ملفات وتقارير

بوابة "قصر العيني" تعيد القاهرة إلى تقاليد "المماليك"

الجيش المصري يبني بوابات حديدية حول ميدان التحرير - الأناضول
عادت الأجهزة الأمنية في القاهرة إلى تقليد شبيه بما كان يستخدمه حكام دولة "المماليك" منذ 500 عام بنصب بوابات لتأمين العاصمة وتحصينها من الأعداء والمُغيرين.

استيقظ أهالي شارع قصر العيني، وسط القاهرة، صباح الجمعة الماضية على بوابة حديدية، نصبتها السلطات المؤقتة، بديلا عن جدار إسمنتي كان يفصل شارعهم عن ميدان التحرير، في خطوة وصفها منتقدوها بأنها "أعادت القاهرة إلى زمن المماليك".

وشارع قصر العيني، المؤدي إلى ميدان التحرير، والمُطل على مقر مجلس الوزراء، شاهد على رحلة معاناة يقضيها سكان المنطقة من الموظفين والعمال، وحتى الطلاب، بعد أن تم شطره إلى نصفين بجدار إسمنتي، بعد أحداث مجلس الوزراء في كانون الأول/ ديسمبر2011، إبان فترة إدارة المجلس العسكري لمصر عقب تنحي حسني مبارك في شباط/ فبراير 2011.

وكان لزاما على المارة لكي يواصلوا رحلتهم في الشارع، أن يعبروا مترجلين عبر باب صغير لأحد المحال التجارية المجاورة للحاجز، بحسب شهادات مصريين، والاستعاضة عن الحاجز الأسمنتي في قصر العيني بتركيب بوابة حديدية، دفعت هذه الخطوة كاتبا مصريا يساريا إلى وصف البوابة بأنها العودة إلى "هندسة المماليك"، حيث كان قادة المماليك يأمرون بتشييد الأبواب العالية لتحصين القاهرة، وكانت تلك الأبواب مزودة بفتحات لرمي السهام ضد الأعداء، وصب الزيوت المغلية والسوائل الكاوية على جنود العدو لمنعهم من دخول المدينة المحصنة.

وتمت إقامة العديد من الجدران الإسمنتية خلال عامي 2011 و 2012 في منطقة وسط القاهرة، بهدف منع المتظاهرين المعارضين للسلطة وقتها من الوصول إلى أماكن ومقار حيوية في المنطقة، من بينها السفارة الأمريكية ووزارة الداخلية ومقر مجلس الوزراء، ومقر مجلسي الشعب والشورى، بجانب عدد من الوزارات.

وشرعت السلطات في العاصمة، مؤخرا، في إزالة بعض تلك الحواجز الأسمنتية. وكان نائب محافظ القاهرة للمنطقة الغربية، اللواء محمد عبد التواب، قال في تصريحات صحفية، مؤخرا، إن تلك البوابات "ضرورية لتأمين المنشآت الحيوية الموجودة بالمنطقة"، مشيرا إلى أن "وزارة الداخلية هي التي ستتولى تأمينها وتعيين خدمات أمنية عليها لفتحها وغلقها في الحالات الطارئة".

واستقبل مصريون تشييد البوابة بالسخرية، حيث قال أحد الشباب وقف بالقرب من البوابة ضاحكا: "أهلا بكم في معبر قصر العيني البري"، في إشارة ساخرة ترى البوابة وكأنها قسمت القاهرة إلى بلدين.

وموجة السخرية امتدت إلى مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، حيث قال الناشط أحمد العش عبر حسابه على تويتر إن "بوابات قصر العيني تم طلاؤها بألوان علم مصر من الجهتين، رمزا للسيادة المصرية على شطري المعبر".

وهو ما دفع عبد الحميد السيد للرد عليه بالقول: "يجب أن يكتبوا على البوابة عبارة أدخلوها بسلام آمنين".

ويصف الكاتب المصري وائل عبد الفتاح تلك البوابة في مقال له بعنوان "هندسة المماليك" نشر في 8 من شباط/ فبراير الجاري بصحيفة السفير اللبنانية بقوله إن السور الذي بُني منعا للمواجهة مع الجموع الغاضبة أصبح بوابة ضخمة، تفتح وتغلق حسب أوامر السلطات، وفي إغلاقها يكتمل علم مصر المرسوم على الجسم الفولاذي".

ويضيف أن "معمار الخوف من الشعب أو هندسة العقل القديم للشوارع والسلطة، فالشوارع تحررت مع الثورة، ولكي يعود القمع لابد من فعل يناسب تلك العقلية المنتمية بالكامل إلى ماضيها والمقاومة لتحرير المدينة من ثقل الحضور".

ثم يعود عبد الفتاح فيقول إن "الثورة كسرت هذه الأسوار وفتحت الأقفاص، وهذا ما لم تتعود عليه عقلية المماليك العسكرية، ومع الصدام المباشر لم يجد العسكر حلا سوى إغلاق الشوارع من جديد بالأسوار الحجرية وهي اختراع عسكري تماما، أغلقت به شارعين (محمد محمود وقصر العيني المؤديين لميدان التحرير)، وحولت به ميدان التحرير إلى ساحة بين الرعب والعبث".

وعرفت القاهرة على اتساع تاريخها بإقامة حكامها أبواب ضخمة لتأمينها، وانتشر بناء أبواب للقاهرة إبان حكم كل من الفاطميين والذين حكموا مصر في الفترة من عامي 909 و1171م، ثم من بعدهم الأيوبيين والذي حكموا مصر في الفترة من 1174 وحتى 1250م، ثم ورثها عنهم قادة المماليك.

ومن أشهر البوابات التي عرفتها القاهرة على مدار تاريخها؛ "باب زويلة" الواقع في وسط القاهرة القديمة بنهاية شارع المعز بجوار منطقة الأزهر والحسين، ويُشتهر باسم بوابة المتولي.

وتم انشاء الباب عام 1092م، ويتكون من كتلة بنائية ضخمة عمقها‏ 25‏ مترا وعرضها ‏25.72‏ متر وارتفاعها ‏24‏ مترا عن مستوى الشارع.

واشتهر الباب بأنه الذي علقت عليه رؤوس رسل هولاكو قائد التتار، حينما أتوا مهددين للمصريين، وأعدم عليه أيضا السلطان المملوكي "طومان باي" عندما فتح سليم الأول مصر وضمها للدولة العثمانية.

ويتكون الباب من برجين مستديرين، يبرز ثلث الكتلة النباتية خارج السور، ويتوسط البرجين ممر مكشوف يؤدي إلى باب المدخل، ويرتفع البرجان إلى ثلثي الارتفاع في بناء مصمت، ويأتي في الثلث العلوي من كل منهما حجرة دفاع يغطيها قبو طولي يتقاطع مع قبو عرضي.

ويعد "باب الوزير" أحد أبواب القاهرة الخارجية في سورها الشرقي الذي أنشأه صلاح الدين الأيوبي، ويقع في المسافة الواقعة بين الباب المحروق وبين قلعة الجبل، فتحه الوزير نجم الدين محمد قلاوون عام 1341م،  لذلك عرف بباب الوزير وهو لا يزال قائما حتى الآن.