قليلةٌ هي الثوراتُ التي يكون فيها شعراؤها مقاتلين، بل نادرة. ومن هذه الثورات، الثورة الفلسطينية. وقليلون هم الشعراء في الثورة الفلسطينية الذين كانوا مقاتلين، ومن هؤلاء الشعراء خالد أبو خالد. شاعر مقاتل، أباً عن جد، وتلميذاً عن أستاذ وزملاء (الأب والجد والأستاذ والزملاء سوف تقرأ عنهم بعد قليل في ترجمة حياته).
في حواراتي مع بعض رجال مرحلة السبعينيات في العاصمة اللبنانية بيروت، يروي لي أحدهم أنه كان يفاجأ بأدباء وشعراء يجتمعون صباحاً في مقرّ اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين ويصدرون ما يصدرونه من مواقف وبيانات، ثم يراهم مساء يحملون سلاحهم ويجولون على مواقع المقاتلين ليلاً، ولا أقول مسدساً، بل بندقية وجعبة ذخيرة.. ومن هؤلاء كان ناجي علوش وخالد أبو خالد في مقدمتهم.
ترجل خالد أبو خالد عن صهوة النضال يوم الجمعة 31 كانون الأول (ديسمبر) 2021، أقفل السنة ورحل تاركاً إرثاً كبيراً من النضال والشعر والقصائد المقاتلة، ليس فقط في تأكيد بطلان الاحتلال ومناقضته لكل الشرائع، وإنما في نحت هوية فلسطينية اصطبغت في كثير من تفاصيلها بتجربة شعرية ونضالية زادها اللجوء عمقا.
صدرت أعماله الكاملة في ثلاثة مجلدات عن بيت الشعر الفلسطيني في رام الله بعنوان "العوديسا الفلسطينية" على قياس أسطورة الأوديسا، مستلهماً العودة وناحتاً هذا الاسم الجديد. وأوجد شخصية رمزية في شعره اسمها "كنعان الفتى".
عُرف أبو خالد بمواقفه الرافضة للتسوية، فكتب على الأعمال الكاملة الصادرة في رام الله "وهذه فلسطين شاسعة.. وواسعة.. وهي هي بلادنا التي نعطيها.. فتحملنا إلى الكون.. مذكّرةً أنها الاسم الحركي له وللوطن العربي"، ويضيف "بالدم نكتب.. وإليه نعود.. اللهم فاشهد.. إني قد بلّغت وأسلم الراية للجدير.. يصعد.. إنه الأن إلى فلسطين الأقرب."
من هو شاعرنا؟
الشاعر خالد أبو خالد ولد محارباً، في ذروة الثورة الكبرى عام 1936 ـ 1939، كان والده أحد أوائل تلاميذ الثورة في حيفا محمد صالح الحمد غانم (أبو خالد) قائداً كبيراً في الثورة، فولد خالد عام 1937 في سيلة الظهر، واستشهد القائد أبو خالد عام 1938 في قرية دير غسانة بعد كمينين متتاليين تعرض لهما، وصار خالد ابن الشهيد أبو خالد، فاتخذ كنية والده اسماً حركياً له، فأصبح خالد أبو خالد.
علّمه جده في الكُتّاب الشعر والأدب والوطنية، فصار الطفل خالد يلقي الأشعار في التجمعات، بدءاً من قبر أبيه في مقام النبي لاوين حتى مخيمات الشتات لاحقاً.. درس في كلية النجاح في نابلس، وكان من معلميه الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود، الذي درّسهم الأدب والمسرح و.. الوطن والمقاومة.
وبين أهازيج أمه وتعليم جده وشعر معلمه، خرج خالد قائداً محارباً وشاعراً مميزاً، فسعى في شعره إلى دمج الشعر الفصيح بالأهازيج الشعبية، فأخذ يدخلها في قصائده أو يزيد عليها من شعره، فكان أول الشعراء في هذه التجربة بعد سلمى الخضراء الجيوسي التي سبقته بقصيدة واحدة. وكتب أكثر من عشرين أغنية تعتمد على التراث الشعبي الفلسطيني. فكان الشعر الشعبي يوصل قصائده، بالمقابل أعاد للشعر الذي ضمنه القصائد الوزن العروضي الصحيح.
انقطع عن الدراسة وسافر في شبابه إلى الكويت. وعمل على جرار في شركة نفط الكويت، وأكمل دراسته في الكويت، وأخذ ينشر القصائد عبر زميله المفكر المحارب أيضاً ناجي علوش، الذي نشر له قصائده ورسومه في جريدة الشعب الكويتية، وحمل قصائده إلى مجلة الآداب البيروتية، وهذا ما كرّسه شاعراً عربياً معتمداً.
عاد أبو خالد من الكويت ليلتحق بالثورة الفلسطينية التي أصبح فيها قائداً للقطاع الأوسط ثم الشمالي (في الأردن)، وانتسب إلى اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وانتُخب مرتين في هيئته الإدارية. وعمل في الإذاعة السورية رئيساً لقسم البرامج الثقافية والشعبية والمنوعات في إذاعة دمشق.
مؤلفاته
أصدر أبو خالد أكثر من عشر مجموعات شعرية في مسيرته، منها:
ـ الرحيل باتجاه العودة، 1970.
ـ وسام على صدر الميليشيا، 1971.
ـ قصائد منقوشة على مسلّة الأشرفية، 1971.
ـ تغريبة خالد أبو خالد، 1972
ـ أغنية عربية إلى هانوي، 1973.
ـ الجدل منتصف الليل، 1974.
ـ شاهراً سلاسلي أجيء، 1974.
ـ بيسان في الرماد، 1978.
ـ أسميك بحراً.. أسمي يدي الرمل، 1990.
ـ دمي نخيل للنخيل، 1994.
ـ فرس لكنعان الفتى، 1995.
ـ رمح لغرناطة، 2001.
ـ معلقة على جدار مخيم جنين.
ـ الأعمال الكاملة 2015
من أشعاره:
من قصيدة "فرس لكنعان الفتى"
لشتات خيل الذاهبين إلى غبار الماء.. كي يأتوا بمعجزة.. تلائم ليلهم
والليل فحم في المطارات القريبة.. والبعيدة.. مأتمٌ.. فحمٌ على قبر الكلام
الليلُ فحمٌ في العظام
الليل أردية الحداد على النفاية والركام
الليل من ثمر حرام
الليل خفاش المحابر.. والهواء
الليل مشتبك.. وذئبٌ في الصقيع.. وصوته يعوي يلاحقنا إلى جسد الربيع
*كاتب وشاعر فلسطيني
محمود الأفغاني.. المقاوم في الثورة واللاجئ المسكون بالعودة
الكناري اللاجئ يحيى محمد برزق.. تربت أجيال فلسطين على شعره
سيف الدين الكيلاني.. حمل الهوية الفلسطينية في شعره