يشهد قطاع
غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة جراء عدوان
الاحتلال الإسرائيلي المتواصل منذ أحد عشر يوما، في ظل أوضاع إنسانية متردية يرزح تحت وطأتها أهالي القطاع بعد فرض الاحتلال حصارا شاملا ما أدى إلى انقطاع الكهرباء والغذاء والمياه وتسبب في انهيار المنظومة الصحية.
وبجانب حمم الاحتلال المتساقطة من السماء، يواجه
الفلسطينيون في غزة شح المياه وخطر الجفاف، حيث أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" عن نفاد المياه النظيفة من العائلات في القطاع، مشيرة إلى أنهم مجبرون الآن على استخدام المياه الملوثة.
يأتي ذلك في ظل مساعي الاحتلال الحثيثة لدفع أكثر من مليون فلسطيني إلى النزوح قسريا من شمال القطاع إلى جنوبه، فيما يستهدف قوافل النازحين بشكل متعمد رغم ادعاءاته بوجود ممرات آمنة، وهو ما أسفر عن مجازر مروعة بحق الفلسطينيين.
وكانت الأمم المتحدة حذرت من خطورة الوضع "اللاإنساني" غير المسبوق في غزة ونفاد الإمدادات الأساسية، داعية إلى فتح ممرات إنسانية آمنة لإيصال المساعدات والإمدادت الإغاثية إلى سكان القطاع الذين يتجاوز عددهم الـ2.2 مليون نسمة.
وفي ظل انعدام مقومات العيش وتواصل العدوان الوحشي، رصدت "عربي21" الأوضاع المعيشية الصعبة التي يرزح تحتها سكان القطاع منذ بدء العدوان، حيث تحدث العديد من الأهالي في لقاءات خاصة عن كيفية مواجهتهم الواقع القاتم الذي يحاول الاحتلال فرضه عليهم، كما أنهد شددوا على نيتهم عدم مغادرة القطاع، رافضين أن يتعرضوا للتهجير ثانية أو أن يتخلوا عن أرضهم.
"لن نصبح لاجئين"
تحدث ياسين محمد، وهو مواطن يبلغ من العمر 40 عاما ويقيم في منطقة المقوسي في غزة، عن صعوبة الأوضاع المعيشية مع استمرار العدوان.
وقال في حديثه لـ"عربي21" إن "الأوضاع المعيشية منعدمة أحيانا تصل لنا المياه ونجمعها في جرادل وزجاجات وأي شيء ممكن نظرا لتعذر تشغيل مضخات المياه بسبب انعدام الكهرباء سواء من الشركة أو المولدات الخاصة".
"كنا نشتري الخبز من مخبز عجور في الشارع الثالث إلا أن قصفا طال العمارة المقابلة تسبب له بالعديد من الأضرار، وأسفر عن ارتقاء أكثر من 20 شهيدا".
وأضاف وهو يؤكد على أن معنوياته عالية رغم الأوضاع القاسية: "نقتصد بضم كبير في استهلاك الطعام والشراب والموارد المتاحة من أجل الصمود".
وعن بقائه في منزله، أوضح في حديثه لـ"عربي21" أنه رفض مغادرة شقته التي يسكن فيها بجوار والده، مع زوجته وطفليه الاثنين.
وتابع: "جدي توفي قبل ثلاثة أعوام وهو من الذين عاصروا النكبة وهاجر من يافا. نرفض أن نصبح لاجئين مزدوجين ولن نكرر تجربة أجدادنا القسرية".
"أنا من غزة أبا عن جد"
بدوره، قال أحمد وهو من سكان حي الزيتون ويبلغ من العمر 35 عاما، إنه قرر البقاء في منزله وعدم مغادرته رغم القصف.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "بقيت في منزلي الذي تربيت فيه وبه كل ذكرياتي، إذا فكرت بالخروج ليس لدي أي أقرباء في منطقة الجنوب سأبقى هنا".
وأردف: "أنا من غزة أصلا أبا عن جد ولن أغادر إلى سيناء أو غيرها".
"الفكرة أن اليهود يدمرون ذكرياتك.. الدكان الذي كنت أشتري منه وأنا طفل تم محوه، ومعالم الشارع الذي كنت أقطعه يوما للمدرسة والجامعة والعمل تغير تماما، حتى الجيران الكثير منهم استشهد أو أصيب"، قال أحمد رافضا فكرة التهجير بشكل قاطع.
وتابع: "الخبز غير مهم.. عندي خبز في البيت ظهر عليه العفن بسبب طول مدة وجوده. ما لنا نفس أو قابلية للأكل".
"قررنا البقاء بالإجماع"
أما يمنى التي تقطن في منطقة تل الهوا جنوبي مدينة غزة، فلم تخالف موقف أحمد أو محمد اللذان رفضا التهجير القسري.
وقالت آية (33 عاما) في حديثها لـ"عربي21": "أجمعت عائلتي من أسرتي وأعمامي على البقاء في المنزل. سألنا الجميع قبل اتخاذ القرار وجميعهم أكدوا عدم رغبتهم بالنزوح".
