مع تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع
غزة المحاصر، تزداد الحاجة لفتح "
معبر رفح" من الجانب
المصري، الذي أغلقه بعد قصفه من قبل الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث يعتبر المنفذ البري الوحيد للفلسطينيين لتمكين المرضى والجرحى من الخروج نحو مصر لتلقي العلاج، وكذا من خلاله يمكن التزود بجُل الاحتياجات الإنسانية من غذاء ودواء ووقود وماء.
وتضاعفت أهمية "معبر رفح"، بعد إغلاق الاحتلال الإسرائيلي، لكل من المعبرين الآخرين، ويتعلق الأمر بكل من "معبر كرم أبو سالم" و"معبر إيرز"، ومن خلالهما كانت تلجُ البضائع، وأيضا الأفراد.
وتعرض "معبر رفح" في الشهر الماضي، لقصف من الاحتلال الإسرائيلي، ممّا جعل مصر، تُقرر إغلاقه؛ مشيرة إلى أنها لن تستطيع فتحه إلا بعد ضمان سلامة موظفيها هناك، وعدم تكرار القصف.
وقالت الخارجية المصرية، في 20 تشرين أول/ أكتوبر الماضي، إن "معبر رفح مفتوح"، مؤكدة أن "إسرائيل هي التي ترفض دخول المساعدات إلى قطاع غزة".
وفي هذا السياق، غرّد المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، خلال منصة "إكس" (تويتر سابقا)، بالقول إن "مسلسل استهداف مصر في الإعلام الغربي واضح منذ بداية الأزمة، عبر الترويج إلى سيناريو التهجير، وتحميلها مسؤولية غلق المعبر رغم أن إسرائيل استهدفته 4 مرات وترفض دخول المساعدات".
وأوضح أنه "اليوم يتم تحميل مصر مسؤولية إعاقة خروج رعايا الدول، المعبر مفتوح ومصر ليست مسؤولة عن عرقلة خروجهم".
ولا يُعد هذا الإغلاق المصري للمعبر، الأول من نوعه، حيث أغلقته في السابق، لأكثر من مرة، بحجج عدة، أهمها أسباب أمنية، وذلك خلال حملتها في عام 2015 وما بعدها على "الإرهاب"؛ وكُلّما طلب منها فتحه لدخول البضائع، تقول إنه "غير مهيأ لذلك"، ما يضطر
الفلسطينيين إلى استيراد بضائعهم عبر ميناءي حيفا وأسدود، وبالتالي الاضطرار لمرور هذه البضائع عبر "معبر كرم أبو سالم" الذي تسيطر عليه دولة الاحتلال، وتتحكم بما يدخل ويخرج منه.
بداية المعبر
لم يكن هناك معبر قبل اتفاقية سايكس بيكو، حيث كانت رفح بقسميها الفلسطيني والمصري موحدة، ولكن بعد بدء الانتداب على فلسطين تم تقسيم المدينة، لجزء تم اعتباره فلسطينيا، ويكون ضمن حدود قطاع غزة، وآخر مصري يكون ضمن حدود شبه جزيرة سيناء.
وبعد حرب عام 1948 ونشوء دولة الاحتلال، كذلك لم يكن هناك حاجة للمعبر حيث كان قطاع غزة تحت الإدارة المصرية، ولكن على إثر حرب 67 وهزيمة مصر فيها وخسارتها لقطاع غزة، أغلق الاحتلال الحدود بين مصر والقطاع، وضيق على الغزّيين وشدد عليهم الحصار.
وتم بناء "معبر رفح" بعد توقيع مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي معاهدة السلام "كامب ديفيد" في 1979، وانسحاب إسرائيل من سيناء في عام 1982، وبعد اتفاقية أوسلو عام 1993 تم الاتفاق على إعادة فتح المعبر، للأفراد والبضائع.
ومن 1993 إلى 2005 بقي معبر رفح تحت سيطرة هيئة المطارات الإسرائيلية، وحينما انسحبت من القطاع في عام 2005 تم نشر مراقبين أوروبيين لمراقبة حركة المعبر بمشاركة مصرية.
اتفاقية المعابر 2005
بعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة وإغلاق مستوطناتها هناك في 15 آب/ أغسطس 2005، وفي تشرين ثاني/ نوفمبر من نفس العام، تم توقيع اتفاق عُرف باتفاق المعابر بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية.
ونصت اتفاقية المعابر على أن يتم فتح معبر رفح وتشغيله من الجانبين الفلسطيني والمصري، طبقاً للمعايير الدولية وتماشياً مع القانون الفلسطيني بحيث تخضع لبنود هذه الاتفاقية.
يتم افتتاح معبر رفح بمجرد ما يصبح جاهزاً للتشغيل بناء على معايير دولية، وتماشياً مع مواصفات هذه الاتفاقية وبالوقت الذي يتواجد فيه الطرف الثالث في الموقع، مع تحديد 25 من تشرين الثاني/ نوفمبر تاريخا للافتتاح.
