يقرأ محللون سياسيون من خلال ما تفيد به الأنباء، أن تقسيم بعض الدول العربية يتجه ليكون أمرا واقعيا يوما ما، وهو الأمر الذي يبدو وكأنه يلقى قبولا بين الأطراف ذات الصلة، حتى إن حديث بعض السياسيين أصبح يتناول شكل القسمة الجديدة، وبشكل علني في وسائل الإعلام، وذلك بعد ما أسموه "وفاة
سايكس بيكو".
هذا الأمر يعيد إلى الذاكرة الاتفاقية التي فرضت واقع الانتداب والتقسيم على العرب، من خلال ما رسم من حدود، ينظر إليها بأنها سبب ما آلت إليه الأوضاع اليوم في المنطقة.
ويبدو أن الاتفاق العتيق لم يعد يتوافق مع المخططات الجديدة التي تستهدف المنطقة، فمع الذكرى المئوية لسايكس بيكو، قد يواجه العرب تقسيما جديدا لما هو مقسم، تقوده الولايات المتحدة وروسيا بما يعرف بـ"مشروع الشرق الأوسط الجديد"، ولكن هذه المرة على أساس ديني وعرقي، وبالتالي ظهور كيانات جديدة يمكن السيطرة عليها، وفق ما ذهب إليه ناشطون.
مئة عام على توقيع كل من الممثلين الدبلوماسيين، عن فرنسا جورج بيكو، وبريطانيا مارك سايكس، في 16 أيار/ مايو 1916، اتفاقية ترسيم الحدود، التي تعدّ الاستراتيجية التي ابتكرتها فرنسا وبريطانيا لخلق مناطق نفوذهما في المنطقة.
ووفقا لما نشره معهد "بروكنغز" في واشنطن، في أيار/ مايو 2014، فإن محرك البحث في "غوغل" يعطي حوالي 15 ألف نتيجة للبحث حول "نهاية سايكس بيكو".
وبحسب الناشط السياسي السوري، محمد أمين، فإن خارطة الوطن العربي اليوم تبدو وكأنها ذاهبة إلى تقسيم
سوريا والعراق وليبيا واليمن، في أقل تقدير إلى ثلاث دويلات في كل واحدة منها.
ولفت أمين في حديثه لـ"
عربي21" إلى أنه على غرار سايكس بيكو، فإن لقاءات ومناقشات وزيري الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف، تعكس بحثا جديا بتقسيم جديد، أطلق عليه إعلاميا اسم "
الخطة B"، التي ستمكن من فرض نفوذ دولتيهما في هذه الدول، وأبرزها سوريا، لتأمين مصالحهما.
وأضاف أن كيري فاجأ العالم بتصريح جاء صادما في مضمونه وصراحته وذلك في شباط/ فبراير الماضي، حين أكد أنه قد يكون من الصعب إبقاء سوريا موحدة إذا استمر القتال لفترة أطول من ذلك، وذلك أثناء جلسة طلب الميزانية السنوية للوزارة أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي.
وأعلن كيري حينها، أن الولايات المتحدة تدرس خطة بديلة للتعامل مع الوضع في سوريا في حال لم تكن دمشق وموسكو جادتين في التفاوض على الانتقال السياسي، على حد قوله.
ومؤخرا، أشار المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" مايكل هايدن، إلى ما قال عنه إنه "اختفاء العراق وسوريا رسميا من على خريطة الدول العربية"، مضيفا خلال حواره مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية: "نرى اليوم انهيارا في الحدود التي تم ترسيمها في معاهدات فيرساي وسايكس بيكو، ويمكنني القول إن سوريا لم تعد موجودة، والعراق كذلك".
من جانبه، صرّح مؤخرا رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، في مقابلة له مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي": "ليس وحدي من يقول بذلك، ففي الحقيقة أن سايكس بيكو فشلت، وانتهت".
سيناريوهات تقسيم المنطقة بدأت تتواتر على ألسنة الإعلام الغربي، منذ ذلك الحين، وتتحدث بعض نظريات المحللين بأن العرب ربما يشهدون فيدراليات وكونفدراليات كثيرة في المرحلة المقبلة.
