تسبب
شاب في بداية حياته بارتباك كبير في قصر الحكم
المصري؛ فالرواية الرسمية تتمسك
بكذبة مفضوحة، بينما الرواية شبه الرسمية الصادرة عن مقربين من النظام تحاول
مغازلة الشارع المحتفي بالشهيد.
"فجر
اليوم السبت الموافق 3/6/2023 قام أحد عناصر الأمن المكلفة بتأمين خط الحدود
الدولية بمطاردة عناصر تهريب المخدرات.. وأثناء المطاردة قام فرد الأمن بإختراق
حاجز التأمين وتبادل إطلاق النيران مما أدى إلى وفاة عدد (۳) فرد من عناصر التأمين
الإسرائيلية وإصابة عدد (۲) آخرين بالإضافة إلى وفاة فرد التأمين المصرى أثناء
تبادل إطلاق النيران.. وجارى إتخاذ كافة إجراءات البحث والتفتيش والتأمين للمنطقة
وكذا إتخاذ الإجراءات القانونية حيال الواقعة. خالص التعازى لأسر المتوفين
وتمنياتنا بالشفاء العاجل للمصابين".
هذه
رواية المتحدث العسكري المصري للحادثة، وقد نقلتها كما هي (بأخطائها الإملائية)،
ولا يخفى أنها الرواية المصرية الرسمية حتى الآن.
نشأ الارتباك المصري الرسمي نتيجة عاملين؛ وجود علاقة وثيقة للغاية منذ 2013 بين النظام الحالي والكيان الصهيوني، بل كان الدور الصهيوني أحد عوامل دعم التحول الدموي في النظام السياسي المصري صيف هذا العام. وقد تناقلت وسائل إعلام ما قدمته دولة الاحتلال للنظام الحالي في بداية جريمته، ولا يزال يحظى النظام بتقدير كبير لدى الصهاينة، بقدر ما قدم من تنازلات على الحدود، وفي الداخل المحتل.
العامل الثاني، أن الحادثة قوبلت باحتفاء داخلي وعربي كبيرين على المستوى الشعبي
نشأ
الارتباك المصري الرسمي نتيجة عاملين؛ وجود علاقة وثيقة للغاية منذ 2013 بين
النظام الحالي والكيان الصهيوني، بل كان الدور الصهيوني أحد عوامل دعم التحول
الدموي في النظام السياسي المصري صيف هذا العام. وقد تناقلت وسائل إعلام ما قدمته
دولة الاحتلال للنظام الحالي في بداية جريمته، ولا يزال يحظى النظام بتقدير كبير
لدى الصهاينة، بقدر ما قدم من تنازلات على الحدود، وفي الداخل المحتل.
العامل
الثاني، أن الحادثة قوبلت باحتفاء داخلي وعربي كبيرين على المستوى الشعبي، فقام
المقربون من النظام، وعلى رأسهم اللواء سمير فرج، بالتمسك بالرواية المصرية التي
تربط الحادث بمهربي المخدرات، والتغزُّل في الجندي المصري الذي "قام بواجبه
تجاه المهربين".
فات
السيد فرج أن يذكر سبب بقاء المجند قرابة ست ساعات داخل الأراضي المحتلة، إذا كان دخوله
لمطاردة مهربي المخدرات فقط، ولماذا توغل إلى مسافة 1.5 كم داخل الأراضي المحتلة
ولم يعد سريعا؟ ولماذا لم يُبلغ شهيدُنا قيادتَه بوجود مهربين يعبرون الحدود، لتوافق
على توغله، أو تمنعه، أو ترسل معه قوة تواكبه؟ ولماذا اشتبك مع القوة الثانية ولم
يسلم نفسه إليها إذا كان توغله مرتبطا بالتهريب؟ والأهم من كل هذا، لماذا دُفن
الشاب سرا دون السماح لأصدقائه ومحبيه بوداعه؟ هل خاف ساكن الاتحادية من التوبيخ
إذا انطلقت جنازة شعبية؟ أليست الجنازة الرسمية والشعبية من حقه طالما أنه كان
"يطارد مهربي مخدرات"؟ أم أن الجنازات الرسمية والشعبية للمجندين مقصورة
على "الحرب ضد الإرهاب"؟
تساؤلات
كثيرة تطرحها رواية ساذجة، لمغازلة المزاج الشعبي بطريقة منفِّرة، وكان من الأكرم
الاكتفاء بالرواية الرسمية دون أي إضافات ساذجة عليها من قِبَل الأذرع الإعلامية
للنظام السياسي، حتى وإن بدت الرواية الرسمية غير مقنعة، فسوف يحملها كثيرون من
الطيبين على محمل العلاقات الدبلوماسية، أو الأسرار العسكرية، لكن الإضافات جعلتها
تخرج بهذه الصورة المثيرة للشفقة والاشمئزاز.
