أثار حوار تلفزيوني لوزير
الخارجية المصري سامح شكري، مساء الأحد، الجدل حول أزمة مياه النيل بين مصر
وإثيوبيا، واعتبره مراقبون نسفا لتصريح رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، قبل أيام
عن "الخط الأحمر" والخيار العسكري، بل وإقرار من مصر بقبول الملء الثاني
الذي تسعى له أديس أبابا.
شكري، قال في اتصال
بفضائية "القاهرة والناس"، إن الخط الأحمر غير المقبول تجاوزه في أزمة
السد الإثيوبي هو أن يحدث ضرر حقيقي لمصر، دون أن يوضح ماهية الضرر ونوعيته
وتأثيره.
وأضاف: أما في حال
اكتمال الملء الثاني دون حدوث ضرر، "فهو أمر محمود"، في تصريح رآه مراقبون
"مهادنا" بحق قرار إثيوبيا بالملء الثاني لحوض السد دون اتفاق "شيكا
على بياض" لأديس أبابا بالإقدام عليه.
وحول دعوات خروج مصر
من اتفاق المبادئ 2015، الذي تستند عليه إثيوبيا في المفاوضات كوثيقة داعمه لها،
قال الوزير المصري، إن "مصر لا تنسحب من اتفاقيات أبرمتها بإرادتها الحرة،
ولا تدخل في اتفاقيات إلا إذا كانت في صالحها"، ليقطع الطريق على مطالبات
البعض بالخروج من الاتفاقية.
وبشأن الخيارات أمام
مصر، وبينها العسكري، قال "إننا جاهزون لأسوأ السيناريوهات، وعندما يحاول أي
طرف أن يمس مصلحة الشعب المصري، فنحن لدينا القدرة كحكومة وشعب للتصدي لذلك بكل
عزيمة"، بما فيها كل الخيارات المفتوحة، إلا أن شكري تجنب الإشارة تماما
للخيار العسكري صراحة".
وفي 30 آذار/ مارس
الماضي، حذّر السيسي من المساس بمياه مصر، وقال: "المساس بحقنا في المياه خط
أحمر. نتطلع للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل السد". وأشار إلى أن
"الأعمال العدائية تمتد تأثيراتها لسنوات طويلة".
مراقبون قالوا إن حديث
شكري يفرغ تصريح السيسي عن الخط الأحمر من كل معاني التصعيد العسكري، وهبط بسقف
توقعات المصريين، وأكدوا أن اللغة الدبلوماسية لتصريح شكري معناها أن مصر لن تقوم
بالتصعيد حال قيام إثيوبيا باستكمال خطط الملء الثاني.
وتأتي تصريحات شكري
بالتزامن مع تهديد وزارة الخارجية الإثيوبية، مصر والسودان، بالحرب، قائلة
الاثنين: "في إثيوبيا لا نموت من الخوف، بل نموت أثناء القتال"، مضيفة
أنه بمقابل ترويج قيادة مصر والسودان للحرب وتهديد إثيوبيا، فإن "إثيوبيا
لديها أيضا جميع خياراتها على الطاولة".
"ملء بحيرة السد
العالي"
وفي قراءته لتصريحات
شكري وتفسيره لنزول الوزير بسقف تصريحات السيسي، وتجنبه الحديث عن الخيار العسكري،
قال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، إن
"الاستخدام العسكري هو الاختيار الأخير، وقراره ليس عند وزير الري أو الخارجية".
وأكد في حديثه
لـ"عربي21"، أن تصريح وزير الخارجية المصري يفهم منه أنه إذا حدث وقامت
إثيوبيا بالملء الثاني للمياه ولم تتأثر مصر، فلا مانع لدى القاهرة".
ويعتقد أنه "بعد
تصريحات السيسي عن الخط الأحمر، تكون لهجة مصر تراجعت على لسان شكري مرة أخرى، ربما
هي محاولة لكسب ملء بحيرة السد العالي".
"سياسة التخبط"
السياسي المصري مجدي
حمدان، أكد أن "تصريحات شكري جزء من سياسة التخبط التي تسير فيها مصر
الآن"، مضيفا أن "هذا الأمر أصبح يبعث على الغرابة، ويدفع للتساؤل: أين
هم مستشارو السيسي من الملف؟".
