قضايا وآراء

الزند من حلاق إلى شناق

1300x600
بالأمس -ولا عيب في ذلك- كان يمتهن الحلاقة مهنة آبائه وأجداده، واليوم -وقد صار وزيرا للعدل- بات ينصب حبال المشانق ليضع بها رقاب أهله وذويه بعد أن تبرأ منهم وتنكر لهم وسخر من حالهم، ربما شكَّل انتقاله المفاجئ من صالون الحلاقة الذي كان يمتلكه والده بإحدى ضواحي طنطا إلى مكتبه بالنيابة العامة بعد تعيينه بها صدمة مفاجئة أفقدته -إلى الآن- توازنه، فأضحى لا يدرى ولا يعي ما يقوله أو يفعله .

لقد تحول -فجأة- "صبى الحلاق" من خادم إلى مخدوم، ومن "أسطى" إلى "بيه"، وبعد أن كان يسن أمواس الحلاقة الباردة لوالده ويجز شعر الرؤوس واللحى لزبائنه أصبح يمسك قلما من الذهب الخالص يخط به قرارات الحبس وأحكام الإعدام، ليس من أجل القصاص لأصحاب الحقوق بل منهم، فالضعفاء -وحدهم- هم من يقدر على جلد ظهورهم كي يشعر بنشوة ممارسة السلطة عليهم ويتلذذ بتعذيبهم إرضاء لأحاسيسه السادية وتنفيسا عن عقده النفسية، وكأنه يريد القضاء على طبقة أصحاب المهن البسيطة كي لا يكون في الوجود ما يُذَكِّره بأصوله المتواضعة .

شخصية "البيه الحلاق" هي نسخة قريبة الشبه من شخصية "البيه البواب" التي جسدها الراحل أحمد زكي لكن مع الفارق في الزمان والمكان والأشخاص، ربما لو وجد الزند من يقنعه أن القاضي وعضو النيابة -كليهما- خادم للحلاق بل إن خدماتهما له تفوق ما يقدمه لهما من خدمات لأثر ذلك إيجابا في سلوكه العدواني العنصري تجاه البسطاء والكادحين ولأشعره بشيء من الرضاء عن ذاته التي تأصل في لا شعوره احتقارها، إن عقدة الزند هي مشاعر الدونية التي ولد بها وعاش فيها -بسبب نشأته البائسة- فتغلغلت في أعماقه السحيقة وشكلت انفعالاته المرضية التي لم يعد بمقدوره كبت بواعثها عن أن تظهر بشكل هستيري في سلوكه اليومي، تلك البواعث والانفعالات جعلته يخلط بين القضاء والسياسة، ويتحدث عن السلطةِ كما لو كانت حقّا إلهيّا مطلقا لا يستند إلى دستور أو قانون بل إرادة الحاكم فحسب، و بالجملة غدا الرجل يهيل القداسة على نفسه كما لو كان نبيّا مرسلا أو ملكا بجناحين من النور، لقد تخطى الزند حالة جنون العظمة بمراحل بعيدة ليدخل مرحلة التوحد مع شخص الحاكم بأمر الله .

الرئيس السابق لنادي القضاة المُتولي حاليا حقيبة وزارة العدل الذي كان وما زال من أسرة المخلوع مبارك واحدُا ومن نظام السيسي مقربا والذي وقف ضمن من وقفوا وراء الإطاحة بقضاة الشرعية المناوئين للانقلاب بحجة اشتغالهم بالسياسة، ها هو يعترف في تصريحات خاصة لجريدة الوطن بمشاركته و باقي القضاة في الانقلاب على الشرعية باستقبال المعارضين لنظام الرئيس الشرعي وفتح أبواب نادي القضاة أمام حركة تمرد لارتكاب جريمة قلب نظام الحكم من داخله والدعوة للحشد من أجل الخروج على الشرعية ومشاركة القضاة في تظاهرات 30 يونيه وإصدار البيانات الداعمة والمحرضة على اقتراف تلك الآثام بالتعاون التام والتنسيق المستمر مع القوات المسلحة .

بغض النظر عن أن ذلك الذي قاله الزند يشكل جرائم جنائية يُعاقَب مقترفُوها بعقوبات قد تصل إلى الإعدام، وبغض النظر عن كون مرتكبيها هم القضاة الذي أدانوا الرئيس الشرعي وأنصاره -ظلما- بارتكاب جرائم مماثلة، ألا يُعدُّ ما قاله الزند اشتغالا بالسياسة يفقده هو ومن معه الصلاحية للعمل بالقضاء بما ينحدر بالأحكام التي أصدروها إلى مرتبة البطلان والانعدام؟ وإليكم -بالنص- تصريحات الزند المشار إليها فاقرأوها جيدا: "كان نادي القضاة رمانة الميزان في تلك الأحداث، لأن مصر كلها كانت تتجمع بنادي القضاة لتعلن تأييدها ودعمها لتمرد، وعلى الجانب الآخر كنا متعاونين تماما مع القوات المسلحة، وكنا الجهة الوحيدة التي تعمل على الحشد لذلك، وبعد إنذار القوات المسلحة لمرسي بمنحه أسبوعا لحل جميع المشاكل، أصدرت بيانا رسميا يفيد بتأييد نادي القضاة للقوات المسلحة بشأن هذه المهلة، وقبل 30 يونيو بيومين أصدرت بيانا آخر، وكان لهذه البيانات وقع السحر حول مبادرة الجميع ومساندتهم للخروج في 30 يونيو... وشارك كل القضاة في 30 يونيو عداي أنا، واكتفيت بمتابعة الموقف عبر شاشات التلفزيون، ولا أخفي سرا أنني كنت أتمنى المشاركة، لكن للأسف لم يحدث" .
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع