كتاب عربي 21

جمهورية الأماني الزائفة ومئوية تركيا القادمة.. مفاهيم ملتبسة (52)

سيف الدين عبد الفتاح
كانت الانتخابات ساحة لاستعراض الإنجازات- الرئاسة التركية
كانت الانتخابات ساحة لاستعراض الإنجازات- الرئاسة التركية
من جميل ما ورد في تراثنا الإسلامي ما أورده الإمام الماوردي في كتابه "أدب الدنيا والدين"، معنوناً هذه الفصلة التي كتبها "ما تصلح به حال الدنيا" فيؤكد في مفتتحها "اعلم أن ما تصلح به الدنيا حتى تصير أحوالها منتظمة، ستة أشياء أو أمور، هي: دين متبع، وسلطان قاهر (حازم)، وعدل شامل، وأمن عام، وخصب دائم، وأمل فسيح". وتبدو لنا أن الأمور الستة واضحة لدى الكثيرين، لكنه من جميل ما أشار إليه أن نتوقف عند الركن السادس؛ الذي يتعلق بالأمل الفسيح.

ويؤكد الإمام الماوردي في عبارة بليغة المعنى كثيفة المغزى عن ذلك الأمل الفسيح: "فإنه يبعث على اقتناء ما يقصر العصر عن استيطابه، ويبعث على اقتناء ما ليس يؤمل في دركه بحياة أربابه. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الأمل رحمة من الله لأمتي، ولولاه ما غرس غارس شجراً، ولا أرضعت أم ولداً"، وينقل قول الشاعر في هذا المعنى:

وللنفوس وإن كانـت على وَجَـل ٍ   مـــن المَنيّـة آمــال تُقـوّيـهـــا
فالصبر يبسطها والدهر يقبضها   والنفس تنشرها والموت يطويها

ويُفرِّق الماوردي بين الآمال والأماني؛ فالأمل الصادق محفوف بالوعي والسعي ومقترن بالعمل والاجتهاد، والآمال على حد قول الإمام الماوردي "ما تقيّدت بأسباب، والأماني ما تجرّدت عنها، أي أن الأمل يتعلق بتحصيل شيء يمكن حصوله، أما الأمنية فهي رجاء وتمنّ لشيء من الصعب أو المحال تحقيقه". ومن ثم فإن المزج بين الأمل والعمل والسعي الفعّال والإشارة لمعاني الأماني إلى الزيف والوهم، والعجز والفشل، يعبر عن الفارق الجوهري والأساسي بين الأمل والأمنية: "لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ" (النساء: 123).

شتّان بين هذا الذي يُمَنِّي قومه بالأماني وذاك الذي يعد بالأمل المقترن بالعمل، فيعد ويوفي ويقدم كل ما من شأنه أن يصلح حياة البلاد والعباد، ويتعهد دائما قائلا: "سنسخّر كل وقتنا وطاقتنا للعمل وإنجاز المشاريع وتقديم الخدمات"، ليؤكد أن الوعود التي يطلقها ليست استهلاكاً أو تلاعباً بعقول الناس، ولكن ما تلبث أن تتحول إلى حقائق تؤكد على تحقيق المصالح المعتبرة لكل مواطن

صدّرنا هذا المقال بمناسبة الانتخابات التركية ونتائجها؛ وفق عنوان تخيّرناه يفرّق بين أمل حقيقي يفسح الدنيا، ويُحَقَق بالعمل والاجتهاد؛ هذا الأمل وفق سنن الله القاضية والحاكمة لفعل الإنسان، إن فعل خيراً وإن فعل شراً، أما الأماني فهي نوع من التمنّي الكاذب والوهم الضارب في عقول الناس، فلا يكون إلا أضغاث أحلام، ومحض أوهام.

ومن هنا فإننا نجري تلك المقارنة على هدي تلك الأقوال، وعلى هدي القرآن الكريم الذي يقطع الطريق على هؤلاء الذين يُمنّون الناس بالأماني "مصر.. هتبقى قد الدنيا.. هتبقى كده"، فلا يرى الناس إلا مزيداً من ضيق الحال، وركام مشقة تنقطع بسببها الآمال، ويسود الإحباط، فتبدو الحياة "مَعِيشَةً ضَنكاً" (طه: 124).

