منذ الانقلاب العسكري في
مصر في صيف عام 2013، عايش المصريون، ممارسات نظام الانقلاب، عبر قمع حرية الرأي والتعبير، وتسييس القضاء، وتحكم الجيش بمفاصل الدولة بقبضة حديدية، وسط وعود بجلب الرخاء والرفاهية، جعلت الكثيرين ينتظرون النتائج.
لكن بعد 10 سنوات من حكم عبد الفتاح
السيسي، الذي بدأ فعلا منذ الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب، لم تتحقق وعوده بنقل البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة، بل إنه على العكس طال الجميع الغلاء ونار الأسعار.
إلغاء الدعم.. كيف أثر على المواطن المصري؟
وركز السيسي، منذ الأيام الأولى من حكمه على ضرورة إلغاء كافة أشكال الدعم الحكومي للمواطنين، في بلد يرزح أكثر من 32% حينها من عدد السكان تحت خط
الفقر، ويعتمد أكثر من 80% على بطاقات التموين لتوفير رغيف الخبز، وألغى دعم الوقود والكهرباء والمياه بشكل تدريجي.
وتتعلق الخطوة الأخرى بإلغاء الدعم التمويني، وتحويله من دعم عيني لا يتأثر بارتفاع أسعار السلع والتضخم، إلى دعم نقدي وتثبيته منذ عام 2017 عند 50 جنيها للفرد (1.25 دولار بسعر السوق السوداء)، وبات عديم الجدوى والفائدة أي تحول إلى دعم اسمي.
ولم تكن تلك الإجراءات القاسية كافية، بحسب نظام السيسي، لتخفيف الأعباء على الموازنة في ظل بدء النظام في الدخول في مشروعات عملاقة وضخمة مثل العاصمة الإدارية، وشق تفريعة جديدة لقناة السويس، وإنشاء 4 محطات كهربائية تكلفت عشرات مليارات الدولارات.
وقرر النظام المصري، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أو ما يعرف بـ"الثلاثاء الأسود"، تحت ضغوط نقص العملة الأجنبية، والحاجة إلى قروض من صندوق النقد الدولي، تعويم الجنيه المصري، على الرغم من الدعم والمنح السعودية والإماراتية والكويتية والتي تجاوزت الـ100 مليار دولار، وفق بعض الصحف الخليجية والتي تلاشت في بحر من رمال المشروعات القومية وصفقات السلاح الكبرى.
ولم يفق الشعب المصري من صدمة الغلاء وتعويم الجنيه حتى تفشت جائحة كورونا مطلع سنة 2020، وبدأت الأزمة العالمية ترخي تداعياتها على مصر، فكانت مضاعفة بسبب وجود أزمة اقتصادية بالأساس داخل البلاد، أبرز عناوينها: نقص العملة وتراجع قيمة الجنيه وزيادة الديون.
ووفق محللين وخبراء اقتصاد، فقد أحدثت الحرب الروسية الأوكرانية هزة قوية، ولكنها كانت أقوى في مصر، حيث أدت إلى هروب رؤوس الأموال الساخنة ووقوع الاقتصاد المحلي فريسة لأسواق الدين العالمية.
واضطرت مصر إزاء هذه الأزمة، إلى طلب قرض جديد من صندوق النقد الدولي ولكن بشروط أكثر صرامة، في ظل عزوف المقرضين عن مد النظام بالتمويل اللازم، واضطرت إلى خفض قيمة العملة المحلية مجددا في آذار/ مارس 2022 لكن المفاجأة كانت أنها اضطرت إلى خفض العملة 3 مرات بقيمة 50% دون جدوى.
وما زالت مصر بانتظار تعويم جديد قد يدفع الجنيه تحت الـ 40 جنيها مقابل الدولار، مع وصول معدلات التضخم السنوية إلى أكثر 41% وسط توقعات ارتفاعه باستمرار، وبدء الدولة في بيع أصولها (بضاعة غير رائجة) التي لم تجذب إلا قليلا من المستثمرين.
ويواجه المصريون، للمرة الأولى، أوضاعا اقتصادية وتجارية غير مسبوقة، حيث ارتفعت الأسعار أكثر من 300%، وتراجع المعروض من السلع الغذائية والاستهلاكية والمعمرة، وتعطلت رحلات الاستيراد، وكذلك عجلة الإنتاج وتضررت الكثير من القطاعات الإنتاجية والصناعية والتجارية.
