30 ضابطاً انضموا لثورة يناير بشكل فردي ولم يؤسسوا تنظيماً
لا أنتمي لأي فصيل سياسي.. وشاركت في اعتصام رابعة العدوية
تبلورت عندي فكرة ضرورة التخلص من نظام مبارك قبل الثورة بسنوات
تعرضنا لضغوط نفسية خلال الاعتقال أدت ببعضنا إلى انهيار عصبي
حُكم علينا بالسجن لمدة عام بتهمة مناهضة حكم المجلس العسكري
معظم ضباط 8 أبريل مخلصون للثورة وبعضهم دارت حوله الشبهات
الانقلابات العسكرية على خيارات الشعوب تدفع الأوطان نحو هاوية التبعية
ستندلع ثورة جديدة لوجود المسؤول عن إراقة الدماء على رأس السلطة
كانت مشاركة عدد من ضباط القوات المسلحة
المصرية في ثورة 25 يناير 2011، الذين أُطلق عليهم إعلامياً لقب "ضباط 8 أبريل"، أمراً مثيراً للجدل والغموض، وخصوصاً أن كثيرين وجهوا إلى بعضهم اتهامات بأنهم "مندسون" وسط الثوار.
في لقاء خاص، حاورت "عربي 21" أحد هؤلاء الضباط، وهو
العقيد الطيار المتقاعد
هاني شرف، للحديث عن حقيقة دوافعهم للانضمام للثورة، وهل شكلوا تنظيماً ما؟ وما الذي حدث معهم بعد ذلك؟ وما هي أوضاعهم الحالية؟.. وغيرها من المحاور التي تكشف جوانب بقيت خفية منذ اندلاع الثورة وحتى الآن.
وتالياً نص الحوار..
* كيف جاءت فكرة انضمامك لثورة يناير؟
- تبلورت عندي فكرة ضرورة التخلص من نظام مبارك قبل الثورة بسنوات، وتحديداً عقب غرق عبارة السلام عام 2006، وبسبب معرفتي الجيدة بأدق تفاصيل هذا الحادث؛ أدركت تماماً أنه لا يمكن إصلاح نظام مبارك، خاصة بعد انعدام جهود إنقاذ الضحايا.
وفي عام 2010، بعد أن زاد معدل الحراك السياسي في الشارع
المصري، وبدأت تتبلور إرهاصات الثورة، كان لي بعض النشاطات المتعلقة بهذا الأمر خلال فترة الإجازات، وهذا مكنني من معرفة أماكن التجمعات والمسيرات المتجهة لميدان التحرير.
وفي 25 يناير، كنت متواجداً في قاعدتي الجوية، حيث كنت رئيساً لأركان لواء جوي مقاتل، وتقدمت حينها بإجازة يوم 26 يناير، واتجهت فوراً إلى محافظتي السويس (شرارة الثورة)، وحينما علمت نبأ سقوط ثلاثة شهداء في اليوم الأول من الثورة في السويس، أدركت يقيناً أن الثورة ستستمر، واستمر تواجدي في ميادين الثورة بالسويس، حتى فجْر 28 يناير، حيث توجهت للقاهرة، وشاركت في المسيرة التي خرجت من مسجد الاستقامة في ميدان الجيزة، وبعد عبور كوبري قصر النيل مباشرة، أُصبت بـ"خرطوش" أسفل عيني اليمني، ثم دخلنا بعدها لميدان التحرير.
* ألا ترى أن اتخاذ قرار الانضمام للثورة يُعد مغامرة خطيرة لمثل من هو في موقعك العسكري؟
- القاعدة التي بنيت عليها قراري هي ذاتها قسمي العسكري الذي أقسمته حين تخرجت من الكلية الجوية المصرية ضابطا وطيارا مقاتلا، وهو: (أقسم بالله العظيم أن أكون جندياً وفياً لجمهورية مصر العربية، مخلصاً لرئيس الجمهورية، مطيعاً لأوامر رؤسائي)، ويتضح من هذا القسم أن ولاء الضابط للشعب والوطن أولاً، وإخلاصه لرئيس الجمهورية يعني أن يكون الرئيس مخلصاً للوطن، وأن يكون منتخباً انتخاباً حراً من الشعب، وهذا لم يتوافر في حسني مبارك تحديداً، وطاعة الرؤساء والقادة إنما تجب حينما تكون صدور وأسلحة الجنود موجهه لأعداء الشعب فقط.