وتشهد بذلك المنطقة اليوم تواليات تقسيمية غير مسبوقة تاريخيا، بحجة الدين والطائفة والعرق، فقبل مئة عام رسم كل من سايكس وبيكو حدود التقسيم، بسبب نزعات الدول الغربية بالنفوذ، وتوطين اليهود، واليوم يبدو الاهتمام ذاته لدى أمريكا وروسيا بالتقسيم لبسط النفوذ، وضمان المصالح.
سيناريوهات التقسيم في الدول العربية بعد سايكس بيكو:
- يتجه العراق نحو التقسيم إلى ثلاث مناطق على أساس عرقي وطائفي (سني، شيعي، كردي).
- وتقسيم سوريا ذاهب اليوم إلى فيدراليات ثلاث دويلات، إحداها للعلوين على الساحل، ودولة للسنة في القلب، ودولة أكراد سوريا المرشحة للانضمام إلى أكراد العراق، وجزء من تركيا وإيران.
- السودان أصبح دولتين جنوبية وأخرى شمالية.
- مطالبات في اليمن ما زالت قائمة بعودته إلى شمال وجنوب.
- ليبيا تبدو عاجزة أمام طوفان التقسيم إلى ثلاث مناطق "فزان- طرابلس- برقة".
- استمرار الخلافات بين المغرب والجزائر حول مصير الصحراء الغربية.
- إلى جانب الخلافات على الحدود التي تظهر من وقت لآخر بين دول الخليج.
التقسيم السكاني
في المقابل، لفت المفكر وأستاذ العلوم السياسية، عبد الستار قاسم، في حديثه لـ"
عربي21"، السبت، إلى أن الزمن ربما يتجاوز إلى سايكس بيكو جديد، ولكن سكانيا وليس جغرافيا، مضيفا أن "دول الغرب معنية بتفتيت الدول العربية بالمزيد، ولكن السؤال هو ما الجدوى من ذلك الآن؟".
وأوضح أن التقسيم الجغرافي لن يكون لصالح الغرب، إنما هو التفتيت السكاني القائم على الطائفية والمذهبية والعرقية، مبينا أنه على سبيل المثال، فإن إنشاء دولة علوية في سوريا ودولة شيعية جنوب المملكة السعودية وفي البحرين، على مبدأ التقسيم الجغرافي، يعني إنشاء دول ستتحالف مع إيران وحزب الله، وستكون هناك متاعب جديدة في الشرق الأوسط بالنسبة للغرب وإسرائيل، ما سيؤدي إلى نتائج عكسية.
وأضاف أن التفتيت السكاني سيضمن استمرار الحروب بين العرب والخصومة بينهم، معتبرا أن ذلك أخطر على الوطن العربي من التقسيم الجغرافي على غرار سايكس بيكو.
واستبعد قاسم أن تكون سايكس بيكو انتهت، مشددا على أن التقسيم -الذي على إثره تشكلت حدود الدول- ما زال قائما، مضيفا أن الحديث عن شرق أوسط جديد غير حقيقي، وربما يعطي نتائج عكسية بالنسبة لأمريكا ودول الغرب.
ووافق المستشار في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، الدكتور يحيى الكبيسي، ما ذهب إليه قاسم، وقال إنه لا يعتقد بأن هناك قرارا دوليا أو رؤية حقيقية لتقسيم سوريا خصوصا، ولفت إلى ما كتبته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كونداليزا رايز، في مقال شهير لها في 2010، أشارت فيه إلى ضرورة الإبقاء على الحدود الحالية للدول العربية.
وقال أستاذ العلوم السياسية، لـ"
عربي21" إنه من الصعب اليوم الاستسلام للقرارات الدولية كما حدث أيام توقيع اتفاقية سايكس بيكو، فالظروف اليوم مختلفة، والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة أقر بأن الحدود لا ترسم إلا بالتوافق، ولا يمكن فرضها على أي طرف.