لم تمنع الكارثة التي ارتكبها
الاحتلال في
منطقة
سهل الحولة عبر تجفيفه من أن يبقى صادما أمام "الجريمة البيئية" التي ارتكبت بحقه،
فهو يعد منطقة زراعية في شمال
فلسطين وعرف بوفرة مياهه العذبة والطبيعة الخلابة.
ويعتبر محطة كبرى لاستراحة الطيور المهاجرة
على طول الوادي المتصدع الكبير بين أفريقيا وآسيا وأوروبا، ويمر سنويا ملايين من
أسراب الطيور المهاجرة عبر منتزه بحيرة الحولة وبحيرته.
وتقع بحيرة الحولة بين بحيرة طبريا جنوبيها،
ومنحدرات جبل الشيخ شماليها، وهضبة الجولان إلى الشرق منها، وجبال الجليل الشرقية
إلى الغرب منها.
هذه البحيرة تكونت نتيجة تجمع مياه الجبال
التي جرفت معها أيضا كميات من الطين مكونة بحيرة صغيرة في غاية الجمال، وما يميز
هذه البحيرة أنها كونت في أرضيتها جرنا كبيرا جعل خروج الماء من البحيرة صعبا جدا.
ومع تراكم كميات من الطين والمجروفات
وارتفاع مصب البحيرة باتجاه نهر الأردن الجبلي، تكونت المستنقعات في شمالي
البحيرة، واكتست البحيرة بالأعشاب الكثيفة التي شكلت عامل جذب لطيور نادرة
وحيوانات بحرية كالجاموس الذي انتشر فيها، وكذلك لانتشار مرض الملاريا في المناطق
المجاورة.
اكتسب سهل الحولة اسمه من بحيرة كانت تحتل
قسما من جنوبيه عرفها اليونان باسم "أولاتا"، وتسميها الوثائق التي
اكتشفت في رأس شمرا "بحيرة سمخو". ويذكر ياقوت الحموي الحولة بأنها
"كورة بين بانياس وصور من أعمال دمشق ذات قرى كثيرة".
وأطلق عليها أسماء مختلفة عبر العصور فقد
سماها المصريون "سمخونا" في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. في حين أطلق
العهد القديم عليها اسم "ميروم" ويعني بالكنعانية "المياه
المرتفعة"، وسماها العرب الحولة المشتقة من الآرامية "حولتا" التي
تعني "الأرض المنخفضة".
واستوطنت المنطقة عشرات القبائل والعشائر
العربية منذ آلاف السنين معتمدة في رزقها على تربية الجواميس، وقطع القصب وبيعه في
السوق لإنتاج أشغال قشية وقصبية، وبعضهم اعتمد على صيد الأسماك أو زراعة الأرز
بمساحات محدودة، وذلك لوفرة كميات من المياه التي يحتاجها هذا الفرع الزراعي.
وأعطت الحكومة العثمانية امتيازا لاستصلاح
أراضي مستنقعات الحولة لأحد المالكين ويدعى سليم علي سلام.. ولما عجز عن تنفيذ
الامتياز بدأ سماسرة الصهاينة يتصلون به ويفاوضونه على البيع، وتحت الضغط الصهيوني
بيع امتياز الحولة إلى شركة "هاخشرت هايشوب" في فلسطين عام 1934، فيما
بعد طردت العائلات العربية من قراها في منطقة الامتياز.
وبلغت مساحة الأرض المباعة في الصفقة 165
ألف دونم، ونجم عن هذه البيوع تشريد 15 ألف عربي من سهل الحولة، وتشريد نحو عشرة
آلاف آخرين من امتياز الحولة الغربي الذي باعه آل بيهم وآل سرسق.
ونجح "الصندوق القومي اليهودي"
بشتى الألاعيب في السيطرة على مساحات شاسعة من أراضي البحيرة في أعقاب صفقات عقدها
وكلاؤه مع ملاكي هذه الأراضي، حيث وصلت إلى أيدي المؤسسة الصهيونية قرابة الـ57 ألف
دونم من مجمل مساحة البحيرة والأراضي المجاورة لها. وشرعت "الوكالة
اليهودية" بإقامة مستوطنات في مناطق الحولة، وكان الشاغل الأساس لهذه
المستوطنات هو السيطرة على مزيد من الأراضي واستصلاحها لزراعة أنواع مختلفة من
المحاصيل الزراعية.