مكاسب وخسائر الصبر على "القمع"
بعد مرور عقد على "البطش" الأمني والقمع السياسي والتعايش مع الأمر الواقع، قال الخبير الاقتصاد السياسي مصطفى يوسف، إنه "في العشرية السوداء لحكم السيسي، تخيل الناس أنها عندما تتنازل عن حقوقها السياسية والحريات، سيؤدي الأمر بها إلى استقرار أمني واقتصادي، وكانت هذه هي السردية التي يروج لها النظام والإعلام المصري، غير أن النتيجة أنهم فقدوا الأمن الغذائي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الأمن المائي، ما أدى إلى زيادة فاتورة الواردات الغذائية وارتفاع تكاليف الزراعة، وكذلك التفريط في حقول الغاز إلى اليونان وقبرص وإسرائيل والتي تقدر بأكثر من 200 مليار دولار".
وأضاف يوسف، في حديثه لـ"عربي21" أن "عسكرة الدولة أدت إلى تدمير القطاع الخاص، وكانت سيطرة الجيش على الاقتصاد إبان حكم مبارك أقل بكثير من الآن والتي أصبحت تتجاوز 75% وفق تقديرات بعض الدراسات، ولم يستطع النظام الحفاظ على العملة المحلية ومدخرات المواطنين وانفرط عقد العملة من 6 جنيهات للدولار إلى 40 جنيها والعرض مستمر، كل ذلك أدى إلى غلاء تاريخي وزادت دائرة الفقر".
واستدرك يوسف بالقول إنه وفقا "للمثل المصري: عض قلبي ولا تعض رغيفي، فإنه لا يصبر أحد على فقدان الأمن الغذائي، وسوف تصبح القشة التي تقصم ظهر البعير إذا حدثت بمفهومها الواسع وشكلها المتعارف عليه، وأرى المشهد قريب من مشهد رومانيا جمهورية والفقر، وتصور أن الشعب هم هؤلاء الذين يذهبون إلى شواطئ الساحل الساحلي فهو فهم سطحي للأمور، ولن تنتظر الدولة العميقة حتى الوصول إلى تلك المرحلة والبدائل ستكون متاحة والدعم المادي حينها سيكون حاضرا".
لقمة العيش والتحرر من القمع
من جهته، أوضح عضو برلمان الثورة والأكاديمي المصري، عبد الموجود الدرديري، أن "الإنسان عامة يتأثر بالبيئة الثقافيه والسياسيه التي يترعرع فيها، لكن هذا التأثير قابل للتغيير في حال تغيير فهم الإنسان لدوره في هذه الرحلة الدنيوية".
وأضاف في تصريحات لـ"عربي21": "فالقمع الأمني والغلاء والجوع ليسوا أقدارا من السماء يجب التسليم بها، بل إن رسالة السماء لنا كبشر هي التمرد على هذه الأدوات البشرية والتي تمنع الإنسان من أن يكون حرا، فلا إيمان مع القمع ولا إيمان حقيقي مع قبول نتائج هذا القمع من غلاء وجوع".
ورأى الدرديري أن "جزءا كبيرا من الشعب المصري عانى الكثير على مر العقود وانتفض كثيرا لرفض هذا القمع لكنه لم ينجح بعد في فرض إرادته وجعل من يحكمونه خدما لتطلعاته، وليس العكس، لكن الحالة المصرية الآن وصلت للقاع أو قريب منه".
واستدرك: "على سبيل المثال فعندما لا يجد بعض المصريين الغذاء والدواء ويقوم الحاكم بشراء طائرة بمليارات الجنيهات من مال الشعب الفقير فهذا يوجب على هذا الشعب رفض القمع بكل الطرق الممكنة لوقف هذا الغلاء والجوع وإن لم يتحرك الشعب للمطالبة بحقوقه فسيظل في هذا الضنك حتى يتحرر من عقدة الخوف عن طريق الوعي المستمر".
غياب الأمن وظهور الجوع
إلى ذلك، قال السياسي المصري والبرلماني السابق، جمال حشمت، إن "علامات الفشل لأي نظام، غياب الأمن والجوع، وهو ما تعانيه مصر بكل مراحل الاستبداد وعصور الظلم".
وأضاف حشمت في حديثه لـ"عربي21" أن الخوف والجوع "ترسخا في عصر انقلاب السيسي العسكري؛ فلا تفضيل لأحدهما على الآخر.. كلاهما عذاب يفسد أي استقرار مهما حاول النظام مد أجله".