* كيف تجمّع هذا العدد من الضباط في الميدان؟
- لم يحدث أي تجمّع لضباط القوات المسلحة إلا في يوم 8 أبريل، فعقب تنحي مبارك، تلكأ المجلس العسكري وتلاعب بمطالب الثورة والثوار، ما دفع بعض الضباط لتوجيه دعوات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، إلى التواجد في ميدان التحرير في يوم 1 أبريل 2011، ولكن لم يستجب إلا عدد قليل جداً ارتدوا الزي المدني، وفي 8 أبريل زاد العدد، وحضرت مجموعة بالزي العسكري، وأخرى بالزي المدني، بهدف الضغط على المجلس العسكري بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي؛ لتنفيذ مطالب الثورة الشعبية.
* هل كان هناك تنظيم أو تشكيل ما، جمع الضباط الذين شاركوا في الثورة؟
- لم يكن هناك أي تنظيم يجمع بين هؤلاء الضباط، فقد تجمعوا في ميدان التحرير بشكل فردي للانضمام لثورة الشعب، اقتناعاً منهم بأهداف الثورة ومبادئها.
* ما هي ملابسات اعتقالكم؟ وما حجم الضباط المشاركين في الثورة؟
- أول مجموعة تم اعتقالها في الفترة من 9 أبريل وحتى 22 أبريل، وسُميت مجموعة ضباط 8 أبريل، وتم اعتقالي مع ثلاثة آخرين يوم 26 مايو، وسُميت مجموعة ضباط 27 مايو، وتم اعتقال مجموعة أخرى شاركت في أحداث محمد محمود الأولى، وسُميت مجموعة 20 نوفمبر.
وكان العدد الإجمالي للضباط المنضمين للثورة 29 ضابطاً، بالإضافة إلى ضابط يُدعى أيمن سالم، تم اعتقاله قبل الثورة مباشرة بسبب مطالبته الشعب المصري بالثورة على نظام "مبارك"، ودعوته على صفحته في "فيسبوك" وبين أصدقائه وزملائه إلى الخروج في كل جمعة للتظاهر لإسقاط الرئيس المخلوع.
* ما هي الإجراءات التي تم اتخاذها معكم عقب اعتقالكم؟ وهل تعرضتم لتعذيب بدني ونفسي؟
- عن نفسي، استمر اعتقالي لمدة عام كامل، كانت الفترة الأولى هي الأصعب، حيث تم وضعي لمدة أربعة شهور متتالية في مقر المخابرات العسكرية بمكان ضيق للغاية، وبشكل انفرادي، ثم نقلت بعدها إلى مكان التحفظ على الضباط بمقر القوات الجوية، حيث مكثت هناك ثمانية أشهر، وهذا ما حدث مع أغلب الضباط، مع اختلاف الأماكن.
وفي الحقيقة، لم نتعرض للتعذيب البدني، لكن الضغوط النفسية على الضباط وعائلاتهم كانت كبيرة للغاية، لدرجة أنني رأيت بعضهم يصل لمرحلة الانهيار العصبي.
* ما هي التهم التي وجهت إليكم؟ وما الأحكام التي صدرت في حقكم؟
- تم التحقيق معنا ومحاكمتنا عسكرياً خلال فترة المجلس العسكري بقيادة "طنطاوي"، وصدرت ضدنا أحكام بالسجن وصل بعضها لمدة 15 عاماً خُففت بعد ذلك لثلاث سنوات، بتهمة مناهضة المجلس العسكري في إدارته لشؤون البلاد الداخلية والخارجية، ثم تم التصديق عليها بعام واحد فقط، وهذا ما حدث مع أغلب الضباط.
* بعض الثوار كانوا يعتقدون أن منكم مندسين على الثورة؟
- لا أعتقد هذا، ولكن إذا ما أردت الدقة؛ فغالبية الضباط المنضمين للثورة مخلصون لها، باستثناء قليل منهم يمكن القول بأنهم قد تم التأثير عليهم، واستخدامهم بطريقة معينة للحشد للثورة المضادة في 30 يونيو، وتأييد الانقلاب العسكري في 3 يوليو، ودارت حولهم الشبهات، بل وصل الأمر بأحدهم أن كتب مقالاً يؤيد فيه
السيسي رغم المذابح التي ارتكبها، لكن بالتأكيد هذه وقائع فردية لا يمكن تعميمها على كل الضباط المنضمين للثورة، فمن أخطأ أو باع مبادئ الثورة فإنه يتحمل تبعات ذلك وحده.
* هل تنتمي إلى فصيل سياسي أو تيار فكري؟
- انتمائي الأول والأخير لديني، ثم وطني، وأنا لا أنتمي إلى أي فكر سياسي، وإنما أدعم كل ما أجده في صالح الوطن دون تردد.