وقبل نكبة عام 1948 كان في سهل الحولة حوالي
30 قرية فلسطينية منها: خان الدوير، المنشية، الحسينية، كراد البقارة، كراد
الغنامة، مزرعة الخوري، خربة ياردا، لزازة، دفنة، الخصاص، الناعمة، المفتخرة،
الدوارة، غرابة، ملاحة، عرب الزبيد، تليل، الدردارة، الظاهرية التحتا، منصورة
الخيط، مغر الخيط، قباعة، طيطبا، ماروس، هونين، بيسمون، الزوق التحتاني، الزوق
الفوقاني، عرب الغوارنة، الصالحية، الحمرا، خيام الوليد، السنبرية، جاحولا..
وشرع الاحتلال بتنفيذ تجفيف الحولة على ثلاث
مراحل بين عامي 1951 و1957. وقبل تجفيفها في الخمسينيات بلغ طول بحيرة الحولة 5.3
كيلومتر وعرضها 4.4 كيلومتر، مع مساحة تمتد لأكثر من 12إلى 14 كيلومترا مربعا.
وحولت مساحة 70 ألف دونم تم تجفيفها إلى
المستوطنات للاستفادة منها في الزراعة، لكن فيما بعد أقر الخبراء، بأن عملية تجفيف
البحيرة كانت خطأ فادحا، لكون عملية التجفيف خلقت مشاكل عسيرة، منها هبوط في
الأراضي التي انتشرت فيها المستنقعات، ما يؤدي إلى فيضانات مائية مستقبلية، ولحقت
أضرار بمناطق الفحم الحجري التي اكتشفت في المنطقة بعد تجفيفها، وهذه المناطق
تعرضت إلى احتراق في الصيف، ما أدى إلى انجراف مساحات من التربة، ولم تعد البحيرة
تشكل مجمعا للطين المجروف والذي كان يصل إلى بحيرة طبريا ويساهم في عملية التوازن
فيها.
فكانت مضار كثيرة، وفوائد زهيدة، مما دفع
الاحتلال إلى معاودة محاولة إحيائها بعد انكشاف كذبهم حول " تجفيف المستنقعات
وتحويل ألقفار في فلسطين إلى جنائن و بساتين".
بعد أن اختفت البحيرة التي عاش في مياهها 16
نوعا من الأسماك وجذبت طبيعتها عشرات الأنواع من الحيوانات وجمعت طيورا من ثلاث
قارات، وكانت الموطن الأقصى شمالا لنبتة البردى الإفريقية، وعلى ضفافها تناثرت
القرى العربية التي هجر معظم سكانها إلى سوريا ولبنان، فيما بقى عدد قليل منهم
مهجرين في وطنهم يعيشون داخل بعض القرى التي سلمت من الهدم مثل شفا عمرو ووادي
الحمام وشعب وغيرها من قرى الجليل .
أسراب من الطيور المهاجرة في سهل الحولة
ولم يتبق أثر للسكان في الحولة سوى صورة
مجسمة لفلاح وزوجته وابنته داخل متحف في "محمية الحولة " دونما توضيح أو
إشارة إلى ماضيهم بعكس صورة الحيوانات والطيور التي عاشت في الحولة وحظيت بشروحات
وتوضيحات وافرة تلفت انتباه الزوار أكثر من ذكر حقوق السكان الأصليين والمالكين
الحقيقيين للأرض الذين شردوا من أراضيهم.
المصادر
ـ هشام نفاع، "كارثة بيئية جديدة في
سهل الحولة بسبب محاولات إخضاع الطبيعة مجددا لمعايير الربح الجشع"، مدار،
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 3/1/2022.
ـ "سهل الحولة "تاج الجليل"، موقع
عرب 48، 28/3/2014.
ـ مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين، بيروت، 1973.
ـ عيد مرعي، "منطقة الحولة"، الموسوعة العربية،
دمشق.