وشتّان بين هذا الذي يُمَنِّي قومه بالأماني وذاك الذي يعد بالأمل المقترن بالعمل، فيعد ويوفي ويقدم كل ما من شأنه أن يصلح حياة البلاد والعباد، ويتعهد دائما قائلا: "سنسخّر كل وقتنا وطاقتنا للعمل وإنجاز المشاريع وتقديم الخدمات"، ليؤكد أن الوعود التي يطلقها ليست استهلاكاً أو تلاعباً بعقول الناس، ولكن ما تلبث أن تتحول إلى حقائق تؤكد على تحقيق المصالح المعتبرة لكل مواطن تضرر أو تأذّى في محاولة للنهوض بالوطن والمواطن.

ومن ثم يمكننا المقارنة بين عدة مشاهد تبين الفارق الجوهري بين جمهورية الأماني الزائفة، والمئوية القادمة المحفوفة بوعود صادقة.

ونبدأ بمشهد الانقلاب، ففي حين أن المسؤول في جمهورية الأماني جاء إلى السلطة عبر انقلاب ثبّت أركانه بأكبر مذبحة في تاريخ مصر الحديث، فإن من يبشّر بالمئوية القادمة للجمهورية التركية يرسّخ الديمقراطية ويحميها ويدافع عنها ويواجه الانقلابات العسكرية ويقضي عليها في المهد بدعم شعبي واسع النطاق، وهو ما كرّس مشهداً تاريخياً في انتخابات تركيا الأخيرة وهو مشهد الانتخابات. وقد تملّكنا في هذا المشهد الإعجاب بتجربة ديمقراطية راسخة تفوق ديمقراطيات غربية من حيث المشاركة (87 في المئة في الجولة الأولى، 84 في المئة في الجولة الثانية) والوعي والتنظيم والإجراءات والمناخ الديمقراطي، فالانتخابات عملية أوسع من الصندوق، إضافة إلى مشاركة المعارضة سواء في الجولة الأولى أو الجولة الثانية من الانتخابات، وكيف جاءت مشاركتها في مناخ من النِديّة والمنافسة التي وصلت إلى أن يخوض رئيس الجمهورية جولة الإعادة بسبب 0.5% في المئة.

في المقابل، شاهدنا مشهدين للانتخابات في مصر الأول عام 2014، وعام 2018. وقد كان مشهد 2018 لافتاً سواء من حيث المشاركة في الانتخابات بعزوف المواطنين عن المشاركة، أو بتهديدات السيسي قبل إجراء الانتخابات لمن يفكر في خوضها أمامه بأنه "هيشيله من فوق وش الأرض شيل"، وقد تعرّض كل من فكّر في منافسته في الانتخابات للاعتقال أو الإقامة الجبرية.

كانت الانتخابات ساحة ومساحة لاستعراضها، وكيف ساهمت الإنجازات الحقيقية في استمرار من يبشّر بالمئوية في منصبه، خاصة وأنها حقيقية ومعبّرة عن الناس ولصالحهم وتقوم بها شركات مدنية محترفة، وهي بعيدة عن "بيزنس العسكر في مصر"

أما عن المشهد الثالث فلم يكن بعيداً عن المشهدين السابقين أيضا، وهو يتعلق بالإنجازات؛ حيث كانت الانتخابات ساحة ومساحة لاستعراضها، وكيف ساهمت الإنجازات الحقيقية في استمرار من يبشّر بالمئوية في منصبه، خاصة وأنها حقيقية ومعبّرة عن الناس ولصالحهم وتقوم بها شركات مدنية محترفة، وهي بعيدة عن "بيزنس العسكر في مصر" -رغم أن الجيش التركي ثاني أقوى جيوش حلف الناتو- فالمؤكد أنها إنجازات حقيقية بعيدة عن "السبوبة"، ولها انعكاساتها الإيجابية بانسيابية داخل البلاد، ويشعر بها العباد لأنها تعبّر عنهم وتحقق مصالحهم، في مقابل إنجازات الشو والروح المعنوية وسبوبة السرقات وغياب دراسات الجدوى.

أما المشهد قبل الأخير الذي نود أن نشير إليه فهو مشهد الانتصار، فمن يذكّر بالمئوية الجديدة في تركيا لم يعتبر المعارضين خصوما أو أعداء، ولكن جزءا من الوطن، وأن انتصاره في الانتخابات انتصار لكل تركيا وانتصار للخبرة الديمقراطية.

