تعد مصر واحدة من أكثر دول العالم التي تعاني من الشح المائي، بحسب تصريحات وزير الري المصري، محمد عبد العاطي الأمر الذي استلزم اتخاذ العديد من الإجراءات والسياسات التي تستهدف ترشيد استخدام المياه وتعظيم العائد من وحدة المياه.
تأتي هذه التصريحات بالتزامن مع تصريحات رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي، التي أكد فيها أن بلاده تصنف ضمن الدول التي تعاني الفقر المائي، بسبب الزيادة السكانية مع ثبات حصة الدولة من الموارد المائية.
ويبلغ نصيب المواطن المصري من المياه في حدود 600 متر مكعب سنويًا، في حين أن حد الفقر المائي يبلغ 1000 متر مكعب في السنة، بحسب تصريحات رئيس الحكومة.
وأكد عبد العاطي أن مصر تعمل على توفير موارد مائية إضافية من خلال مشروعات الحماية من أخطار السيول، ودراسة استخدام أصناف جديدة من المحاصيل تستهلك كميات أقل من المياه، والإدارة الرشيدة للمياه الجوفية لضمان استدامتها.
اقرأ أيضا: ما حقيقة المخاوف من سقوط منطقة سد النهضة بيد جماعات مسلحة
إلى جانب تلك الإجراءات، تقول وزارة الري إنها استعدت لآثار عملية الملء الثاني لسد النهضة من خلال خطوات إضافية تتمثل في تقليل وتقنين مساحات زراعة الأرز والموز وقصب السكر، وتبطين الترع واعتماد منظومة حديثة للري بدلا من الطرق التقليدية.
وانتهت الحكومة من تأهيل ترع بأطوال تصل إلى 1585 كيلو مترا بمختلف محافظات الجمهورية، ضمن أعمال المرحلة الأولى التي ستنتهي بحلول منتصف عام 2022 من أصل 7790 كيلو مترا، بتكلفة إجمالية تقدر بمبلغ 18 مليار جنيه. (الدولار نحو 15.75 جنيها).
كما تستهدف الحكومة المصرية زيادة مصادر الموارد المائية من خلال تحلية مياه البحر بمقدار 1.5 مليار متر مكعب حتى عام 2030، إلى جانب إنشاء 151 محطة ثنائية وثلاثية لمعالجة مياه الصرف الصحي في صعيد ودلتا مصر بتكلفة نحو 32 مليار جنيه (نحو ملياري دولار).
وبشأن نجاعة تلك السياسات التي انتهجتها الحكومة المصرية مؤخرا، أكد خبير المياه والسدود محمد حافظ، أن مصر لا تملك رفاهية الوقت لإنجاز كل ذلك؛ لأنها صارت بين (قوسين أو أدنى) من الجفاف الدائم، فتفريغ بحيرة سد ناصر بعد أربع أو خمس سنوات من اليوم ليس بوقت طويل وكاف لتجهيز الدولة بشكل قوي لمواجهة توابع كارثة سد النهضة.
وأوضح لـ"عربي21": أن "تلك التجهيزات تحتاج لخطط (خماسية) متتابعة منذ أدركنا خطورة بناء سد النهضة على الدولة المصرية بعد خلع (حسني مبارك). فبدلا من الاقتراض لإستكمال مشاريع بالعاصمة الجديدة بدون أي معنى اقتصادي حقيقي، كان من المفترض أن تذهب كل تلك القروض لتطوير وسائل الري بالأرض (السوداء) بدلا من إضاعتها على استصلاح مليون ونصف مليون فدان في الدلتا الجديدة على سبيل المثال أو بالوادي الجديد مستنزفة معظم المياه الجوفية، وليس مشروع توشكى ببعيد".
ونفى حافظ ما تروج له الحكومة "بأن عمليات تبطين الترع سوف توفر قرابة 19 مليار متر مكعب سنويا، مشددا على أن الواقع يؤكد بأن أقصى ما يمكن توفيره لا يزيد عن (مليار أو مليار ونصف مليار متر مكعب سنويا) وذلك لأن معظم الترع والقنايات بالأراضي الزراعية ذات جوانب طينية ومعدل نفاذيتها بسيط للغاية، ولكنها ساعدت في وصول المياه لنهايات الترع".
بيع الوهم للمصريين
وقلل الأكاديمي والخبير الزراعي، عبد التواب بركات، من حجم تأثير تلك الخطوات، قائلا: "إدعاء النظام في مصر وجود بدائل لمواجهة أزمة تناقص حصة مصر من مياه النيل بسبب سد النهضة مثل تحلية مياه البحر وتنقية مياه الصرف ومنع زراعة الأرز وتبطين الترع هو استمرار لمسلسل الخداع وبيع الوهم للمصريين وهو في نفس الوقت هروب من المسؤولية الدستورية في مواجهة اعتداء إثيوبيا على حصة مصر من مياه النيل".
ودلل على حديثه بالقول لـ"عربي21": "لأن حصة مصر من المياه والبالغة 55.5 مليار متر مكعب لا يمكن تعويضها بتحلية مياه البحر ولا تنقية مياه الصرف، ذلك أن النظام يدعي إنشاء محطات لتحلية مليار متر مكعب حتى سنة 2037 في الوقت الذي تستهلك فيه مصر 13 مليار متر مكعب في الشرب فقط، فكيف يمكن تعويضها".
وأكد المتخصص في بحوث التنمية الزراعية وسياسات الأمن الغذائي، أنه "من الناحية الاقتصادية، لا يمكن لأي موازنة في العالم أن تتحمل إنشاء محطات لتحلية 20 مليار متر مكعب، وأرى أن تكلفة حماية حصة مصر التاريخية من مياه النيل بكل الطرق والخيارات ستكون أقل بكثير من تكلفة الجوع والعطش وكذلك ستكون أقل من تكلفة البحث عن بدائل أخرى سواء بتحلية مياه البحر أو تنقية مياه الصرف أو منع زراعة الأرز".
الفلاح في قلق
يقول أحمد يسري مالك حيازة زراعية كبيرة تبلغ نحو 50 فدانا إن "الزراعة باتت تسبب لنا الكثير من الصداع، وشغلتنا الحكومة بأمور لا علاقة لنا بها، وفي كل يوم نسمع تصريحات سوداء عن شح المياه ونفادها وبوار الأراضي، وغرامات ومخالفات ومنع وحظر، هذه الأنباء تثير مخاوفنا وقلقنا".
وأكد في حديثه لـ"عربي21": "أصارحك القول كنت أود لو كان والدي باعها بعد ثورة 25 يناير وحولها إلى أراض سكنية كانت ستدر علينا مئات الملايين من الجنيهات أو في أعقاب (ثورة) يوليو كما فعل كثيرون بدلا من هذا التعب ودون عائد مادي حقيقي".
مشيرا إلى أن "حجم ما يصرف على الأرض الممتدة من عمالة وري وتسميد ورعاية لا يساوي ما نجنيه من ورائها فعلى سبيل المثال فإن الفدان الواحد لا يدر إلا أرباحا فصلية كل 3 شهور وأكثر وفي حال كانت الإنتاجية مرتفعة لا تتجاوز الأرباح 10 آلاف جنيه وهو مبلغ متواضع".
10 محطات رئيسة في مسار أزمة سد النهضة.. تعرف إليها
هل تخلت روسيا عن مصر في سد النهضة.. ماذا عن زيارة لافروف؟
هل نسف شكري خط السيسي الأحمر بتصريحه عن الملء الثاني؟