استبعد خبراء عسكريون وسياسيون أن يكون قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي لأحد أبراج المراقبة للجيش
المصري على الحدود حدث "بالخطأ" في الوقت الذي تزعم فيه دولة الاحتلال أنها تمتلك أحدث وأقوى الأسلحة الفتاكة بتكنولوجيا عالية ودقة تصويب متناهية.
واعتبروا أن قصف البرج هو رسالة دامية إلى الجانب المصري، للتنفيس عن حالة الفشل والغضب الكبيرين لدى جيش الاحتلال من هزيمة يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والتأكيد على فرض السيطرة على الأرض وحتى أبعد نقطة على الجانب المحتل.
كما أنهم رأوا في تصريحات لـ"عربي21" أن الرد المصري على إصابة عدد من الجنود وعدم تحديد عددهم جاء أقل من المتوقع ولا يتناسب مع حجم الأزمة الكبيرة التي تعيشها الأراضي
الفلسطينية المحتلة، ولا يرقى إلى حالة الحرب المعلنة من جانب
الاحتلال الإسرائيلي.
وأعلن الجيش المصري، مساء الأحد، عن وقوع "إصابات طفيفة لبعض عناصر المراقبة الحدودية"، جراء قصف إسرائيلي "عن طريق الخطأ" (دون أن يحدد عدد تلك الإصابات)، مؤكدا أن "التحقيق جار في ملابسات الواقعة".
وأضاف في بيان له على مواقع التواصل الاجتماعي، أن "الجانب الإسرائيلي أبدى أسفه على الحادث غير المتعمد فور وقوعه، وجار التحقيق في ملابسات الواقعة".
وهذه الحادثة الأولى من نوعها منذ نشوب الحرب بين دولة الاحتلال والفصائل الفلسطينية في قطاع
غزة، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.
وفي وقت سابق من يوم الأحد، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفه موقعا مصريا، بالقرب من الحدود بين البلدين، في منطقة "كرم أبو سالم"، وفق بيان رسمي.
وتابع الجيش الإسرائيلي: "يجري التحقيق في الحادث ومراجعة التفاصيل"، مبديا "أسفه" بشأن الحادث.
وتحدثت وسائل إعلام مصرية عن إصابة 9 جنود مصريين جراء الاستهداف الإسرائيلي لبرج تابع لقوات حرس الحدود جنوب مدينة رفح المصرية على خط الحدود الفاصل بين مصر وقطاع غزة.
وقال موقع "مدى مصر" المحلي إن "سيارات الإسعاف نقلت المصابين إلى المستشفى العسكري في العريش، بحسب مصدر في هيئة الإسعاف ومصدرين مسؤولين في محافظة شمال سيناء".
"زمن الخطأ العسكري ولى"
استبعد الخبير العسكري وعضو هيئة تفتيش القوات المسلحة المصرية سابقا، العميد عادل الشريف، أن "يكون قصف برج مراقبة عسكري على الحدود بين مصر ودولة الاحتلال قد حدث بطريق الخطأ لعدة أسباب منها أن أخطاء من هذا القبيل خلال العشرين سنة الماضية غير واردة في الحقيقة بعد أن دخل العالم عصر الأسلحة الذكية والتوجيه الإلكتروني الدقيق، وهي محاولة لجس نبض العملية البرية والتي تصدى لها عناصر من المقاومة".
علاوة على ذلك، وبحسب تصريحات الشريف لـ"عربي21"، فإن "منطقة القصف ليست منطقة اشتباكات على الإطلاق، وتعمد استهدافها هي رسالة للجانب المصري وللداخل الإسرائيلي بأن جيش الاحتلال يسيطر عسكريا على الأرض وبمقدوره الوصول إلى أبعد نقطة على الجانب الآخر".
واعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي أن "الرد المصري على المستويين العسكري والسياسي جاء أقل من المتوقع ولا يتناسب مع حالة الحرب التي تخوضها قوات الاحتلال بمفردها في المنطقة ضد المدنيين في قطاع غزة، وكان أحرى أن يكون الرد أقوى وأردع للجانب المحتل".
ووصف الشريف بيان الجيش المصري ردا على إصابة عدد من جنوده بأنه "بلع لسان، ورد يخذل حقوق الجنود الذين أصيبوا ويكشف دون شك أن النظام المصري لن يحرك ساكنا تجاه الإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان قطاع غزة، وقبول الاعتذار هو أمر مهين".
حصيلة دامية للعدوان الإسرائيلي
تجاوز عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة خلال أقل من ثلاثة أسابيع، حصيلة شهداء فلسطين منذ 14 سنة.
وبحسب ما رصدت "عربي21"، فإن عدد شهداء فلسطين منذ العام 2010 حتى السادس من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أي قبل "طوفان الأقصى"، وصل إلى 4553 شهيدا.
وبحسب آخر إحصائية لوزارة الصحة فإنه استشهد في قطاع غزة 5087 منذ بدء عملية "طوفان الأقصى"، إضافة إلى المئات خلال الليلة الماضية، ما يعني أن الحصيلة قد ترتفع إلى أكثر من ستة آلاف خلال الساعات المقبلة.
"رواية هشة وموقف مصري ضعيف"
على المستوى السياسي، يرى البرلماني والحقوقي المصري، الدكتور عز الدين الكومي، أن "رد السلطات المصرية على قصف أحد أبراجها العسكرية وإصابة عدد من جنودها من قبل جيش الاحتلال طبيعي ويتماشى مع حالة السلام الدافئ بين البلدين في عهد السيسي، وهي رسالة للجميع بعدم الاقتراب من حدود قطاع غزة تحت أي مسمى أو ظرف".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21" أن "رواية الجانب الإسرائيلي ضعيفة وغير مقبولة ومتهافتة ويدل على حالة الضعف والقبول بما يجري في قطاع غزة من قتل المدنيين وهدم البيوت وتدمير المستشفيات والمدارس، وكان على النظام أن يستغل هذه الحادثة لأخذ موقف إيجابي وحاد تجاه ما يجري، وهذا الموقف هو نتيجة مواقف سابقة وقعت خلال الأيام القليلة الماضية حيث قصف الاحتلال موقع رفح 4 مرات إحداها طال جدار المعبر على الجانب المصري".
وأكد الكومي أن "النظام المصري هو نظام هش ضعيف متخاذل مشغول بالانتخابات الرئاسية ويعاني من أزمة اقتصادية حادة ولا يستطيع أن يتبنى أي مواقف سياسية جادة قد تكلفه الكثير قبيل الانتخابات، ولقد تكرر اختراق الحدود المصرية وتعدي قوات الاحتلال على أفراد من الجيش المصري تحت ذرائع متعددة دون أي رد فعل حقيقي، بل إن النظام المصري كان يسمح بشن غارات صهيونية على أرضه بزعم ملاحقة الجماعات المسلحة"، على حد قوله.