على ممر طويل، تحيطه الصحراء من كل جوانبه، يقف مئات المواطنين مطلع كل يوم، حاملين حقائبهم نحو بوابة حديدية كبيرة، تمررهم للدخول إلى عمليات تفتيش "مهينة" في بعض الأحيان، على حد وصف أحدهم، لتبدأ بعدها رحلة طويلة تستغرق في أحيان كثيرة نهارا كاملا للدخول.
ساعات طويلة يقضيها أهالي معتقل
سجن برج العرب "الغربانيات" (شمالي
مصر)، المكون من ثلاثة أقسام، يضم أولها كتيبة من قوات الأمن المركزي المكلفة بحماية وتأمين السجن، أما الثاني فهو سجن برج العرب الاحتياطي، بينما القسم الثالث هو ليمان برج العرب المخصص لمن صدرت ضدهم أحكام بالسجن المشدد، في انتظار دقائق معدودة ربما لا تتعدى العشر يقضيها الأهالي مع أبنائهم وذويهم المعتقلين.
وبين سورَين مرتفعين تعلوهما عدد من أبراج المراقبة، يحيط السور الأول في منطقة سجون برج العرب، ويطوقها من الخارج، بينما يحيط الثاني بسجن برج العرب الإحتياطي وليمان برج العرب، يتجمع أهالي المحتجزين سياسيين كانوا أو جنائيين، في ساحة كبيرة لتبدأ الرحلة بالتفتيشات.
وتروي "جهاد محمد" ابنة أحد المعتقلين في السجن، "يبدأ التفتيش بالطعام أولا، ثم تفتيش الأغراض والملابس وتفتيش أهالي المعتقل تفتيشا دقيقا يصفه البعض بالتحرش، تسلم بعدها الأغراض والطعام داخل كيس كبير (شوال) يحمل اسم المعتقل".
في الساعة السابعة صباحا، تبدأ الزيارة الأولى، بحسب رواية جهاد، موضحة، "يصطف الأهالي على أبواب التسجيل في طابور يتراوح مدة الوقوف فيه، ما بين الساعة والساعة ونصف، لتسجيل أسمائهم بالكشوفات، التي تتراوح بين 30 و35 كشفا يحمل كل منهم أسماء أسر لستة محتجزين، مقسمة على الزيارتين الأولى والثانية، تبدأ الأولى بأسر السجناء الجنائيين فى حدود الساعة الواحدة ظهرا، ثم تليها زيارة أسر السياسيين".
وتكمل "إسراء أيمن" وصف المشهد، وهي شقيقة أحد المحتجزين، "في ساحة الانتظار يجلس الأهالي إلى حين خروج ذويهم بعد ساعات طويلة، إما في درجة حرارة عالية، أو في جو ممطر ورياح شديدة، لتنفرد كل أسرة بابنها السجين لمدة لا تزيد عن 10 دقائق، وفي المناسبات والأعياد، تمتد الزيارة خمس دقائق إضافية".
ولم تكن التفتيشات أو "التعنت" في استلام بعض الأطعمة، أو طوابير الزيارات الطويلة والانتظار بالساعات، هي المضايقات الوحيدة التي يتعرض لها الأسر بسجن برج العرب، تقول "أسماء محمد" شقيقة سجين آخر، "لم نزر أخي منذ ثلاثة أسابيع لتعنت إدارة السجن، أخي محكوم عليه، وزيارته تتم كل أسبوعين، فذهبنا لزيارته وبعد انتظار بالساعات لم يرفضوا فقط دخولنا، بل منعوا أيضا دخول الطعام".
وأضافت: "كيف ننام ونلقي على أجسادنا الأغطية، ونحن نعلم بأن لدى كل منا ابن أو أخ أو أب ينام على أرضية السجن دون غطاء، بعد رفض إدارة السجن دخول البطانيات، والملابس الشتوية"، كان ذلك تساؤل "إسراء عمر" ابنة أحد المحتجزين.
