ذكرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية أن أربعة
أحزاب فقط من أصل 252 حزبا سياسيا تونسيا تم إنشاؤها سنة 2011؛ التزمت بالقانون الذي ينص على الإعلان على مصادر
التمويل، لكن في كل الأحوال فإن مصادر تمويل الأحزاب المتبقية لا يمكن أن تضمن لها مكانة هامة على الساحة السياسية في
تونس.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن المجتمع المدني التونسي يثير، من
انتخابات إلى أخرى، قضية مصادر تمويل الأحزاب السياسية. في المقابل، تستميت بعض هذه الأحزاب في التكتم عن مصادر تمويلها، على الرغم من أن بعضهم ملتزم بمبدأ الشفافية. وتجدر الإشارة إلى أن الانتخابات البلدية، المزمع إجراؤها خلال شهر أيلول/سبتمبر سنة 2017، ستعيد فتح هذا الملف من جديد.
وفي هذا الصدد، أكد مجلس الشورى، الذي يدير حزب حركة النهضة، أن ميزانية الحركة تتغذى أساسا من الهبات والتبرعات المتأتية من حوالي مليون عضو، حيث يساهمون في عائدات الحزب المالية بنسبة 10 بالمائة.
وأكدت المجلة أن الأحزاب الأربعة التي التزمت بتطبيق القانون الذي ينص على الإعلان على مصادر التمويل، هي حزب حركة النهضة، وحزب نداء تونس، وحزب التيار الديمقراطي، وحزب آفاق تونس، حيث واظبت هذه الأحزاب على تقديم تقاريرها المالية إلى ديوان المحاسبة.
من جهتها، تستثمر حركة النهضة جزءا من أموالها في مشاريع تدر عليها أرباحا مالية هامة، علما أن المسؤولين والأعضاء داخل الحركة لم يحددوا طبيعة استثماراتهم الشخصية.
ونقلت المجلة عن عضو المكتب السياسي لحركة النهضة، علي بوراوي، أن "الحركة لا تتلقى تمويلا خارجيا"، دون أن يخفي حقيقة حصول الحزب على دعم مالي من قبل بعض رجال الأعمال.
وفي نفس السياق، نقلت المجلة على لسان العضو في حركة النهضة، عبد اللطيف المكي، متحدثا عن مؤتمر الحزب العاشر الذي نظم في أيار/ مايو الماضي، بتكلفة مالية قدرت بنحو 9 ملايين دينار تونسي (نحو 3,9 ملايين دولار)، أنه "تم تمويل هذا المؤتمر عن طريق الهبات التي قدمها الأعضاء". بالإضافة إلى ذلك، قدم الأعضاء دعما ماليا هاما للحركة خلال انتخابات سنة 2011، تزامنا مع تنامي شعبية الحركة، ما استطعب العديد من الناشطين؛ فضلا عن جهات مانحة هامة.
وأضافت المجلة أن بعض رجال الأعمال شاركوا في تمويل أحزاب سياسية بهدف الظفر بمركز سياسي، وهو ما نجح فيه بعض رجال الأعمال على غرار محمد فريخة (حركة النهضة)، ومنصف السلامي ورضا شرف الدين (نداء تونس).
وأشارت المجلة إلى أن الأحزاب الأقل حظا؛ تتلقى دعما من قبل المانحين، وهم عبارة عن دائرة من الأصدقاء تساهم في تمويل هذه الأحزاب بحوالي 10 في المئة.
وفي هذا الصدد، علق أحد المقربين من السياسي أحمد نجيب الشابي؛ أنه "خلال فترة تنظيم الانتخابات، تتحول الأحزاب السياسية إلى حسابات بنكية سياسية، حيث يجمع كل حزب سياسي حوله أكبر عدد من المانحين، ويعقد معهم اجتماعات سرية". ويعتبر الخبراء أنه لا يوجد داع للتهافت على جمع الأموال، إذ أن مبلغ مليون دينار تونسي كفيل بتنظيم حملة انتخابية "محترمة"".
وأكدت المجلة أن حزب نداء تونس، الذي صرح أن ميزانيته تجاوزت مليوني دينار سنة 2013، أضحت مصادر تمويله معروفة عندما برز على الساحة السياسية في تونس.
من جهته، أقر حزب آفاق تونس سنة 2015؛ أن ميزانيته تبلغ 495 ألف دينار تونسي، جمعها من "جيوب" أعضائه في إطار تقديم الدعم والهبة. كذلك الحال بالنسبة للجبهة الشعبية، التي تعد صاحبة قاعدة جماهيرية لا بأس بها.
وأضافت المجلة أن حزب الاتحاد الوطني الحر؛ يتغذى من ثروة مؤسسه سليم الرياحي، في حين تتلقى باقي الأحزاب تمويلا من قبل أعضاء جدد، خاصة أولئك الذين انشقوا عن أحزاب لها ثقل سياسي في البلاد. وعموما، يتحمل المانحون التكاليف المرتبطة بأنشطة الحزب الذي يمولونه، من خلال توفير الدعم اللوجستي وتوفير المقرات، بالإضافة إلى حجز قاعات الاجتماعات وتوفير تكاليف النقل، وهي مبالغ ليست بالقليلة.
وأفادت المجلة أن كل حزب لديه مركز يدير ميزانيته، وفقا لما يمليه المانحون. وفي بعض الأحيان، يكون لهؤلاء المانحين الكلمة الفصل أمام قادة الأحزاب. وفي هذا الإطار، أفاد العضو في الجبهة الشعبية، عزيز بوثور، أن "المانحين يؤمنون بأن لهم يدا في اتخاذ القرار داخل الحزب الذي يمولونه، مما يترتب عنه في أغلب الأحيان؛ انشقاقات داخل الحزب الواحد، تفضي إلى استقالة أعضاء والانضمام إلى أحزاب أخرى". وبالتالي، قد تعيد هذه الظاهرة السياسية "خلط الأوراق" من جديد خلال الانتخابات البلدية القادمة، كما تقول المجلة.
من جانب آخر، تعتبر التدابير التي اتخذتها المحكمة الإدارية تجاه الأحزاب التي تتكتم على مصادر تمويلها غير ناجعة؛ نظرا لأن هناك تلاعبا في تقديم التقارير المالية. بالإضافة إلى ذلك، تتعمد هذه الأحزاب تقديم حسابات مالية غير دقيقة تكون غالبا معدة لتمويل الحملة الانتخابية، وفق المجلة.
وبينت المجلة أن توزيع الحكومة خلال الانتخابات التشريعية التي أجريت سنة 2014، لحوالي 12 مليون دينار على 1200 قائمة انتخابية يعتبر مبلغا زهيدا جدا، ولا يكفي لتغطية تكاليف عدة أحزاب تطمح لتحقيق مكاسب هامة مع نهاية الانتخابات.