في الوقت الذي أشعلت فيه النيران مساحات واسعة من الأراضي
الفلسطينية المحتلة عام 1948، فقد أشعلت كذلك نقاشات طويلة في مجالس الناس، وعلى منابر التواصل الاجتماعي، حول إذا ما كانت هذه النيران عقابا ربانيا للاحتلال، بسبب جرائمه بحق الفلسطينيين عموما، وسعيه مؤخرا نحو منع الأذان في مساجد الداخل المحتل.
وقد أثارت القضية سؤالا مركزيا فيما إذا كانت الكوارث الطبيعية التي تحل بالبلاد التي لا تَدين شعوبها بالإسلام عقوبات من الله، أم إنها مجرد ظواهر طبيعية قد تحل في أي بلد من بلاد الدنيا؟
وحول الموضوع، يرى مدير مركز نون للدراسات القرآنية، الدكتور بسام جرار، أن "كل مصيبة، أو كارثة طبيعية تحل بالكفار، هي عقوبة من الله سبحانه وتعالى".
ويضيف جرار في حديث لـ"عربي21"؛ أن "الكوارث الطبيعية أنواع، فإذا أصابت الكفار فإنها إما أن تكون انتقاما من الله بسبب معاداتهم ومعاصيهم، أو عقوبة تذكرهم به وتحثّهم على الرجوع إليه"، مستدلا بالآية: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون".
ويتابع: "ويشترك المسلمون، في حالة إقامتهم على الذنوب، مع الكفار في أن بعض الكوارث التي تحل بهم تكون عقوبات تدفعهم إلى الأوبة إلى الله، فيما تكون هذه الكوارث ابتلاءات وامتحانات لهم إذا كانوا صحيحي الإيمان"، مستشهدا بحديث رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر؛ فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر؛ فكان خيرا له".
ويؤكد جرار أنه، بناء على ما سبق، فإن
الحرائق التي حلّت بـ"
إسرائيل" هي "عقوبة لهم على ظلمهم وجرائمهم وإفسادهم الدائم في الأرض"، موضحا أنه "لا يمكن الجزم بأن سبب هذه العقوبة هو منع الأذان".
ويستدرك: "غير أننا لا ننكر على من يقولون إن سبب الحرائق هو منع الأذان، إذ إنه عدوان كبير من الاحتلال، وواحدة من آخر المظالم التي ارتكبها"، كما قال.
ويبيّن جرار أنّ "هذا الفهم للكوارث الطبيعية، والمصائب التي تصيب الناس، منطلق من الفهم الإسلامي الذي يرى أن الله مسيطر على كل ذرة في هذا الكون، وأن كل حادث يحدث في الدنيا إنما صدر عن حكمة منه سبحانه"، معتبرا أن من ينفي أن الكوارث عقوبة من الله "ينطلق من رؤية أخرى سوى الرؤية الإسلامية"، وفق تقديره.
من جهته، يقول أستاذ الفقه وأصوله في جامعة القدس، حسام الدين عفانة، إنه لا يمكن الجزم إذا كانت العقوبات التي تحل بغير المسلمين، بما في ذلك الحرائق التي اشتعلت في "إسرائيل"، عقوبات من الله.
ويوضّح عفانة لـ"عربي21": "من الممكن أن تكون هذه الكوارث عقوبات فعلا، إذ إن الله يقول معقبا على
عقاب قوم لوط (وما هو من الظالمين ببعيد)، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا حلّ الربا والزنا بقرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله)".
ويضيف: "غير أن السبب الذي أحل الله من أجله الكارثة ببلد ما، أو الحكمة منها، أمر غيبي، لا يمكن للإنسان معرفته، وعليه فإنه لا يمكن له أن يستيقن إذا كان عقوبة أم لا".
ويقول عفانة: "إننا في الإسلام، نعتقد أن الطاعة والتوبة، أسباب للرحمة والعطاء، والذنوب بأشكالها وأنواعها، في المقابل، أسباب للعقوبات الربانية"، واستدرك بالقول: "غير أنه لا ينبغي أن ندخل في تصنيف ما يحلّ من مصائب على أنه عقوبات، فليس كل شر يحل بغير المسلمين عقوبة دائما"، على حد قوله.
أما أستاذ الحديث النبوي في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، منتصر الأسمر، فيرى أن القول بأن الحرائق التي أصابت الاحتلال، أو الكوارث الطبيعية التي تحل بغير المسلمين، هي عقوبة من الله قطعا، "ينطوي على مغالطة منطقية".
ويتساءل الأسمر في حديث لـ"عربي21": "مثل هذه الحرائق قد تصيب المسلمين، فهل يمكن أن نعدّهم كاليهود مثلا؟! ثمّ إن فترات سابقة مرت على اليهود دون أن تصيبهم كوارث طبيعية، فهل يمكن أن نعدّ هذه علامة من علامات رضا الله عنهم؟!".
ويكمل: "الله قد يعاقب الظالمين في الدينا بالريح أو المطر أو النار، أو ما يشاء، وقد يستدرج الظالمين ولا يعجّل عقوبتهم في الدنيا، بل يؤجلها إلى الآخرة، ولا أحد يستطيع أن يعلم إذا ما كانت المصيبة التي تحل بهم عقوبة أم لا"، كما قال.
ودعا الأسمر إلى ضرورة "انشغال الناس بما يصلح حالهم أولا، وبما يطلبه الله منهم من طاعة وإعداد، بدل الانشغال بغيب لا يدركونه ولا يمكن أن يدركوه".