جاء الإعلان الأمريكي برفض واشنطن لأي إجراءات أحادية الجانب
بملف مياه النيل، على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية صامويل وربيرغ، الخميس،
ودعوته مصر والسودان وإثيوبيا، للجلوس على طاولة المفاوضات لحل أزمة المياه، ليثير
العديد من التساؤلات حول ماهية التحذير الأمريكي.
الخارجية الأمريكية دعت البلدان الثلاثة لدخول مفاوضات جادة
حتى التوصل إلى حل بشأن السد الإثيوبي، وحذرت من أي خطوات أحادية، وأبلغت إثيوبيا بتمسكها
برعاية الاتحاد الأفريقي للمفاوضات.
"عربي21" طرحت التساؤل: هل إثيوبيا هي المقصود
بالتحذير الأمريكي؟ أم أن التحذير لمصر والسودان أيضا ضد أي عمل عسكري ضد إثيوبيا؟ على
رئيسة "مؤسسة الديمقراطية في مصر" الناشطة المصرية الأمريكية سامية هاريس،
التي ترى أن التحذير الأمريكي هو لمصر.
وقالت إن "الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منح
السيسي ضوءا أخضر لضرب السد الإثيوبي في 2020، لكن الأخير لم يستخدم هذا الكارت؛ لأنه
لا يريد حل الأزمة".
ولفتت إلى أن "الموقف الأمريكي تغير، بل ويحذر مصر من
هذا الخيار، حتى أن السيسي خرج معلنا عن خط أحمر دون تحرك، وفي المقابل تنفذ إثيوبيا
خططها نحو الملء".
هاريس، أضافت بحديثها لـ"عربي21"، أن "أمريكا
غيرت مواقفها مع تغير الحزب الديمقراطي، ودخول جو بايدن البيت الأبيض، واتباعه علاقات
خارجية مغايرة لسلفه".
وأوضحت أن "الديمقراطيين وبايدن كسبا انتخابات الكونجرس
والرئاسة بفضل جورجيا التي يغلب عليها أصوات السود".
وجزمت أنه ولذلك فإن "الديمقراطيين يقفون دائما مع قضايا
السود، ولأنهم يريدون الاستمرار في الحكم، فلن يفعلوا شيئا ضد أفريقيا السمراء؛ لذا
غيّر بايدن ما قاله ترامب".
وأضافت أن "على بايدن ديْن للسود في أمريكا، والذين
يرتبطون بأفريقيا، ويقفون مع إثيوبيا رغم حبهم لمصر، خاصة أن إثيوبيا كسبت جولة الدعاية
العالمية من مصر الضعيفة دعايتها".
وقالت إن "الكل هنا يلوم السيسي على توقيعه اتفاق الخرطوم
2015، دون أن يقرأ أو يستعين بخبراء ومجلس النواب، ووضع فيه بندا يقول إن بحق إثيوبيا
التصرف بمياه النيل داخل حدودها".
وأكدت أن "هذا خطأ جسيم للسيسي، ولا يريد تعديله والخروج
من المعاهدة، رغم أن ترامب انسحب من الاتفاقية النووية مع إيران، ومن اتفاقية المناخ".
وأكدت أن "كل ما فعله السيسي منذ الانقلاب هو لصالح
إسرائيل، والمحافظة على مصالحها، وتحقيق حلمها من النيل إلى الفرات، والحصول على مياه
النيل، لهذا كان يعمل الإسرائيليون اقتصاديا وسياسيا في إثيوبيا منذ 20 عاما، ومن
مصلحتهم إقامة السد، والتحكم في مصر، وخنقها، وتملكها قطعة قطعة".
وحول ما يمكن أن تتخذه أمريكا تجاه مصر إذا أقدمت على عمل
عسكري ضد السد، قالت هاريس إن "أمريكا ليست هي حاكم مصر، ولن ترعى مصلحتها، بل
هي تتصرف لصالحها، ولو حاولت مصر الحفاظ على ثروتها المائية بضربة عسكرية عبر كوماندوز
أو دعم سكان بني شنجول، فلن تستطيع واشنطن فعل شيء لها".
"لن نأخذ بضمانات أحد"
"عربي21"، توجهت إلى وزير الري المصري الأسبق، محمد
نصر الدين علام، لاستطلاع رأيه حول مدى جدية التحذير الأمريكي، وقدرته على إلزام إثيوبيا، وضمانه وقف جموحها، وعدم تنفيذ خططها لملء السد دون توافق، إلا أنه أكد على ضرورة أن
يكون الحل مصريا وليس بضمانات من أي طرف آخر.
علام قال: "لن نأخذ بضمانات أحد، بل الضامن هو اتفاقية
قانونية شاملة ملزمة"، مؤكدا أننا "لا نبحث في نوايا الدول، بل نؤكد ما نريده
نحن لحماية شعبنا وبلدنا، وسنقبل ما يحقق ذلك".
وفي تقديره لمدى تأثر إثيوبيا بهذا التحذير أو اتخاذها خطوة
للخلف، أم أنه يزيدها إصرارا وستكسب به تعاطفا شعبيا وأفريقيا، أكد علام أن
"لإثيوبيا إدارة عدوانية مع شعبها قبل الغير، لذا من الصعب التنبؤ بتحركاتها
إزاء التحذير الأمريكي في الملف بشكل عام".
وألمح إلى أنه "ستتضح خلال الأسابيع القليلة القادمة مدى امتلاك الولايات المتحدة كروت ضغط لممارستها على أديس أبابا لتقليل عنادها".