ويصيب شعور "الألم والمهانة"، والدة شابين محتجزين بسجن برج العرب، بعد أن سحبها السجانون من يديها وملابسها لإخراجها من الزيارة، وهي التي تدخل على كرسي متحرك، فلم تكن تلك المرة الوحيدة التي تتعرض لها الأم لمثل تلك الإهانات.
ووفق روايات بعض ذوي المعتلقين، فإن أبناءهم يعيشون داخل حجرة مساحتها 2 × 2 تضم 20 سجينا، وربما أكثر في بعض الأحيان، "لا يجدون فيها موطئ قدم (...)، حتى أنهم يقضون حاجتهم داخل إناء مركون في أحد زوايا الغرفة الصغيرة (...) ويمنعون من الخروج إلى الساحات السجن إلا مرة واحدة في اليوم، وفي أحيان أخرى يمنعون منها".
ولم تخل حياة السجين -بحسب روايات الأهالي- من عشرات "الانتهاكات"، فما بين تفتيش يجرد السجناء من ملابسهم وأغراضهم، وما بين حجرات "التأديب"، ومنع وصول الدواء إليهم، أو تحويل المرضى منهم إلى المستشفى، "يعيشون داخل عنابرهم في غرف مظلمة يتسلل إليها البرد القارس في المساء، وبصيص نور في الصباح".
ومن بين الانتهاكات التي تعرض لها معتقلون، ما تحدثت عنه أسرة السجين "منصور فاروق"، من منع لدخول الدواء إلى ابنهم، الذي يعاني من مرض السرطان قائلة إن "إدارة سجن برج العرب بالإسكندرية تتعنت في الإفراج الصحي عنه، على الرغم من وصول حالته إلى متأخرة من المرض، ما يهدد حياته بالخطر".
وأضافت الأسرة أن ابنها أجرى عملية لاستئصال ورم السرطان قبل احتجازه، عدا عن إصابته بعدة أمراض منها نزيف في الدم، وانزلاق غضروفي ومرض السكري.
وفي مشهد آخر، زاد من حدة الأمور داخل السجن، أصيب العشرات بحالات تسمم، نتيجة لشربهم المياه الملوثة وغير الصالحة للشرب، بعد انقطاع ما يزيد عن ثلاثة أسابيع، منذ موجة الأمطار الأولى التي أغرقت أجزاء واسعة من الإسكندرية (شمالا) في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ما تسبب في تعطيل محطات ضخ المياه، ومنذ ذلك التاريخ لم يحصل المحتجزون إلا على كميات قليلة من المياه الملوثة، وفق بيانات حقوقية.
وقالت شقيقة السجين "عبدالله ابراهيم"، 18 عاما، وهو طالب بكلية هندسة: "منذ شهر تقريبا، علمنا بأن المياه مقطوعة المعتلقين داخل السجن، تأتي فقط لمدة ساعة في اليوم، بكميات قليلة ملوثة وغير صالحة للشرب، فضلا عن عدم توافر المياه المعدنية لشرائها، ما أدى إلى إصابة العشرات بالتسمم، وعدم قدرة مستشفى السجن على علاج تلك الحالات".
وقالت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات (غير حكومية ومقرها القاهرة)، في بيان سابق، إن "أطباء حذروا من احتمال تعرض المحتجزين بسجن برج العرب، للفشل الكلوي، نتيجة تكرار حالات التسمم، ما ينذر بخطر على حياتهم"، فيما وجه عدد من أسر المحتجزين بالسجن استغاثة للمنظمات الحقوقية والجهات المختصة للتدخل، إنقاذا لحياة ذويهم من انتهاكات إدارة السجن.
وترفض الأجهزة الأمنية في مصر اتهامات معارضين للسلطات المصرية، بممارسة
انتهاكات حقوقية ضد المحتجزين، الذين تصفهم بـ"الجنائيين"، فيما يقول ذووهم وحقوقيون إنهم "يحاكمون في قضايا سياسية".