على ما يبدو، أصبح شهر تشرين الأول/ أكتوبر الذي
يحتفل فيه
الاحتلال الإسرائيلي بأعياد دينية يهودية نذير شؤم عليه، فمع
اقتراب الذكرى الأولى لعملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس في السابع من ذات
الشهر 2023، هاجمت
إيران الأراضي المحتلة بعشرات من الصواريخ الباليستية.
وبعد أن عاش
نتنياهو نشوة كبرى نتيجة ما اعتبره انتصارا شخصيا عظيما بعد نجاح علميات اغتيال عدد من قادة المقاومة
سواء الفلسطينية وعلى رأسهم إسماعيل هنية، أو اللبنانية وعلى رأسهم الأمين العام
لحزب الله حسن نصر الله، فقد جاءت الضربة الإيرانية لتخلط الأوراق وتجبره على الاختباء
في ملجأ محصن تحت الأرض.
وشنت إيران، مساء الثلاثاء، هجوما صاروخيا على الأراضي
المحتلة، وقصفت عدداً من المدن الإسرائيلية بالصواريخ الباليستية، ردا على اغتيال
هنية في طهران وحسن نصر الله في بيروت.
"كسر نشوة الانتصار الشخصي"
وكان نتنياهو قد قال بعد اغتيال نصر الله، إنه
"لا يوجد مكان في إيران والشرق الأوسط لن تصل إليه ذراع إسرائيل
الطويلة"، معتبرا أن اغتيال نصر الله كان شرطاً ضرورياً لتحقيق الأهداف التي
حددناها"، إلا أن الضربة الإيرانية كسرت نشوته وفرحته وقد تعني الكثير له.
الخبير بالشأن
الإسرائيلي، الدكتور سليمان بشارات، يعتقد أن "الضربة الإيرانية في توقيتها
وفي شكلها بالتحديد ستنزع النشوة التي حاول بنيامين نتنياهو أن يستعرض من خلالها
القدرات الذاتية لشخصيته في إدارة هذه المرحلة".
وتابع
بشارات في حديث لـ"عربي21": "من جانب آخر يتعلق الأمر بأن إسرائيل
استطاعت أن ترمم المعادلة الردعية، فالمعاناة الكبرى التي ما زالت تعانيها منذ
السابع من أكتوبر، أن صدمة ذلك اليوم ما زالت تلاحقها، ولهذا السبب فإن اختيارها
لتوقيت بداية أكتوبر للذهاب إلى العملية العسكرية في جنوب لبنان هي محاولة لإزالة
ما تبقى في الذاكرة الإسرائيلية من هجوم المقاومة في ذلك اليوم".
وأردف: "ولكن عندما
تأتي هذه الرشقة الصاروخية من طهران، فإن ذلك يُعيد للذاكرة الإسرائيلية السابع من
أكتوبر الذي أحدث هزة في المنظومة الرادعة وفي المنظومة الاستخباراتية وفي الحالة
النفسية الإسرائيلية الداخلية".
ولهذا السبب يعتقد بشارات "أن تأثير هذه
الهجمة حتى وإن لم توقع أي أضرار - على الرغم من أنه وفقا للمشاهد فإن هناك عددا كبيرا من الصواريخ يبدو أنها سقطت فعليا وتجاوزت الاعتراضات- فإن الواقع النفسي
والاستخباراتي والعسكري والهيبة الإسرائيلية وهي الأهم بالنسبة للاحتلال عادت
لتهتز مرة أخرى".
ويرى
أن "إسرائيل في كل مرة تحاول أن ترمم فيها هذه الصورة، تعود لتتهشم مرة أخرى،
وهذا الأمر حدث في أكثر من محطة منذ السابع من أكتوبر، ومنها عندما ذهبت طهران
للرد على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وغيرها من المحطات".
وحول
ما إذا كانت الضربة الإيرانية قد كذبت وعد نتنياهو بأنه سيوفر الأمن لكل سكان "إسرائيل"،
قال بشارات: "نعم بالضبط، وهذه النقطة الثانية، وهي أن الأهداف التي يضعها في
كل مرحلة من مراحل الحرب لا يستطيع حتى هذه اللحظة أن يحققها أو أن يجد أرضية
لتحقيقها".
وأضاف:
"وهذا الأمر تابعناه في الحرب على قطاع غزة ونتابعه الآن، ففي بداية الحرب
على قطاع غزة وُضعت أهداف، وهي إعادة الأسرى الإسرائيليين، والقضاء على حركة حماس،
وإعادة المستوطنين إلى مستوطنات الجنوب، لكن لم يتحقق ذلك، ووسع نتنياهو من أهدافه
وذهب إلى عملية إبادة وتدمير في قطاع غزة".
ولفت إلى أن
"نتنياهو قبل انطلاق العملية العسكرية في الشمال وضع هدفا سياسيا متمثلا في إعادة المستوطنين إلى المستوطنات هناك، لتأتي هذه الضربة الآن لتقول إنه حتى وإن
فكرت أو وضعت أهدافا في ما يتعلق بذلك فإن باقي الإسرائيليين في قلب المدن
الإسرائيلية غير محميين".
وأكمل: "بالتالي
عندما نتحدث الآن عن حالة عكسية كليا للأهداف التي يضعها، فإن هذا ربما يؤثر أو يضرب
المصداقية والقدرة عند نتنياهو على أن يُقدم شيئا مكتمل الأركان للمجتمع
الإسرائيلي".