في مقابل ذلك، لا يزال السيسي يعتبر نفسه قد انتصر على أهل الشر وجنّد المتحدثين باسم الدين ليسوّغوا له قتله بعض مواطنيه وسجنهم وسرقة أموالهم "اضرب في المليان.. دول ناس نتنة ريحتهم وحشة"، بل وصل به الأمر إلى اعتبار كل من يرفض سياسته بأنه يمثل خطراً عليه، واعتبره عدواً له وللدولة المصرية؛ فلا يرى أن هناك مسافة بينه وبين الدولة، فكل من يتفوه أو يتكلم بأي كلمة لا يرغبها النظام مصيره وراء الأسوار وفي السجون ما بين الاختفاء القسري، أو التدوير، أو القتل البطيء من خلال الإهمال الطبي؛ أو التعذيب الممنهج كمسلك اختطه نظام الثالث من يوليو.

المشهد الأخير هو مشهد الأمل الفسيح مقارناً بالأمل الكاذب، فنجاح المفتتِح للمئوية وحزبه في الانتخابات الديمقراطية وحصوله على مباركة معارضيه ومنافسيه قبل أنصاره؛ يؤكد على حالة الاستقرار المقبلة عليها تركيا، وما يترتب على ذلك من استكمال ملفاتها في السياسة الداخلية والخارجية، بسياساته القائمة على الإنجازات الحقيقية، والتمثيل الحقيقي للمواطنين، والتعبير عن آمالهم وطموحاتهم، ورفضه للاقتراض وتأكيده على أنه لن يذهب لصندوق النقد الدولي وأنه سيعمل على مواجهة الأزمة الاقتصادية من خلال موارد البلاد وإمكاناتها المادية والبشرية، بما فيها من إصراره على التنقيب عن النفط والغاز، والتسليح والتطوير بشركات محلية مما يحفظ عوائد ومدخرات البلاد كاملة لأبنائها.

الوضع الحالي تلخصه المشاركة الجادة التي تعبر عن مفهوم المواطنة الحقيقية، وتعبر عن الاحترام المتبادل بين السلطة والمواطنين، وتحترم العملية الانتخابية فتشارك بكثافة وبنسبة لا مثيل لها في الانتخابات في دول العالم، وتحترم الأصوات فتضع من القواعد والإجراءات التي تضمن لها التعبير الحقيقي عن تصويتها وخياراتها السياسية والوطنية، في مقابل حالة الخوف والقلق والتوتر من مجرد التفكير في الانتخابات الرئاسية القادمة؛ التي تعرض أول من فكّر في الترشح لها إلى المحاصرة واعتقال أصدقائه وأقاربه

وهذا في مقابل التوسع في سياسة الاقتراض والتفريط في مقدرات مصر، ومصادرة ليس فقط إمكانات ومقدرات البلاد الحالية، بل ومستقبل أجيالها القادمة في ظل إيمان السيسي بأن الاقتراض بات هو الأساس، لتمويل مشاريع وهمية و"فنكوشية" بدون دراسات جدوى؛ من مثل أكبر وأعرض وأثقل، بدون أي عائد مادي أو حقيقي على الوطن والمواطنين، وتوريط البلاد والعباد في قروض وصفقات سلاح ورشاوى يشتري بها شرعية دولية لنظامه المستبد الطاغي، مفتقداً جوهر الشرعية في الداخل في ظل تعلق الأمر بالرضا الذي تحوّل إلى عمليات تخويف وترويع وإفقار وتجويع.

إن الوضع الحالي تلخصه المشاركة الجادة التي تعبر عن مفهوم المواطنة الحقيقية، وتعبر عن الاحترام المتبادل بين السلطة والمواطنين، وتحترم العملية الانتخابية فتشارك بكثافة وبنسبة لا مثيل لها في الانتخابات في دول العالم، وتحترم الأصوات فتضع من القواعد والإجراءات التي تضمن لها التعبير الحقيقي عن تصويتها وخياراتها السياسية والوطنية، في مقابل حالة الخوف والقلق والتوتر من مجرد التفكير في الانتخابات الرئاسية القادمة؛ التي تعرض أول من فكّر في الترشح لها إلى المحاصرة واعتقال أصدقائه وأقاربه لإجباره على تغيير رأيه وموقفه، والتراجع عن المشاركة في الانتخابات المقبلة.