تساؤلات كثيرة تطرحها رواية ساذجة، لمغازلة المزاج الشعبي بطريقة منفِّرة، وكان من الأكرم الاكتفاء بالرواية الرسمية دون أي إضافات ساذجة عليها من قِبَل الأذرع الإعلامية للنظام السياسي، حتى وإن بدت الرواية الرسمية غير مقنعة، فسوف يحملها كثيرون من الطيبين على محمل العلاقات الدبلوماسية، أو الأسرار العسكرية، لكن الإضافات جعلتها تخرج بهذه الصورة المثيرة للشفقة والاشمئزاز
على
الضفة المقابلة للارتباك الرسمي، عَدَّ مصريون المجندَ "محمد صلاح
إبراهيم" بطلا وشهيدا، فالجانب الصهيوني عدو تاريخي لشعوبنا، واستمرار
احتلاله لفلسطين وجرائمه اليومية فيها يزيد من العداوة الشعبية تجاهه، فالجماهير
هنا لم ترتبك كالحكام، لأن البوصلة واضحة تجاه من يقتلون الفلسطينيين، وقتلوا عربا
على مدار تاريخ حروبنا معهم.
هذه
الحالة أثارت تساؤل الأوروبيين والصهاينة على حد سواء، ووفقا لموقع "مدى
مصر" المستقل، فقد أبدى "مصدر دبلوماسي أوروبي في القاهرة اندهاشا من
حالة الاحتفاء الشعبي بالهجوم الذي نفذه المجند، ما اعتبره المصدر "عصيّا على
الفهم" بعد سنوات طويلة من اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، مشيرا إلى أن
الدبلوماسيين الإسرائيليين في القاهرة مذهولين من هذا القدر من الاحتفاء بالعملية".
والحقُّ
أن ذهول هذه الأطراف هو مبعث الاندهاش، فذكرى الاقتحام الشعبي لسفارة الكيان بُعيد
ثورة 2011 لم تغِب عن الذاكرة بعد، كما أن تصورَ تقرُّب النظام المصري من العدو
التاريخي للشعوب العربية، وخاصة الشعب المصري الذي حاربه، سببٌ كافٍ لانتقال
العداوة إلى مودة، يعد سذاجة في التصور، وبُعدا عن إدراك حقيقة الكراهية التي
يكنُّها المصريون للعدو، وللأنظمة الداعمة له.
يبقى
أن هناك جانبا في العملية لم يكثَّف الضوء عليه، فبعض التقارير الإعلامية تحدثت عن
مقتل مجند زميل لصلاح بأيدي الصهاينة على الحدود، ولم تتعامل السلطات المصرية مع
مقتله بالاحترام والتقدير اللائقيْن بمجند في خدمته، حتى لو كان القتل على سبيل
الخطأ، وهذه الرواية، إن صحَّت تفاصيلها، ستضيف كثيرا لشعبية صلاح وهجومه باعتباره
رد فعل لاسترداد الكرامة والشرف العسكريَّيْن المهدريْن على أيدي القيادة الرسمية.
كل
الشواهد تؤكد كذب الرواية الرسمية المصرية، وأننا أمام مجند أراد الانتصار لكرامة
شعبه في فلسطين، وكرامة أمته، وستظل شعوبنا كارهة للعدو، ويقِظة لمحاولات التطبيع
الثقافي والاجتماعي معه، بعدما فقدت قدرتها على منع التطبيع السياسي.