وأضافت: "برأي الجميع أن ما يحدث من محاولات للتهجير يأتي ضمن الحرب النفسية"، لافتة إلى أن بيان جيش الاحتلال الذي طالب خلاله السكان بالإخلاء القسري "مستفز".
وتابعت متسائلة: "كيف لا أعود إلى بيتي إلا بإذن من الجيش؟".
وعن الطرق التي يواجهون بها الأوضاع المعيشية الصعبة في ظل الحصار، أشارت آية إلى أن عائلتها عملت مع بدء العدوان على تعبئة خزانات المنزل الكبيرة بالمياه الصالحة للشرب.
وأردفت: "لدينا مخزون يكفينا حاليا. لكننا نستخدم المياه بقدر قليل واقتصاد شديد".
وأكملت حديثها: "من حولنا في منطقة تل الهوا نزح الآلاف إلى أربع مدارس محيطة هناك ضغط كبير على المياه والغذاء.. الشيء الجيد أن هناك مخبزين يعملان حتى الآن".
"سأموت في بيتي"
من جهته، رفض أمير مصطفى، الذي يعيش في تل الهوا أيضا، مغادرة منزله إلى مراكز الإيواء رغم الظروف الصعبة وتدهور الأوضاع المعيشية وانعدام الغذاء والكهرباء.
وتحدث لـ"عربي21" عن ما يقاسيه في ظل تلك الظروف قائلا: "كان لدينا نظام طاقة شمسية قديم للكهرباء مازال يعمل ونستخدمه الآن فقط من أجل ضخ المياه إلى خزانات المنزل حال توصيلها من قبل بلدية غزة".
"ونستخدمه أيضا لشحن الجوالات وبطارية تستخدم من أجل إضاءة الليدات".
وأضاف: "لدي توأمان بعمر السبعة أشهر، حاولت تدبير حاجاتهم من غذاء ومتعلقات صحية خلال الفترة الماضية. إلى الآن ما زلنا نأكل من الخبز الذي تم شراؤه خلال الأيام الأولى من الحرب".
وأوضح مصطفى أنه رفض فكرة الذهاب إلى مراكز الإيواء لعلمه أن الأوضاع صعبة جدا داخلها لاسيما أن طفليه يعانيان من الحمى ومناعتهما ضعيفة جدا، مشددا على أنه "إن قُدر له الموت في هذه الحرب فسيموت في بيته وليس في مركز إيواء".
"الموت حاضر معنا"
اعتبرت عائشة أن طلب الاحتلال من أهل القطاع النزوح هو "أمر غريب"، مشيرة إلى أنه "خلف صدمة لديها وعائلتها خوفا من أن ينتهي بهم المطاف لاجئين مجددا في دولة أخرى".
وأوضحت الفتاة الفلسطينية البالغة من العمر 28 عاما، أن "القرار الذي استقرت عائلتها عليه هو البقاء في منزلهم"، مشددة على "عدم وجود مكان آمن في جميع أرجاء قطاع غزة لا سيما بعدما استهدف الاحتلال قوافل النازحين".
وأضافت في حديثها لـ"عربي21": "الأوضاع لدينا مخيفة والقصف موجود وصوت الطائرات ما وقف أبدا. شبح الموت حاضر بكل الأحوال".
"نأكل نصف وجبة"
الشابة رنيم التي تسكن في حي الرمال، أوضحت أن أفراد عائلتها قرروا الاستجابة لمطالب الاحتلال والنزوح نحو الجنوب بادئ الأمر، قبل أن يتراجعوا جميعا عن قرارهم حيث اتفقوا على البقاء معا والموت معا، بحسب تعبيرها.
وحول الأوضاع المعيشية، قالت في حديثها لـ"عربي21": "مثل كافة المناطق في غزة، لا كهرباء، ولا ماء، ولا إنترنت".
وأضافت: "نأكل نصف وجبة باليوم لأننا لا نعلم غدا ما يمكن أن يحدث".
وتابعت: "نحن في حاجة للأمان فقط ولا نريد الأكل ولا الشرب، فقط نريد الأمان وأن نحيا كما يحيا باقي البشر في العالم".
الجدير بالذكر أن الاحتلال يواصل لليوم الحادي عشر عدوانه على غزة بمختلف أنواع الذخائر والأسلحة المحرمة دوليا، في محاولة لإبادة كافة أشكال الحياة في القطاع وتهجير سكانه قسريا عبر تعمده استهداف المناطق والأحياء السكنية بالإضافة إلى قوافل النازحين ومزودي الخدمات الطبية.
وأسفر العدوان عن ارتقاء أكثر من 2837 شهيدا وإصابة نحو 12 ألفا بجروح مختلفة، وفقا لأحدث أرقام وزارة الصحة في قطاع غزة.
وتسببت آلة الحرب الإسرائيلية أيضا في دمار غير مسبوق في المباني والبنية التحتية، كما أنها أدت إلى نزوح أكثر من مليون فلسطيني من منازلهم داخل القطاع، بحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).