* كيف هي حياتك الآن بعد خروجك من الخدمة العسكرية؟
- بعد تركي للخدمة في القوات المسلحة اتجهت لاستكمال دراستي العليا في الاقتصاد، وحصلت على درجة الماجستير، وكان عنوان الرسالة (التنمية المستدامة - دراسة مقارنة)، والآن أكمل دراسة الدكتوراه، ولي بعض الأعمال الخاصة، ولم أنقطع يوماً عن الثورة بكل ما أملك. وقد شاركت في اعتصام رابعة العدوية، وكنت أحد مؤسسي حركة "لم الشمل".
* كيف كنت تنظر إلى الدعوة للتظاهر ضد الرئيس مرسى في 30 يونيو 2013؟
- التظاهر في حد ذاته حق مشروع للشعب، لكن بكل تأكيد أن التحضير ليوم 30 يونيو كان من صنع الدولة العميقة، واستخدم رموز نظام مبارك كل إمكاناتهم المالية والإعلامية للتحريض على التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر.
وعندما يكون الحراك نابعاً من الشعب، فأهلاً ومرحباً به، لكن عندما يكون مصنوعاً مدفوع الأجر، كحملة "تمرد"، فهذا انقلاب صنعته الولايات المتحدة الأمريكية مثلما حدث في عدد من الانقلابات التاريخية في النصف الثاني من القرن العشرين، واتضح بعد ذلك بشكل جلي مدى تدخل الأذرع الإقليمية والدولية في 30 يونيو و3 يوليو وإعلان الانقلاب.
وعقب خروجي من الخدمة في يناير 2013 أدركت تماماً أنه لا يمكن للدولة العميقة وحدها أن تحدث كل هذا الكم المصطنع من المشاكل دون مساعدة المؤسسات السيادية الأخرى؟! حينها أدركت أن هناك انقلاباً قادماً لا محالة، لأن الأزمات التي دُبرت وتم تنفيذها على الأرض وتضخيمها إعلامياً، كانت تدار على مستوى دولة.
* لكن هناك من يقول إن ما حدث في 3 يوليو كان استجابة لمطالب الشعب، كما أعلن السيسي وقتئذ؟
- بل هو انقلاب عسكري بامتياز على كل أهداف ومبادئ وقيم ثورة الشعب المصري في 25 يناير 2011، وحتى بعض من شارك في 30 يونيو كان يطلب انتخابات رئاسية مبكرة، لكن قائد الانقلاب انقلب على مطالبهم أيضاً، وللأسف جمّل الانقلاب وجهه ببعض الشخصيات الليبرالية والدينية التي باعت مبادئها رخيصة، بسبب كراهيتها لجماعة الإخوان المسلمين بخاصة، والتيار الإسلامي بشكل عام.
وأتساءل: أين أفكار محمد البرادعي عن الثورة العابرة للأيدولوجيات والليبرالية الديمقراطية التي تقبل الجميع؟ أما شيخ الأزهر أحمد الطيب، والمفتي السابق علي جمعة، وحزب النور، وكذلك الأنبا تواضروس؛ فهم رموز الدولة الوظيفية لنظام مبارك ودولته الفاسدة التي تدور في فلك التبعية الأمريصهيونية.
وأرى أن الهدف من الانقلاب؛ هو إدخال مصر في صراع كراهية داخلي لاستمرار وضمان بقائها داخل منظومة التبعية الأمريكية، وبالتالي تكون رأس حربة للمشروع الاستعماري الجديد للمنطقة، خاصة بأنني أؤمن بأن الانقلابات العسكرية على خيارات الشعوب تدفع الأوطان لهاوية التبعية.
* هل بوسع الجيش المصري أن يستمر في التواجد بالشارع لفترة قادمة؟ وما تأثير ذلك على جاهزيته القتالية؟
- الوضع الأمثل والطبيعي للجيش الوطني هو أن يتفرغ لأداء مهمته المقدسة، وهي حمايته للحدود المصرية من أي أخطار، وخاصة في ظل الصراعات الإقليمية والدولية التي تشهدها المنطقة الآن، ولأن مصر دولةً ووطنًا مستهدفة من النظام العالمي الجديد الذي يسعى للعبث بالهوية الدينية والثوابت الوطنية، ومهمة الجيش هي الحفاظ على الأمن القومي وثروات الوطن.
* هل ترى أن الأجواء في مصر حالياً مهيأة لقيام ثورة أخرى على النظام الحالي؟
- طالما بقيت المسببات الأصلية التي فجرت ثورة 25 يناير، بل وأضيف عليها وإليها الآلاف من الشهداء والجرحى وعشرات الآلاف من المعتقلين، فسيظل احتمال حدوث واندلاع الثورة وارد وبقوة، وخاصة مع وجود المتسبب في كل هذه الدماء على رأس السلطة.