وفي الختام، ليست تلك المشاهد التي ذكرنا هي فقط التي تحمل تناقضاً بين جمهورية جديدة زائفة في مصر، ومئوية تركية قادمة تستشرف صناعة المستقبل بين الأماني الزائفة، والأمل المشفوع بالعمل؛ هذه هي قضيتنا الأساسية التي توضّح أين الشعوب، وأين الوطن والمواطن وفي مصائر ومسار الدول وفي تقدمها ونهوضها، فالاستبداد يأكل كل تنمية، ويزرع كل خوف، أما الانتخابات الحقيقية والديمقراطية الراسخة في جوهرها فهي التي تضمن تنمية حقيقة في مصلحة شعب بأسره؛ لا ترتبط بفئة تستقوي على وطنها ومواطنيها بالسلاح وتقطع الطريق على كل عمل ديمقراطي.

twitter.com/Saif_abdelfatah
التعليقات (5)
السيسي
السبت، 03-06-2023 09:27 ص
فيما يتعلق بالشائعات التى تتناول هل السيسي شاذ جنسيا ام لا و مطالبة البعض بإظهار المعلومات و البيانات المؤكدة حتى تتبين الحقيقه فهناك خبر كان من عدة سنوات بخصوص حضور السيسي لحفل لمطربة من الشواذ فى عيد ميلادها بالقاهرة و هذا ما لدى .
الكاتب المقدام
الخميس، 01-06-2023 12:00 ص
*** 4- وافر الشكر لأستاذنا الدكتور/ سيف الله على تذكيرنا بالاهتمام بدرر تراثنا الإسلامي العربي، بما أورده عن الإمام الماوردي من كتابات مذهلة في إحكامها وحسن تعبيرها ودقة معانيها في كتابه "أدب الدنيا والدين"، عن"ما تصلح به حال الدنيا"، وعن تفرقة الماوردي الدقيقة بين معنى الآمال والأماني، في تعريفات محكمة العبارة عميقة المعاني، وما زالت صالحة لأن نستفيد منها، ونطبقها في عصرنا الحالي، بعد ما يناهز ألف عام من تاريخ كتابتها، "وأبو الحسن علي البصري الماوردي (364 - 450 هـ / 974 - 1058 م) أكبر قضاة آخر الدولة العباسية، صاحب التصانيف الكثيرة النافعة، الفقيه الحافظ"، ونحن ما زلنا في حاجة إلى إعادة دراسة ما جاء في درر تراثنا القديم، لإعطائها حقها، فهناك هجمة معاصرة موجهة من بعض المسوخ والأراجوزات والببغاوات الذين فتحت لهم أبواب الإعلام واسعة، لنشر دعوتهم الخبيثة، ليرددوا ترهاتهم، الدالة على كراهيتهم المتجذرة لكل تراثنا العربي الإسلامي وتاريخنا، بل والتشكيك في معتقداتنا، استمع لما قاله الجنرال السيسي المنقلب المسخ دجال العصر: "ليس معقولا أن يكون الفكر الذي نقدسه على مدار المئات من السنين، يدفع الأمة بكاملها إلى القلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها"، وتابع السيسي قائلا: "إنه لا يمكن أن يَقتل 1.6 مليار مسلم الدنيا كلَّها التي يعيش فيها سبعة مليارات حتى يتمكنوا هم من العيش". هكذا يردد الجنرال العميل الذي زرعته المخابرات الأميركية في جيشنا، أكاذيب أعداء الإسلام الذين يدعون أن ديننا يأمر بالقتل والتدمير، ويتجاسر فيتهم المسلمين جميعاً بالإرهاب، فتسارع المؤسسات الدينية الثلاث بمصر: مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء إلى تبني ما سمتها دعوة السيسي لتجديد الخطاب الديني، وسيرد الله كيد السيسي ودجله، ويرتد إلى نحره، والله أعلم بعباده.
الكاتب المقدام
الأربعاء، 31-05-2023 08:03 م
