تسبب عدوان الاحتلال المتواصل على
غزة لليوم الخامس عشر على التوالي في نزوح مئات الآلاف إلى المناطق الجنوبية من القطاع، تاركين خلفهم بيوتهم وأعمالهم ومعظم ممتلكاتهم.
وحفزت حالة النزوح الحالية التضامن والتكافل بين أبناء الشعب
الفلسطيني بهدف البقاء والصمود رفضا لمخططات التهجير وإفراغ الأرض من أصحابها، وترصد "عربي21" بعضا من صور هذا التضامن في وجه آلة الحرب الإسرائيلية.
"أصحاب البيت"
فتح وائل (63 عاما) أبواب عمارته السكنية في مدينة رفح أمام النازحين من شمال قطاع غزة، واستقبل حتى الآن أكثر من مئتي شخص في الشقق التي لم يكن قد أجرها سابقا.
وأكد وائل خلال حديثه لـ "عربي21" أن هذه العمارة السكنية هي مشروع تجاري يقوم من خلالها بتأجير الشقق للسكان أو المؤسسات والمكاتب، مضيفا أن النازحين ليسوا مستأجرين أو حتى ضيوفا إنما "أصحاب بيت.. وعيب علينا إذا لم نقف مع أبناء شعبنا في مثل هذه الأوقات".
وأضاف متسائلا: "ما هي قيمة إيجار شهر أو شهرين أو ثلاثة أمام ما خسره الآلاف من بيوت وأبراج بسبب قصف ’إسرائيل’، شقاء عمرهم انتهى في غمضة عين".
"شقة عريس"
خالد (28 عاما) الذي تزوج يوم الجمعة في 6 تشرين الأول/ أكتوبر قبل عملية طوفان الأقصى بيوم واحد، ترك شقته الجديدة وفضل قضاء فترة الحرب في منزل عائلته، داعيا أحد أصدقائه وعائلته للعيش فيها.
وقال محمد الذي لجأ إلى الشقة الجديدة، خلال حديثه لـ"عربي21": "نزحت إلى شقة كان من المفترض أن تكون عش الزوجية لزوجين جديدين، وهي شقة مزينة ومبهجة ومزودة بألذ أنواع الطعام والشراب مثل أي عريس جديد، كل هذه الفرحة يستهدفها الاحتلال".
وأضاف العريس الذي يقيم حاليا في الشقة برفقة زوجته ووالديه الكبار في السن: "هذه الحرب أخرجت أفضل ما في الناس من أخلاق التكافل وإغاثة الملهوف".
"عجين ورقاق"
تعمل أم محمد (60 عاما) على عجن الطحين وخبزه على هيئة خبز رقيق (رقاق أو فراشيح)، وهو الذي يحضره لها العديد من السكان في المنطقة التي نزحت إليها.
وبدأت أم محمد في عملية الخبز بعدما جرى استهداف أكثر من مخبز ومحيطه في مختلف أماكن قطاع غزة، حيث إنها في البداية طلبت من أبنائها "التوقف عن الوقوف في طوابير المخابز الخطيرة"، قائلة "هاتوا طحين وأنا بعمل خبز".
وأوضحت لـ "عربي21": "هكذا أصبح كيلو الطحين كيسا كبيرا، والطاسة، التي يتم تسخينها بالأخشاب والأوراق نظرا لانقطاع غاز الطي، باتت عدة طاسات تزود مئات الفلسطينيين بالخبز البيتي".
"أفضل من القعدة"
إبراهيم (25 عاما) مصمم غرافيك أجبرته ظروف قطاع غزة وانقطاع الكهرباء واتصال الإنترنت على التوقف عن العمل، حيث يقضي فترات النهار حاليا في سد احتياجات جيرانه من المياه وبعض الأمور الأخرى المتعلقة بشحن الهواتف النقالة وبعض البطاريات المنزلية، قائلا إن هذا عمل "أفضل من القعدة".
ويستمر إبراهيم في تقديم هذه المساعدة رغم استهداف سابق لبعض الشبان من جيرانه أثناء قيامهم بمهام مشابهة بتزويد المنازل بالمياه عبر خراطيم موجود في أراضيهم الزراعية.
"رد الجميل"
أما زياد فهو سائق سيارة أجرة نزح من المناطق الشرقية لمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، يعرض خدمات التوصيل مجانا لكل من لا يملك ثمنها.
وأكد زياد (33 عاما) لـ "عربي21" أنه مستعد في أي وقت للذهاب إلى غزة، حتى ولو دون مقابل من أجل نقل أي عائلة في مناطق الخطر، غير مهتم "باحتمالية استهدافه أو حتى النقص الشديد في توفر السولار".
وذكر أنه في "فترة من الفترات كانت أمي مريضة بشكل كبير، وحصلت على مساعدة ودعم من قبل العديد من الأشخاص في وقت كنت فيه عاطلا عن العمل، لذلك فإنه يجب علي رد الجميل في أي موقف أقع فيه".
ومنذ السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، يواصل الاحتلال عدوانه على قطاع غزة، في محاولة لإبادة أشكال الحياة كافة في القطاع، وتهجير سكانه قسريا، عبر تعمده استهداف المناطق والأحياء السكنية، بالإضافة إلى قوافل النازحين ومزودي الخدمات الطبية.
وأسفر القصف المتواصل عن ارتقاء أكثر من 4137 شهيدا بينهم 1524 طفلا، وإصابة ما يزيد على الـ13 ألفا بجروح مختلفة، وفقا لأحدث أرقام وزارة الصحة في غزة.