كتب الباحث مارك ألموند، المحاضر في كلية أورينت في جامعة أوكسفورد، في صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية، معلقا على الهجوم الإرهابي الذي نفذه مسلحون ضد متحف
باردو في العاصمة
التونسية تونس، وفي عنوانه لعب على الجناس في اللغة الإنجليزية بين
السياحة والإرهاب. ولاحظ المفارقة بين معنى تونس، التي كانت مهد الربيع العربي، والتي انطلق منها التغيير في عدد من دول المنطقة، وبين انضمام عدد كبير من أبنائها (سبعة آلاف متطوع) إلى
تنظيم الدولة.
ويبين ألموند، أنه حتى الحادث الإجرامي الأخير على السياح الأوروبيين الزائرين إلى متحف باردو، فقد ظلت تونس هادئة وبعيدة عن الهجمات التي تستلهم من أفعال تنظيم الدولة، وعلى خلاف بقية دول الربيع العربي فقد اختارت بين الإسلامية والعلمانية من خلال الانتخابات لا العنف.
ويوضح الكاتب أن تونس تعتمد في اقتصادها وبشكل كبير على العملة الصعبة التي تولدها صناعة السياحة، وليس لديها احتياط من النفط أو الغاز الطبيعي، الذي تتمتع به جارتاها ليبيا والجزائر. وحتى قادتها الإسلاميون السياسيون تجنبوا استخدام الخطاب الديني المتشدد، الذي قد يخيف الأوروبيين القادمين للسياحة.
ويذكر التقرير أنه مع ذلك، وبعيدا عن المطاعم الفرنسية والآثار الرومانية والمنتجعات السياحية على البحر، فإن هناك عالمًا تحت الأرض ينشط فيه الإسلاميون ويغلي بالسخط.
ويشير ألموند إلى أن هناك ثلاثة آلاف جهادي من تونس سافروا إلى سوريا والعراق، وذلك بحسب أرقام وزارة الداخلية. ويقدر آخرون الرقم بحوالي سبعة آلاف مقاتل.
ويقول الكاتب: "قبل أعوام سافرت بالطائرة من تونس إلى تركيا مع عدد من الشبان، وكان معهم شيخ متقدم في العمر مرشدا سياحيا. والغريب أنهم كانوا في حالة من النشوة، مثل أولاد المدارس في رحلتهم الأولى خارج البلاد. ربما كانت هي الرحلة الأولى والأخيرة لبعضهم. وخلال الأعوام القليلة الماضية زادت حوادث العنف التي اندلعت في تونس. فالإسلاميون لا يعترفون بالحدود، ولهذا كان من الطبيعي التنقل من وإلى الجزائر، رغم جهود حكومتي البلدين للتحكم بالحدود، ولكن الفوضى في ليبيا أعطت الراديكاليين مخرجا جيدا".
ويضيف ألموند: "طبعا، فإن ليبيا تعيش حالة من العنف، ولا يمكن النظر إليها على أنها بلد آمن للإرهابيين، فقد قتل يوم أمس أحد أكبر المطلوبين الإرهابيين التونسيين قرب سرت في وسط ليبيا، وهو أحمد الروسي، المتهم بقتل سياسيين علمانيين تونسيين قبل أن يرحل من الجنوب، كي ينضم للمقاتلين التابعين لتنظيم الدولة في مسقط رأس معمر القذافي. وربما كان رفاقه هم الذين خططوا للهجوم على المتحف؛ لأنه كان يمثل خليطا من الغربيين والتراث الثقافي، الذي يجذب إليه تنظيم الدولة. وبقتل التنظيم 19 شخصا فقد نجح بتخويف السياح وحجبهم عن القدوم إلى تونس".
ويستدرك الكاتب بأن "قتلا كهذا يبدو أنه أثار اشمئزاز قطاعات المجتمع التونسي كلها، وقد تؤدي هذه الهجمات إلى تقوية القوى العلمانية التي جاءت إلى السلطة في انتخابات العام الماضي. فرئيس الوزراء الحالي كان وزيرا للداخلية في النظام القديم، الذي أطيح به في عام 2011، وكان النظام يفتقد الدعم الشعبي لقمع الإسلاميين. أما الآن فإن ما يبدو هو أن تنظيم الدولة قد استفز بفعلته هذه ردة فعل سلبية ضد الراديكاليين الإسلاميين، ويظن القتلة أن التونسيين سينسون سريعا عملية قتل السياح، ويتعاطفون مع الإرهابيين، ويعدونهم مقاتلي حرية، ولكن هذا لن يحدث".
ويخلص ألموند إلى أنه "حتى لو كانت تونس تدعم الراديكالية الجهادية، فإن هذا الدعم ليس عميقا كما يعتقد البعض، فالسفر والقتال في الخارج بحثا عن موت بطولي في سوريا في طريقك إلى الجنة شيء، وتحويلك الحياة إلى بؤس في بلدك شيء آخر. ويعرف التونسيون أن الإرهاب يهدد معيشتهم وحياة السياح".