ناقش كل من الباحثين ميشيل دان وناثان براون في مجلة "فورين بوليسي" الدور
المصري السلبي في إطالة أمد الحرب في
غزة.
وجاء في التقرير الذي نشرته المجلة: "مع مضي المفاوضات حول وقف دائم لإطلاق النار في القاهرة، العداوة المستحكمة بين
إسرائيل وحماس ليست العامل الوحيد الذي يعقد المفاوضات ولكن الوسطاء المصريين، فالسياسة الداخلية المصرية التي يحيطها عنف ومخاطر أكثر مما كانت عليه في عهد حسني مبارك، تدخلت في محاولات وقف إطلاق النار، حيث تحاول الحكومة التي يسيطر عليها العسكر في القاهرة استخدام المحادثات كجزء من الحرب على الإخوان المسلمين".
ويضيف الباحثان أن "التحول الخبيث من وسيط لطرف له مصلحة قاد لحرب دموية وطويلة أطول مما كان يجب. وفي الوقت الذي كان من المفترض أن يقوم التحالف المصري- الإسرائيلي بإضعاف
حماس، جلبت هذه الاستراتيجية أثارا سلبية على الجبهة الدبلوماسية.
فرغم الضربة الدامية التي تلقتها حماس -ومعظم سكان غزة- إلا أن الحرب قادت لكسر التابو الدولي الذي يحرم التعامل مع حماس، التي نبذت في السابق".
ويقول الكاتبان إن مصر عادة ما وضعت مصالحها القومية على الطاولة في أية جهود وساطة سابقة تتعلق بغزة، فلم تكن القاهرة راغبة أبدا بدخول أسلحة أو متشددين لمصر من غزة، كما ولم ترد تحمل المسؤولية الإنسانية وإدارة الشؤون الأمنية هناك، حيث احتلت مصر قطاع غزة مدة 20 عاما في تجربة لم تكن سعيدة بعد حرب عام 1948. وعادة ما تولى ضباط الاستخبارات القيادة في التعامل مع غزة، حتى أثناء حكم الرئيس محمد مرسي الذي استمر عاما. مع أن الواحد كان يظن أن مرسي كان سيفتح الباب أما حماس، الشقيقة في العقيدة، إلا أن الحدود بقيت مغلقة مع غزة بشكل عام أثناء فترة حكمه وواصلت جهود تدمير الأنفاق.
لكن بعد الإطاحة بمرسي في تموز/يوليو 2003 بانقلاب قاده عبد الفتاح
السيسي، الذي كان وزيرا للدفاع في حينه وأصبح الآن رئيسا، تغيرت السياسة المصرية تجاه غزة وجعلها جزءا من أجندته المحلية والدولية. فهو يستخدم غزة من أجل تنفيذ قمعه المستمر ضد الإخوان المسلمين، وهي جهود تساعد على تعزيز تحالفه مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة".
و"في المرحلة الأولى من الدبلوماسية المصرية أثناء حرب غزة، حاول الوسطاء المصريين التأثير بشفافية وبلا هوادة، وحاولوا حشر حماس في الزاوية من خلال الإعلان عن مبادرة وقف إطلاق النار في 15 تموز/يوليو والتي نسقوا ترتيبها مع إسرائيل فقط، وعندما رفضتها حماس، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الرفض يعطي "شرعية دولية" للعملية العسكرية واستمرارها.
وعليه فما وصفت بالمحاولة لإنهاء النزاع أعطت مبررا للتوغل البري الذي أدى لعمليات تدمير واسعة لشبكة أنفاق حماس وصواريخها أكثر مما كانت الصواريخ الإسرائيلية قادرة على تحقيقه".
"فالغزو البري الذي أدى لمقتل أكثر من 1600 فلسطيني لم يكن ليحدث في ظل رؤساء مصريين سابقين كانوا سيعتبرون متواطئين في هذا العنف".
و"مع استمرار العنف، وجد السيسي أنه لا يستطيع استبعاد حماس كليا إن كان يرغب في الحفاظ على دور مصر كوسيط بين إسرائيل والفلسطينيين".
"بالطبع تفاوض الطرفان دبلوماسيا من قبل ولكن المحادثات جرت وسط أجواء من الإنكار وعدم المباشرة والرغبة، فقد قضمت كل جولة من جولات القتال المبدأ الذي يقول إن إسرائيل وحماس لن تتعاملا مع بعضهما البعض على المستوى الدبلوماسي. وما هو غائب الآن هو الاتصالات المباشرة، فالمحادثات الدبلوماسية تجري الآن في القاهرة، حيث تحضر الوفود علانية وتغير المواقع ولكن من خلال الوسطاء المصريين".
"كما وحطمت العملية الدبلوماسية أسطورة أخرى وهي أن اللعبة الوحيدة تدور حول حل الدولتين بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. ولكن دخل حل الدولتين اليوم في إغفاءة لأن الحديث في القاهرة يدور من جانب آخر جوهري ويغطي العنف والأمن وإعادة البناء والأوضاع المعيشية اليومية، والحركة على المعابر والمصالحة بين حماس وفتح والحكم المحلي".
"وبهذا المعنى، تدور محادثات القاهرة حول عملية تتبع أولويات حماس التي طالما رفضت المحادثات الدبلوماسية التي بدأت في عام 1993 باتفاق أوسلو. فوضع المحادثات الحالي يعكس موقف حماس أن المقبول فقط هو الحديث عن ترتيبات مؤقتة واتفاقيات هدنة، فالدبلوماسية لإنهاء الصراع ليست على الأجندة. مما يعطي اليمين الإسرائيلي مبررا، من إمكانية إدارة الصراع وليس حله في القريب العاجل".
وبالمحصلة "فيجب على الإسلاميين الفلسطينيين ومعسكر اليمين الإسرائيلي الشعور بالرضا بهذا الإنجاز. ومن المتوقع أن لا تعطي الجهود الدبلوماسية التي تقودها مصر حماس إلا القليل، كما أن التحالف المصري- الإسرائيلي يقوم على تلاق عرضي للمصالح ولا يقوم على اعتبارات استراتيجية. فيما تدفع المجتمعات الإسرائيلية والفلسطينية الثمن الفادح الناجم عن الفشل بالتوصل لاتفاق دائم ينهي الصراع".
"ولكن هناك ملمح مثير للقلق في محادثات القاهرة لم يحظ بانتباه. ففي الوقت الذي أجبر فيه الوسطاء المصريون في النهاية للتعامل مباشرة مع قيادة حماس كي يتم التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار فقد حاولوا التخفيف من هذا الواقع غير المريح بطريقتين، فلم يحاولوا تعزيز دور الرئيس الفلسطيني محمود عباس – وهو ما فعله مبارك دائما أثناء حكمه- بل ويحاولون التقرب من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وهي جماعة مكرسة للعنف ضد إسرائيل أكثر من حماس".
و"نقل الإعلام المصري عن قادة الجهاد مثل خالد البطش أن لا أحد يستطيع أخذ مكان مصر. فالنظام الذي يسيطر عليه العسكر أثبت أنه ليس ضد عقد تحالفات مع الإسلاميين الذين يتبنون العنف، لكن عداءه هو مع الذين يتحالفون مع الإخوان المسلمين، فالتقارب الظاهري بين مصر والجهاد يظهر أثر الاستقطاب السياسي ونتائجه مما يدفع القيادة لبناء علاقات مع وكلاء ليست في صالح الولايات المتحدة وإسرائيل. ومصر تتصرف بطريقة تبدو فيها مثل الباكستان الأمر الذي لا يدعو على الارتياح".