"تحذير بروتوكولي"
الأكاديمي والخبير المصري بالقانون الدولي، الدكتور محمود
رفعت، قال لـ"عربي21" إن "التحذير الأمريكي بروتوكولي أكثر منه عملي،
ولا يرتب أمرا على الأرض"، موضحا أنه جاء على هذا النحو: "كي يُفهم منه كل
طرف ما يفهمه".
ولفت إلى أن "الطرف المصري يفهم منه أنه يحذر الإثيوبيين
من الإضرار بحصة مصر والسودان، ويُفهم كذلك المصريون والسودانيون أنه لا يمكن القيام
بعمل عسكري".
وبين أن "هذا التحذير سبقه إعادة إدارة بايدن للمساعدات
الأمريكية لإدارة أبي أحمد، رغم أنها إدارة غير شرعية منذ أيلول/ سبتمبر 2020، بعدما
ألغى الانتخابات، وجلس على السلطة بشكل امبراطوري؛ بدعوى جائحة كورونا".
وأشار إلى "استمرار الصمت الأمريكي على ما يجري في إقليم
تيغراي من جرائم ومذابح بشعة ضد الإنسانية"، مؤكدا أنه "وبالتالي فالتحذير
الأمريكي ليس ذا قيمة حقيقية".
"حمّال أوجه"
الباحث والمحلل السياسي السوداني عباس محمد صالح، يرى أن
"التحذير الأمريكي حمال أوجه، لكنه تحذير ينطلق من مخاوف نشوب حرب وكالة قد تزعزع
الأوضاع الهشة في إثيوبيا، لا سيما عقب العملية العسكرية ضد إقليم تيغراي".
وفي حديثه لـ"عربي21"، قال: "من هنا يُفهم
أنه تحذير من مغبة أي عمل عسكري متوقع من مصر ضد السد، والذي سيكون تصرفا كارثيا"،
معتقدا أن "إدارة بايدن، خلاف الإدارة السابقة، تفضل الاستقرار على ما عداه من
خيارات، وتدرك حقيقة أوضاع المنطقة".
وأكد أنه "بالتالي، فهذا التحذير لن يثني إثيوبيا عن
الملء الثاني، وفي نفس الوقت لا يضمن أي تنازلات لصالح دولتي المصب".
وأشار إلى أن "واشنطن لا تتحمس لمقترح (الرباعية)، وتدعم
الوساطة التي يقودها الاتحاد الأفريقي، وهذا ما يعزز الموقف التفاوضي لإثيوبيا، المستند
بقوة إلى إعلان المبادئ الموقع بالخرطوم 2015".
"رؤية إثيوبية"
الكاتب والباحث الإثيوبي عبدالرحمن يوسف، أكد لـ"عربي21"
أن "خطوات الجانب الإثيوبي مبنية على أسس واضحة ومرتكزات قوية مدعومة باتفاق إعلان
المبادئ عام 2015، وكذلك القانون الدولي الذي يدعم حق إثيوبيا فيما تقوم به من إجراءات".
وقال إن "خطوات ملء السد وجداولها وكميات ما سيتم حجزه
من الأمور التي تم التوافق عليها جزئيا، كما أن إثيوبيا طلبت من مصر والسودان تسمية
مندوبين للمشاركة بعملية تبادل البيانات حول الملء الثاني، ولكن تعنت الموقف السوداني
والمصري حال دون قبول هذه الإجراءات".
وأكد الباحث الإثيوبي، أنه "وبالتالي، فالمجتمع الدولي
يعي ذلك تماما، لا سيما أن الإدارة الأمريكية تعلم تماما كيف أن إدارة ترامب السابقة انحازت
بشكل واضح للجانب المصري، وحاولت استغلال قضية السد لأهداف انتخابية داخلية".
ويعتقد أنه "لذلك، فإن دعوة الولايات المتحدة الأمريكية
لحل القضية عبر الحوار، وتحذيرها من أي إجراء أحادي، موجه لمصر والسودان، اللذين أعلنا
انسحابهما من المفاوضات أكثر من مرة، هذا غير التهديدات العسكرية التي أطلقها البلدين".
وجزم الكاتب الإثيوبي، بأن "نتائج هذا التحذير الأمريكي
ظهرت سريعا، حين تغيرت النبرة السودانية بإعلان وزيرة الخارجية السودانية أنه لا حل
عسكريا لقضية سد النهضة".
مراقبون بينهم الأكاديمي والخبير بالشؤون الأفريقية الدكتور
مصطفى الجمال، أكد عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أن المقصود هنا بالتحذير الأمريكي
هي مصر وليست إثيوبيا.
لكن الباحث المصري، الدكتور هاني رسلان، اعتبر أن التحذير
الأمريكي هو لإثيوبيا، وقال عبر "فيسبوك"، إن التفسير المنطقي للتحذير الإثيوبي
هو إيقاف إثيوبيا عن الملء الثاني حتى الوصول لاتفاق، متسائلا: "هل الموقف الأمريكي جاد وحازم وسوف يتم إلزام إثيوبيا به، أم أنه من نوعية المواقف المراوغة، كما حدث في
مفاوضات واشنطن العام الماضي؟".
هل تراجع السيسي عن خطه الأحمر في مواجهة إثيوبيا؟
ماذا وراء ظهور أقوى مقاتلات الجيش المصري في السودان؟
لماذا ترفض إثيوبيا الوساطة وتتمسك بها مصر والسودان؟