3- من موسوعة ويكيبيديا: "اللواء/ عمر سليمان: مدير المخابرات الحربية (1989 - 1991)، ثم رئيس المخابرات العامة (1991 - 2011)، وجهت إليه اتهامات بعمليات تعذيب ضد معتقلين يشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة أرسلتهم الولايات المتحدة من أفغانستان إلى مصر، وتولى منصب نائب رئيس الجمهورية مبارك (2011)، وفي 10 فبراير 2011 أعلن الرئيس مبارك تفويضه بصلاحيات الرئاسة وفق الدستور، وقام بعدها بتسليم السلطة للمجلس الأعلى". وفي حديث مسجل لقناة آ بي سي، أجاب على أسئلة المذيعة: "ألا تعتقد بأن هؤلاء الشباب المتظاهرين يريدون حقوقهم وحرياتهم؟ لا، لا أعتقد، أنهم مدفوعين، ويحركهم التيار الإسلامي. ألا تؤمن بالديمقراطية؟ الشعب المصري ما زال غير مؤهل للديمقراطية بعد"، هذه هي نوعية الرجال الذين كانوا يحكمون مصر، وهذا هو الرئيس الذي كان مبارك يخطط لتوليته من بعده، وإجابات عمر سليمان وتاريخه الأسود تدل على خطته لكيفية حكم مصر، كعميل للمخابرات الأميركية، لو تمكن، ولكن الصراع على السلطة، أدى إلى إزاحته، بعد أن فوضه مبارك بصلاحيات رئيس الجمهورية، وقد مات أو قتل حسب قرائن، في الصراع على الحكم، كما عاش في المؤامرات طوال عمره، وتولى السيسي الذي شغل بعد عمر سليمان نفس موقعه السابق كمدير للمخابرات الحربية، ورجال الحكم في مصر الذين عاشوا حياتهم بقمع الشعب المصري، والاستخفاف به، وفرض الوصاية عليه، وإلقاء الفتات لأبناء الشعب، حتى يقيموا أودهم ليستطيعوا تجنيدهم بنظام السخرة لخدمتهم، واحتكار السلطة بالانقلابات العسكرية دون تفويض أو مراجعة أو حساب، والقاعدون الذين ينتظرون الخير أن يأتي لهم على أيدي هؤلاء، هم من السفهاء الذين يستحقون ما سيحيق بهم من ذلة في دنياهم وآخرتهم. ولذلك فالتجربة الديمقراطية التركية، قد جذبت إليها اهتمام وحماس الجماهير العربية التي تفتقر إلى حق اختيار من يحكمها، وسيحرك النصر الديمقراطي في تركيا قوى وطاقات الثورة العربية على الفساد والعمالة والقمع والنهب المنظم لبلادهم، ونموذج أردوغان سيتكرر، ولو كره المغرضون، ولو أنكره المشككون من ضعاف النفوس، الذين يمنون أنفسهم وغيرهم بانتظار تحقيق الأماني الزائفة، وستتواصل ثورات الربيع العربي، وستتحقق أهدافها، وستسقط قوى الاستبداد لا محالة، ويومها سيندم الذين خدعوا أنفسهم قبل أن يخدعوا غيرهم، يوم أيدوهم، يوم لا ينفع الندم، والله أعلم.
الكاتب المقدام
الأربعاء، 31-05-2023 05:45 م
*** 2- في عام 2010 ظن مبارك وأسرته وأقطاب حكمه من حزبه الوطني الديمقراطي، أن الأمور قد دالت لهم، بعد أن قاموا بالتزوير الكامل لانتخابات مجلسي الشعب والشورى، ليحتكر نوابهم كل كراسي التمثيل التشريعية في المجلسين، وظنوا بأنهم قد سيطروا على كل مقاليد الحكم في مصر، استعداداً للانتخابات الرئاسية في 2011، وعندما انفجرت ثورة الشعب المصري في يناير 2011، ضد نظام حكم مبارك وسوزان وعلاء وجمال، المشاركين في نهب الشعب المصري وسرقة ثرواته، فأمر حينها مبارك ورجال حكمه، عصاباتهم من المجرمين القناصة المتسربلين بزي الجيش والشرطة، فتسوروا أسطح المباني المحيطة بأماكن التظاهرات للكمون فيها، بعد أن قاموا قبلها بإزالة لافتات الإعلانات الضخمة من فوق الأسطح، التي تعيق كمونهم خلف الأسوار، وتحول دون رؤيتهم للمتجمهرين في الشوارع لقنصهم، وأطلقوا النار في مقتل، فأردوا برصاصهم الآلاف من الشهداء في أيام الثورة الأولى وحدها، وذلك لبث الرعب في نفوس المصريين، وعندما عجز مبارك وزبانية حكمه عن فض التظاهرات، قرروا معاقبة الشعب المصري على تجرأه على الثورة على أسياده، كما قالت قيادات من الشرطة والجيش لضباطهم، وفرضوا حظر التجول، وقطعوا خطوط الهاتف السلكي واللاسلكي والانترنت، وأغلقوا المصارف ومنعوا المصريين من سحب أموالهم، وقطعوا خطوط المواصلات، فنقصت السلع الغذائية في الأسواق، وفتحوا أبواب