عن الذين يحملون فلسطين في وجدانهم، مهما تغربوا في الزمان والمكان..
هو أحد نماذج النخبة الفلسطينية، من عائلة ذات حسب ونسب، وميسورة الحال، وصل إلى أعلى المراتب العلمية، وجال العالم وجرّب الحضارات، وبقي حاملاً فلسطين في وجدانِهِ وأشعارِهِ. فلم يترك "وصف عكا" ومأساة النكبة وكارثة النكسة التي كتب عنها الشعر وهو وزير في الحكومة الأردنية.
تبقى فلسطينُ بالنسبة للشعراء، وسيف الدين الكيلاني أحدهم، هي الوطن والأم والزوجة والأخت والإبنة والعشيرة، فقد أغنت كثيراً من الشعراء عن الغزل في أشعارهم. فالواجب تجاه فلسطين، إن لم يكن هو الوفاء فهو الحب، وإن لم يكن الحب فهو صلة الرحم. لم تمهله الحياة وقتاً للراحة، فقضاها في الترحال أو في المناصب والوظائف السريعة، وركز في الإنجازات التربوية والتأليف.
فمن هو شاعرنا؟
ولد سيف الدين الكيلاني في اليمن عام 1914، حيث كان والده موظفاً هناك، بعد مدة عادت العائلة إلى مدينة نابلس، فنشأ الكيلاني في حاراتها وساحاتها المحاطة بالجبال والمنازل، وقد تلقى دروساً دينية قبيل التحاقه بالمدرسة، وعندما أصبح في سن ست سنوات، التحق بالمدارس الحكومية، حيث تنقل بين أكثر من مدرسة، فدرس في مدارس نابلس ويافا، حتى نال شهادة الثانوية العامة.
ثم انتقل إلى الكلية العربية بالقدس، فنال شهادة التعليم العام سنة 1932. ودبلوم التربية من الكلية العربية عام 1933، وشهادة امتحان المعلمين الأعلى عام 1937.
عمل مدرّساً في مدرسة الخليل الثانوية، بعدها بفترة نُقل إلى مدينة طبريا وعُيّن مديراً لمدرستها، كذلك أصبح مديراً لمدرسة المجدل، وبعدها تسلم إدارة مدرسة قلقيلية، وذلك خلال الفترة من عام 1933 وحتى عام 1945، وخلال عمله في التدريس والإدارة المدرسية، حاز على شهادة امتحان المعلمين عام 1937. ثم استقال وعيّن سكرتيراً لبنك الأمة العربية في القدس، فمديراً لفرع هذا البنك في نابلس.
قبل النكبة، حصل على دبلوم التربية بدرجة شرف من جامعة ملبورن بأستراليا عام 1945، وبكالوريوس في التربية من نفس الجامعة عام 1955، وماجستير في التربية من الجامعة ذاتها عام 1956، ودكتوراه فلسفة في التربية من كلية التربية في جامعة عين شمس عام 1960.
وقعت النكبة عام 1948، فخرج لاجئاً، وسافر إلى شمال العراق، وعاد إلى التعليم من جديد، من خلال عمله معلماً في مدرسة كركوك الثانوية. ثم انتقل إلى سورية، وعمل معلماً في مدرسة حماة الثانوية، وذلك خلال الفترة من عام 1948 وحتى 1950. وبهما بدأ سلسلة طويلة من التنقل والسفر بين البلدان العربية والأجنبية.
ثم عاد للأردن وعمل مديراً لثانوية السلط. ثم أوفد في بعثة دراسية على نفقة اليونسكو إلى أستراليا ونيوزلندا فالولايات المتحدة فبريطانيا خلال الأعوام 1954 ـ 1956.
بعد نيله درجة الدكتوراه، عُين الكيلاني مفتشاً تربوياً في وزارة التربية والتعليم، وأصبح بعد ذلك مديراً لدار المعلمين في بيت حنينا بالقدس.
ترك التعليم، وتم تعيينه مديراً عاماً لدائرة المطبوعات والنشر، ثم وكيلاً ـ أمين عام ـ وزارة الإنشاء والتعمير عام 1962، ودخل الحكومة وزيراً لوزارة الإنشاء والتعمير عام 1965.
غادر الكيلاني الحكومة، وأصبح سفيراً للأردن لدى المغرب عام 1966، وعندما أحيل على التقاعد، عمل في جامعة الملك محمد الخامس أستاذاً محاضراً عام 1967 حتى وفاته عام 1968.
اشتهر الدكتور سيف الدين بأنه كان خطيباً وأديباً بارعاً وشاعراً متميزاً، وباحثاً تربوياً، وقد كتب القصائد الوطنية، وخص فلسطين بأجمل وأغزر شعره.
