحتمية، وقتل المدنيين نتيجة الصراع من أجل الغذاء والماء، خاصة عندما تتم مهاجمة المقاولين الخاصين في عمليات حرب العصابات الجارية".
وأكد أنه "رغم
تظاهر الاحتلال بعدم مسؤوليته عن أوضاع سكان غزة، ورغم لامبالاته بمصيرهم، فإنها
ستكون خطوة خطيرة، ربما لا رجعة فيها، لوضعه كدولة تخالف القانون الدولي، ما يزيد
من رقعة الدول التي تحظر تزويده بالأسلحة، وسوف تكون هذه مجرد البداية، وصولا إلى حرمانه من المظلة السياسية الدولية، وسيتم النظر إليها بأنها محتلة لغزة، ستكون
دولة مصابة بـ"الجذام"، وكل من يقلل من شأن ذلك، أو يعتقد أن لدينا
القدرة على الصمود في وجه ذلك فهو واهم مسيحاني".
وأضاف أن الإجراءات
التي يقوم بها الجيش اليوم في غزة، وما يتطلبه كجزء من الضغط على الفلسطينيين،
وبحكم مسؤوليته عنهم، سيكون لها بالفعل عواقب وخيمة داخل الجيش نفسه، وصولا لانتشار
الظواهر المفسدة التي عانى منها في أوضاع مشابهة، وإن كانت أقل خطورة، مثل فترة
الإقامة في لبنان 1982- 1985، حتى لو أتت هذه المرة بدافع الحاجة للانتقام من هجوم
السابع من أكتوبر، ومبررة بلغة مليئة بالكراهية، ما سيزيد من تآكل القوات
النظامية والاحتياطية، التي أصبحت بالفعل راكعة تحت العبء من القتال المستمر لمدة
عام على ثلاث جبهات برية في غزة ولبنان والضفة الغربية.
وأشار إلى أن "تورط
الجيش في مستنقع غزة يعني ظهور مؤشرات مقلقة على الانخفاض الحاد في تطوع الضباط في
صفوفه، وانتشار ظاهرة "الرفض الرمادي" للالتحاق بالخدمة الاحتياطية،
لأنها ستكون مليئة بالمسار التدميري، حتى لو تم تبريرها بأسباب عملياتية تبدو
فارغة أمام الواقع على الأرض، وكل ذلك يستدعي الإسراع بالتوصل لصفقة تبادل ما
سيمنح الجيش "سلّما" للنزول عن هذه الشجرة الخبيثة التي تسلّقها منذ أشهر".
وختم بالقول إن
"قادة أمن وجيش الاحتلال ينادون بضرورة التوصل لمثل هذه الصفقة، لكن بما أنها
لا تتحقق بسبب العراقيل التي طرحها رئيس الوزراء، فإنها لا تقدم بديلاً سوى
الاستمرار بكل قوتها على الطريق المؤدي إلى الكارثة في غزة، وحينها لن يكون مهماً
تحميل المسؤولية لـ"نتنياهو وسموتريتش وغالانت"، رغم أنهم المسؤولون عن
هذا الأمر في النقاش السياسي والتاريخي؛ بل سيكون الأمر الأهم والأخطر أن الضرر
الذي سيلحق بدولة الاحتلال وجيشها واقتصادها وروحها لا يمكن إصلاحه بسبب التورط في
الوحل الغزي".