نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا حول الأوضاع
الاقتصادية في
مصر، تقول فيه إن تردي الاقتصاد وعدم المساواة الاجتماعية ساعدا على إشعال
الثورة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك قبل خمس سنوات، مشيرة إلى أن الاقتصاد اهترأ تماما مرة أخرى الآن، في وقت تزداد فيه حالة الاستياء، في أكبر بلد عربي تعدادا للسكان.
وتقول الصحيفة إن "نقص الأغذية منتشر في البلاد كلها، أما الأسعار فترتفع بشكل جنوني، ويزيد عدد السكان الذين يعانون من الفقر، وتبقى البطالة عالية، خاصة بين الشباب الذين خابت آمالهم، كما أن هناك أزمة عملة، وخسارة ثقة المستثمر، بالرغم من مليارات الدولارات التي أنفقتها دول الخليج".
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن أحمد سليمان، الذي يعمل صانعا للأحذية، والبالغ من العمر 31 عاما، قوله: "لا نستطيع أن نجد السكر أو الأرز والكثير من الأشياء الأخرى.. وعندما نجد هذه الأشياء تكون أسعارها باهظة ولا يمكننا شراؤها، ولذلك لا نشتري الكمية التي كنا نشتريها"، وأضاف سليمان: "كلما زاد الضغط أكثر سيكون الانفجار أكبر".
وتتساءل الصحيفة عما إذا كانت المشكلات الاقتصادية ستؤدي إلى اضطرابات اجتماعية كبيرة أم لا، وتجيب: "علينا أن ننتظر ونرى، لكن ما هو واضح هو أن السخط موجه ضد حكومة عبد الفتاح
السيسي من كل نواحي المجتمع، ولا تؤثر الفوضى على الفقراء والطبقة الوسطى فقط، بل يصل تأثيرها إلى حد ما حتى للأثرياء".
ويورد التقرير ما كتبه عضو البرلمان السابق مصطفى النجار أخيرا في صحيفة "المصري اليوم" المستقلة، قائلا: "نمر في مرحلة صعبة جدا، أصابت كل عائلة في مصر.. والحكومة هي المسؤولة عن التضامن الاجتماعي".
وتشير الصحيفة إلى أن سياسات مبارك الاقتصادية الليبرالية ولدت ازدهارا تجاريا في السنوات التي سبقت ثورة 2011، وحققت البلد معدلات نمو اقتصادي، وصلت إلى 7%، مستدركة بأن ما فشل مبارك في التعامل معه هو الفقر المدقع السائد، والفساد الإداري، ومعدلات البطالة العالية، وغياب الفرض للشباب، وهي الأسباب التي قال معظمهم إنها جعلتهم ينضمون للثورة.
ويلفت التقرير إلى أنه بعد أن أجبر مبارك على التنحي، انتقدت حكومة محمد مرسي الإسلامية المنتخبة لسوء إدارة الاقتصاد، ولفشلها في تصحيح عدم المساواة الاجتماعية، في الوقت الذي كان يسعى فيه إلى فرض مزيد من التحكم السياسي، مشيرا إلى أن السيسي، الذي صعد للحكم بعد انقلابه على مرسي، وعد بأن يحدث تغييرات اقتصادية، ويحسن من حياة المصريين.
وتقول الصحيفة: "وصل التضخم اليوم إلى أعلى نسبه منذ سنوات، وهناك نقص في العملة الصعبة، الضرورية للتجارة العالمية، ويعيش حوالي ربع السكان، البالغ عددهم 94 مليونا، في فقر، وتصل النسبة الرسمية للبطالة إلى 13%، مع أنها ثلاثة أضعاف هذا الرقم بين الشباب".
وتضيف الصحيفة أن "هذه المؤشرات الاقتصادية السيئة جعلت مصر تسعى للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، ويأتي القرض مشروطا بفرض إجراءات تقشف ستزيد من صعوبة حياة الشعب المصري على مدى الأشهر والأعوام المقبلة".
وينقل التقرير عن السيسي، قوله في مقابلات خلال نهاية الأسبوع مع ثلاث صحف حكومية، إن أفعاله كان "لا بد منها لإنقاذ الحالة الاقتصادية"، وأضاف: "نحن في عنق الزجاجة في طريقنا للخارح، لكننا نريد الخروج، وعلينا اتخاذ قرارات صعبة، تحملوا هذه القرارات، اصبروا، وستكون النتائج رائعة للأيام القادمة وللأجيال القادمة".