تميزت أشعاره بالشكل الكلاسيكي، الذي راعى التجديد في اللغة والتركيب الشعري، كما عرفت قصائده بالرصانة وقوة السبك، وبصدق العاطفة وحرارتها. ونقل معجم البابطين عن قصائده: غلب المعنى الوطني على شعره، وامتزجت نزعته الروحية بحسّ إنساني وحماسة عربية، وكان هذا طبيعياً في توجهه إلى قضية وطنه فلسطين وقراءة نكبتها وما ترتّب عليها، وما يسعى إليه من أجلها. في قصائده تلتقي ملامح القديم والحديث، وتميل الصياغة إلى الرصانة والجدة.
من آثاره
رسالة ماجستير "دراسة مقارنة لنظم التفتيش في الأردن وأستراليا ونيوزلندا".
تجربة في الأشراف الفني في مدارس الأردن الثانية.
شرح النصوص المختارة لطلاب المدارس الثانوية، عدة أجزاء.
المعلم المنفرد، مترجم.
خلجات قلب (ديوان شعر).
الحنين إلى الوطن (ديوان شعر).
نال الكيلاني عدداً من الأوسمة الرفيعة، منها وسام الكوكب من الدرجتين الثالثة والثانية، ووسام النهضة من الدرجة الأولى، ومن المملكة المغربية نال وسام الكفاءة الفكرية.
توفي سيف الدين الكيلاني في 3 حزيران (يونيو) عام 1968 في الرباط، ونقل جثمانه إلى عمان حيث دفن في مقبرة عمان الكبرى.
من قصائده:
ذكرى 15 أيار
بِنَجيعِ الأبطالِ سطِّرْ قَصيداً .. واشْدُ أيّار لحنَهُ والنَّشيدا
يا فلسطينُ يَفتديكِ أُباةٌ .. أَترعوا دَوْحةَ الفَخَارِ وَريداً
قَبَسُ المَجدِ شَعَّ في كُلِّ شِبرٍ .. مِن ثَراها أَباطِحاً وَنُجوداً
إنّ ذاك الثرى تَضَوَّع مِسكاً .. كُلَّما ضَمَّ في الجِهادِ شَهيداً
وَإذا مَاتَ فِي هَواهُ شَهيدٌ .. رَجَّعَ السَّفحُ مُتَّ مُتَّ سَعيداً
فَتَزِفُّ الأملاك روحاً زكيّاً .. ويصوغ الخلود رمزاً جديداً
إيهِ أيارُ كَمْ أثرتَ دَفيناً .. مِن خُطوبٍ تُفتِّتُ الجُلمودا
يومَ حَلَّت بِمَوطِني وَبِلادِي .. نَكبَةٌ خَلَّفَتْ لَياليَ سُوداً
أمعنتْ في الأذى ولجَّت فجوراً .. ثم غالت في شعبنا تشريداً
فَتَكَتْ بِالشّيوخِ عُزْلاً ضِعافاً .. لَهْفَ نَفْسِي وَلَمْ تُغَادِر وَليداً
وَتَنَاهَتْ فِي الخِزْيِ وَالبَغْيِ لَمَا .. قَتَلَتْ نِسوةً وَلَم تَرْعَ غِيداً
غَيرَ أَنَّ الإباءَ ما زالَ يغلي .. بُركاناً مُسَعَّراً وَحَديداً
لَنْ نُطيقَ استعمارَ شَعبٍ لِشَعبٍ .. بَعدَ أَن بَاتَ نَعشُهُ مَوْءُوداً
مَعْقِلُ العُرْبِ لَن يُضامَ وَفِيهِ .. كُلُّ حُرٍّ يَأبى لِطاغٍ سُجُوداً
وصف عكا (قبل النكبة)
أَغفَت عَلى زِندِ الخَليجِ كِعابُ .. زَيَّانَةٌ لم تُذوِها أحقابُ
أَغفَت يُداعِبُها النَّسيمُ بِكَفِّهِ .. وَالطَّيرُ تَصدَعُ وَالغصونُ رِطابُ
أَغفتْ وَبِيضُ الهِندِ في أَجفانِها .. للهِ، كم أَسْراكِ يا أَهدابُ
والبَحرُ يَرقُبُها بِنَظرةِ واصِفٍ .. ما نالَ مِنها مَوجُهُ الصَخّابُ
كَم راحَ نَابُليونُ يَخطِبُ وَدّها .. فَتَمَنّعتْ، لَم تُغرِها الأَلقابُ
عَزَفَتْ عَنِ الخُطّابِ إِلا أَنَّها .. خَطَبتْ صَلاحاً، والهوى أسبابُ
*شاعر وكاتب فلسطيني
الشاعر رجا سُمرين.. مسكونٌ بِفلسطين قدّم ابنه عربونا لها
الشاعر فائق فريد عنبتاوي.. هوية فلسطينية في ميادين النضال
عبد الرحمن الكيالي.. أول من درس الشعر الفلسطيني في النكبة