السجون، واطلقوا المجرمين من أتباعهم في الشوارع لنهب المحال التجارية، وعندما عجزوا عن قمع الثورة، خرج مبارك عليهم، ليمثل دور الذئب التائب في ثوب الحمل الوديع، ليخطرهم أن يمهلوه لإصلاح ما فات من جرائمه، ولينفذ طلباتهم، ولينهي إليهم بأنه قد اختار لهم باعتباره الوصي عليهم، نائباً له لكي يكون رئيساً لهم من بعده، وقد اختار لذلك الدور رئيس مخابراته اللواء المجرم العميل عمر سليمان، فعمر سليمان هذا هو أعتى مجرمين عصابة مبارك، وعميل المخابرات الأمريكية، الذي كان يأتمر بأمرها، في تعذيب من كانوا يرسلونهم إليه من الإسلاميين، ليقوم بقبرهم في اقبيته ليعذبهم بمنأى عن العيون، حيث كان رجال المخابرات الأميركية يخافون من المساءلة، ومحاسبتهم على جرائم التعذيب، في حين أن عمر سليمان رجل مبارك، لم يكن يخاف من المساءلة حتى ولو قتل الآلاف منهم، فمصر لهم، ولا يجرؤ أحد على مسائلتهم، ولذلك اختار مبارك رجله عمر سليمان ليعاقب الشعب المصري به، ولكن أراد الله أن يرد كيدهم، وانهار حزبهم الوطني الديمقراطي بلجنة سياساته، والملايين من أعضاءه، وانفض المئات من نوابه، الذين تم تزوير انتخابات المجلسين لصالحهم، والذين كانوا يقولون بأنهم قد اكتسحوا انتخابات مجلسي الشعب والشورى في 2010 لحب الشعب لهم، وتقديره لإنجازاتهم، وليس لما قاموا به من تزوير مفضوح لانتخاباتهم. فكيف وصف بعدها المجرم عمر سليمان الشعب المصري الذي أراد أن يحكمه؟ وكيف قال رجل مبارك المأفون عميل المخابرات الأميركية عن كيف سيحكم الشعب المصري بعد تمكنه من رقابهم؟ فصبراً جميلاً، فقد اعترف المجرم بلسانه عما يحيكه لشعب مصر الكريم.
الكاتب المقدام
الأربعاء، 31-05-2023 04:26 م
*** 1- تعليقاً على ما ذكره أستاذنا الكاتب الدكتور/ سيف الدين عن مشهد: "المشاركة الجادة في الانتخابات الرئاسية التركية التي تعبر عن المواطنة الحقيقية.. في ديمقراطية راسخة تفوق ديمقراطيات غربية، حيث وصلت نسبة مشاركة الشعب التركي إلى 87% في الجولة الأولى، وإلى 84% في الجولة الثانية"، وهو إنجاز توضح قيمته المقارنة بنسبة مشاركة الناخبين في الولايات المتحدة في انتخاباتها الرئاسية، التي جاءت: في انتخابات 2012 المشاركين فيها 58%، وفي انتخابات 2016 المشاركين 59%، وفي انتخابات 2020 فكان المشاركين 67%، أما في المشهد المصري، فقد كان المصريون يشاهدون بأعينهم لجان الأدلاء بالأصوات شبه الخاوية إلا من أفراد قلائل، في الاستفتاءات والانتخابات التي كانت تعقدها الحكومات المصرية المتعاقبة قبل 2011، والتي دأبت السلطات على التلاعب بها وتزوير نتائجها لصالح العصابة الحاكمة ومؤيديها، واختلف المشهد تماماً بعد ثورة 2011، كما ظهرت في انتخابات رئيس الجمهورية في 2012، فقد أكد الشعب المصري في غالبيته وعيه، وأثبت إيجابيته في المشاركة الفعالة في شئونه السياسية، بإدراكه لمدى جدية الانتخابات وأهميتها، وبأن المراقبة المحلية والدولية عليها ستكون ضامنة لتأمين أصواتهم من التزوير، فرأى المصريون والمراقبون الدوليون والملاحظون كيف اكتظت لجان الأدلاء بالأصوات بالمواطنين، وامتدت طوابير الناخبين، بما فيهم من كبار سن وعجزة، لمئات الأمتار حول اللجان الانتخابية، ووقفوا انتظاراً لدورهم بمثابرة لساعات طويلة، لممارسة حقهم وواجبهم في الإدلاء بأصواتهم، في مشهد ديمقراطي يثبت وعي الشعب المصري، تأكيداً لحقهم في المشاركة في حكم بلادهم من خلال ممثليهم الشرعيين المنتخبين.