إلى ذلك، فإن استخدام "معبر رفح" ينحصر على حاملي بطاقة الهوية الفلسطينية، مع استثناء لغيرهم ضمن الشرائح المتفق عليها. ومع إشعار مسبق للحكومة الإسرائيلية وموافقة الجهات العليا في السلطة الفلسطينية.
وكان من ضمن شروط فتح وتشغيل المعبر وجود مراقبين أوروبيين، وكثيرا ما كان هذا الشرط سببا لإغلاق المعبر عدة مرات، وذلك لعدم قدرة هؤلاء المراقبين على الوصول إلى المعبر وفق الرواية الأوروبية.
ومن ضمن الشروط أيضا أن تُعلم السلطة الحكومة الإسرائيلية عن أي شخص سيعبر المعبر من الفئات المتوقعة، من دبلوماسيين ومستثمرين أجانب، وممثلين أجانب لهيئات دولية معترف بها، وحالات إنسانية وذلك قبل 48 ساعة من عبورهم.
وتقوم الحكومة الإسرائيلية بالرد خلال 24 ساعة في حالة وجود أي اعتراضات مع ذكر أسباب الاعتراض.
ويضمن الطرف الثالث وهم المراقبون الأوروبيون اتباع الإجراءات الصحيحة، كما ويُعلم الطرفين بأي معلومات في حوزته متعلقة بالأشخاص الذين يتقدمون بطلبات للعبور تحت هذه الاستثناءات.
عدد الشاحنات الواردة قبل وبعد الحرب
وفقا للأمم المتحدة فإن قطاع غزة كان يدخله 500 شاحنة يوميا قبل الحرب، ولكن بعد العدوان الإسرائيلي ومن 21 تشرين أول/ أكتوبر حتى 14 تشرين ثاني/ نوفمبر لم تدخل سوى 1096 شاحنة تحمل مواد غذائية ومساعدات طبية وماء.
وفي ظل إغلاق إسرائيل معبري إيرز وكرم أبو سالم، يُعتبر معبر رفح الشريان الوحيد لبقاء سكان قطاع غزة على قيد الحياة، حيث كانت معظم، إن لم يكن جميع المواد التي يحتاجها القطاع تدخل عبر "معبر كرم أبو سالم" مع الأراضي المحتلة.
وتبرز الحاجة لفتح المعبر الآن، خاصة في ظل توقف عدد من المستشفيات نتيجة لانعدام الوقود اللازم لتشغيلها، كذلك مع اختفاء مواد أساسية، مثل المواد الغذائية وأهمها القمح، والماء، خاصة بعد توقف محطات التحلية في القطاع نتيجة قصف الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي اضطر سكان القطاع لشرب مياه البحر المالحة.
ومن التحديات التي ستواجه الغزيين في ظل استمرار إغلاق المعابر وعلى رأسها معبر رفح، نقص الطعام بشكل حاد والذي قد يتسبب بحدوث مجاعة أو مخاطر سوء تغذية، كذلك نقص الوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة بغزة والمستشفيات ووسائل التدفئة المتعددة، والتي سوف يحتاجها الغزيون في فصل الشتاء.
أيضا، إن استمرار إغلاق المعابر ومنها "معبر رفح" سوف يمنع وصول الأدوية للقطاع المحاصر منذ 16 عاما، وبذلك تتأثر فئات عدّة من الغزيين، منهم جرحى الحرب الحالية والمرضى المصابون بالأمراض المزمنة التي قد تتفاقم في حال فُقد علاجهم.
وسيؤثر إغلاق "معبر رفح" على كثير من الغزيين الذين يرغبون بالسفر من وإلى القطاع للعالم الخارجي، بعضهم طلاب وبعضهم عاملون في الخارج، وبالتالي تهديد مستقبلهم التعليمي والمهني، حيث سيفقد الطلاب مقاعدهم الجامعية في الجامعات الخارجية، وسوف يفقد الموظفون وظائفهم في الخارج؛ كذلك سيمنع الإغلاق من يرغب بالعودة لقطاع غزة من الوصول إليه والعيش في وسط أهله.
وفي بيان منسوب للمتحدث باسمه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، باسم الإنسانية، إلى "الوقف الإنساني الفوري لإطلاق النار"؛ فيما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأن جميع المستشفيات في مدينة غزة وشمال القطاع، باستثناء المستشفى الأهلي، أصبحت خارج الخدمة اعتبارا من أمس، الاثنين، بسبب انقطاع الكهرباء وشح المواد الطبية والأكسجين والغذاء والماء، يفاقم ذلك القصف والقتال في محيط هذه المراكز الطبية.
وذكر المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن "المستشفى الأهلي في مدينة غزة، الذي يوجد به حاليا أكثر من 500 مريض، هو المنشأة الطبية الوحيدة القادرة على استقبال المرضى بالمنطقة في ظل زيادة التحديات وشح الإمدادات".
كذلك أكد برنامج الأغذية العالمية أنه يجب "فتح معبر رفح، خاصة أن القطاع مقبل على كارثة إنسانية نتيجة مخاطر سوء التغذية والموت جوعا في ظل انعدام المواد الغذائية".