وتذهب الصحيفة إلى أنه "يمكن أن تعزى المشكلات الاقتصادية جزئيا لانهيار
السياحة والمخاوف حولها، فعدد السياح الذين يزورون البلد في تراجع بعد ثورات الربيع العربي، لكن القطاع السياحي انهار بعد سقوط الطائرة الروسية في سيناء على يد فرع تنظيم الدولة في مصر، بالإضافة إلى سقوط الطائرة المصرية الغامض في البحر الأبيض المتوسط هذا العام".
ويفيد التقرير بأن تعذيب الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة هذا العام أثر في السياحة، بالإضافة إلى قتل قوات الأمن المصرية في أيلول/ سبتمبر 2015 السياح المكسيكيين عن طريق الخطأ.
وتستدرك الصحيفة بأن "الناقدين يلومون السيسي بسبب المشاريع الضخمة، التي استهلكت المليارات من أموال دافعي الضرائب، ومن تلك المشاريع مشروع توسيع قناة السويس، الذي فشل في تحقيق دخل إضافي، بالإضافة إلى مشروع عاصمة مثل دبي في الصحراء، وكان اقترح جسرا يربط مصر بالسعودية، لكن هذا الاقتراح ولد مظاهرات وتحديات قانونية، بعد أن قرر السيسي إعطاء جزيرتين في البحر الأحمر للسعودية".
وقال السيسي: "أنا المسؤول عن البلد وحمايتها ومستقبلها ومستقبل أبنائها، ولو كنت أبحث عن مصلحتي فقط، فإن هناك أشياء كثيرة كنت لن أفعلها".
وينوه التقرير إلى أن الإحباط يتزايد في حي الجمالية في القاهرة، الذي يعيش فيه الفقراء والطبقة الوسطى، والذي نشأ فيه السيسي، مشيرا إلى أن السكان في سوقه المركزية اشتكوا من ارتفاع أسعار الكهرباء وغاز الطبخ، مع بقاء رواتبهم كما هي، بالإضافة إلى ضعف العملة المصرية، ورفع أسعار المواد المستوردة، التي تعتمد مصر كثيرا عليها، وقد أغلقت الكثير من المتاجر والشركات.
وتنقل الصحيفة عن أحمد محمد (29 عاما)، الذي يملك مجموعة شاحنات، قوله: "كنت أحمل شاحناتي الأربع بالبضائع لنقلها إلى صعيد مصر والمناطق النائية، لكن الآن لا نستطيع ملء حتى نصف شاحنة.. فلم تعد الناس تستطيع شراء أي شيء"، وقال صاحب محل مجوهرات: "لا يهم الناس هنا من هو الرئيس.. لكن يهمهم فقط أنهم يستطيعون العيش والربح تحت حكم أي كان في السلطة، كان يعود علي دخل أفضل قبل ثلاث سنوات".
ويورد التقرير نقلا عن أحد الأشخاص، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته؛ خوفا من أن يستهدف محله اللصوص ورجال الشرطة الفاسدون، قوله: "من يستطيع شراء الذهب والمجوهرات الآن؟.. الناس غير قادرين على شراء الطعام".
وتذكر الصحيفة أن بعض مؤيدي السيسي امتدحوا سياسته، قائلين إنه ورث مشكلات كثيرة، مثل الفساد والمحسوبية من سابقيه، التي لا تزال تؤثر في الاقتصاد، وقالت امرأة عمرها 54 عاما: "خلال حكم مرسي تحطمت البلد، لكن الآن تحسنت الأمور كثيرا، ولا يقلقنا شيء سوى مشكلة الأسعار، والسيسي يحاول فعل أفضل ما يستطيع فعله".
وبحسب التقرير، فإن بعض مجموعات الناشطين دعت إلى التظاهر في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، الذي يدعوه الإعلام (11/11)، مشيرا إلى أن السيسي رفض في مقابلاته احتمال قيام ثورة شعبية، وقال: "لدى المصريين وعي أكثر مما يتخيل أي شخص.. ولذلك، فإن مصير هذه الجهود، التي تقوم بها هذه العناصر وأهل الشر، هو الفشل".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول سليمان إن الاحتجاجات "ستعطي الناس فرصة للتنفيس بعد كل الضغوط التي فرضت عليهم، وقد تعطيهم أملا في المستقبل"، وأضاف أنها سترسل على الأقل رسالة للسيسي.