القيادي السابق بجبهة
الإنقاذ، أعلن عن تعجبه بحديثه لـ"عربي21"، من أن "يدلي السيسي بتصريحات قوية ويضع خطا أحمر لإثيوبيا، ويقول مهددا: من أراد أن يجرب فليجرب، ثم
يخرج وزير الخارجية ليقرر أن الخط الأحمر خط وهمي".
وقال: "هذا هو
الأمر الغريب كما قرأته وقرأه محللون"، مؤكدا أن "التصريحات التي أطلقها
وزير الخارجية تتناقض تماما مع تصريحات السيسي".
الكاتب والمحلل
السياسي، حذر مما أسماه "عدم الترابط بين التصريحات المصرية"، متسائلا:
"هل حل السد الإثيوبي له أمور أخرى لا نعلمها غير الذي تم تصعيده وتصويره
ووجوده في المشهد؟".
وتابع: "ما
يجعلني أتعجب وأطرح عدة أسئلة هو موقف مصر، هل هو الموقف القوي الذي ترد به على
تصريحات إثيوبيا التي تقول إنها لن تسمح لأي دولة بأن تعتدي على السد، وأن ادعاءات
الحرب واهية؟".
ودعا حمدان "السيسي كي يخرج للمصريين ويقول إنها ادعاءات، مصر قوية، وإن هناك خط أحمر
وضعته".
"مؤثرات دولية"
رئيس حزب
"الخضر" المصري، المهندس محمد عوض، يرى أن "هناك متغيرات دولية
أثرت في ثبات الخطاب المصري، وأغلب الظن أنه حين أعلنت خطوطها الحمراء كانت عازمة
جديا، ولكن التصريحات الأمريكية برفض التصرفات الأحادية كانت رسالة لمصر لوقف أي
إجراءات تتعلق بأعمال عسكرية".
عضو مجلس الشورى
السابق، يعتقد بحديثه مع "عربي21"، أن "هذا السبب الرئيسي لتراجع
لهجة الخطاب المصري علي لسان شكري، لكن لقاء الإدارة المصرية بوزير الخارجية
الروسي الاثنين، يعد رسالة قوية للبيت الأبيض، تمثل الرهان الأخير علي عودة
العلاقات المصرية الأمريكية لمستوى بداية الحليف".
وأعرب عن ظنه بأن
"التحرك المصري بأفريقيا واتفاقيات التعاون العسكري وأوغندا وبورندي، جاءت
متأخرة، ومصر تدفع ضريبة باهظة نتيجة انسحابها الأفريقي، مع الأخذ بعين الاعتبار
التقدم الكبير الذي أحرزته أفريقيا بمجال الديمقراطية وحقوق الإنسان".
وأشار إلى "ما
تراكم لدى تلك البلدان من خبرات سياسية وتحالفات عميقة مع الإدارات الأوروبية على
أساس المصالح المتبادلة، وأن لذلك أثرا كبيرا في القرار السياسي لتلك الدول حول قضية
السد الإثيوبي، وربما تغلب مصالحها الذاتية بقضية السد لتحقيق مكاسب سياسية
واقتصادية مستقبلا".
وألمح إلى خطأ مصري
آخر، وهو "تفضيل اللجوء لإدارة ترامب كوسيط وليس الاتحاد الأفريقي؛ ما أثر
سلبا علي قرارات الدول الأفريقية، كما لم تثر مصر قضية التمييز العنصري الذي
انتهجته إثيوبيا ضدها، واكتفت بمشاهدتها تحشد أعضاء الكونجرس الأمريكي السود،
وراهنت فقط على علاقة السيسي وترامب".
وقال "أغلب ظني
أن هذه العلاقة وما تخفيه من أسرار، سبب رئيسي بأن الحالة المصرية ما زالت محل
دراسة لإدارة الرئيس بايدن"
"تصريحات السيسي.. وفقط"
"تصريحات
ضارة"
وعبر
"تويتر"، قال الأكاديمي الدكتور حسن نافعة: "يُفهم من تصريحات
شكري، أن خط مصر الأحمر سيُفعل فقط بعد وقوع الضرر، وهذا يشجع إثيوبيا على الملء
المنفرد، وليس على ردعها؛ لذا أعتقد أنها تصريحات غير موفقة، بل وضارة".
تصاعد خلاف سد النهضة.. هذه تفاصيل الأزمة منذ البداية
هل يردع التحذير الأمريكي إثيوبيا ويوقف خططها بملف النهضة؟
هل تراجع السيسي عن خطه الأحمر في مواجهة إثيوبيا؟