رد
محكوم بحسابات سياسية
وفور
وقوع الضربة الصاروخية الإيرانية قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، إن "الهجوم الصاروخي الإيراني خطير وسيكون له عواقب"، وتوعد طهران
"برد مختلف عن كل مرة"، رافضا تحديد كيفية ومتى سترد "إسرائيل".
من
جهته قال تنياهو في كلمة وجهها إلى الشعب الإيراني: "لا يوجد مكان في الشرق
الأوسط لا تستطيع إسرائيل الوصول إليه"، وحذرهم "من أن حكومتهم تدفعهم
أقرب إلى الهاوية"، فكيف سيكون رد الاحتلال بعد رفع نتنياهو سقف تهديداته
لطهران؟
يرى بشارات أن "الأمر يعد سهلا، وهذا الشيء ربما لاحظناه،
فالمعادلة الآن في غاية الحساسية سواء في ما يتعلق بـ"إسرائيل" أو حتى للضربة الإيرانية
وما قبل ذلك".
وأضاف: "إيران كما قال الرئيس الإيراني استخدمت سياسة
ضبط النفس والصبر الاستراتيجي لفترة طويلة جدا، وأنها حاولت أن تعطي مساحة للوساطات
الدبلوماسية الدولية، لكن إسرائيل في نهاية المطاف لم تتعاط وتتعامل مع كل ذلك وأصرت
على الذهاب أبعد من ذلك".
وأوضح الخبير بالشأن الإسرائيلي أن "إسرائيل
ربما هي الأخرى لديها حسابات، صحيح أنه قد يكون هناك بعض الأصوات داخلها تقول إنه
الوقت المناسب الآن لتعزيز فرضية الذهاب إلى ضرب إيران والمنشآت النووية الإيرانية بغطاء دولي من أمريكا وتحت ذريعة الرد على
هذه الإطلاقات الإيرانية".
وتابع: "لكن أعتقد أن هناك أيضا حسابات أخرى،
فهل أمريكا والعالم ككل مستعدون للذهاب إلى حرب إقليمية إذا ما ردت إسرائيل على
الضربة؟ وهل المجتمع الإسرائيلي مستعد لدفع ثمن أكبر مما دفع في السابق؟".
ولفت إلى أنه "عندما
كان الحديث يجري عن الحرب على قطاع غزة والثمن الذي كان يُدفع إسرائيليا، فهو كان
يُدفع من داخل الجيش وفي صفوف المؤسسة العسكرية، لكن الآن المُستهدف قلب المدن
الإسرائيلية، ونحن نتحدث عن ما يزيد على 2- 3 ملايين إسرائيلي أصبحوا ضمن دائرة
الاستهداف، وهذا سيشكل عبئا كبيرا على الحكومة الإسرائيلية وعلى بنيامين
نتنياهو".
ولهذا السبب يعتقد بشارات أن "الحسابات الإسرائيلية
ستكون بالغة الحساسية والدقة، بمعنى أنه إما الذهاب إلى رد ربما يكون مضبوطا ومحاولة البقاء ضمن
توازن الردع والردع الاستراتيجي والتفرغ للجبهة الشمالية وإلى استمرارية الحرب في قطاع
غزة....".
والخيار الثاني وفقا لبشارات "الانتظار إلى أن تحين
الفرصة لتنفيذ عمليات موضعية كعمليات الاغتيال التي شاهدناها بما فيها اغتيال رئيس
المكتب السياسي لحركة حماس، وبالتالي محاولة رد الصفعة -كما يقال- إلى طهران بشكل أو
بآخر".
وأوضح أن الخيار الثالث المحتمل للرد هو أنه
"ربما تصمت تل أبيب عن كل ذلك تحت إطار المطالب السياسية من قبل أمريكا
والموقف الدولي، ومحاولة الإبقاء على الخطوط التي هي ما زالت تعمل عليها على
الجبهة الشمالية وفي قطاع غزة".
وحول
سبب توحد الجبهة الداخلية الإسرائيلية على الحرب مع حزب الله، على عكس ما كانت
عليه في حرب غزة، قال بشارات: "الموقف الإسرائيلي في ما يتعلق بالجبهة
الشمالية مُوحد منذ اليوم الأول للحرب على قطاع غزة، وجميع الأصوات كانت تطالب
بضرورة تنفيذ ضربات إلى حزب الله على اعتبار أن جبهة الشمال هي ذات أولوية أكبر
وخطر أكبر من خطر قطاع غزة".
وأضاف: "التوحد
الإسرائيلي على الجبهة الشمالية المختلف عن الموقف على الجبهة الجنوبية مرتبط
بوجود أسرى إسرائيليين، وبالتالي فقد كانت المطالب دائما في ما يتعلق بقطاع غزة أن يتم
تبديل الأولويات والأهداف، بمعنى أن يكون الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في أي
صفقة، ومن ثم العودة إلى استكمال الحرب، وبالتالي هنا أنه كان الخلاف أو التباين في
وجهات النظر الإسرائيلية".
وأوضح أنه "بالمقابل
على الجبهة الشمالية لا يوجد أسرى إسرائيليون، وبالتالي فالهدف الأول والأساس هو
تنفيذ الحرب على حزب الله ومحاولة القضاء على قدراته وتقديم الهدف السياسي المتمثل
في إعادة المستوطنين إلى مستوطنات الشمال، وهذا بالمناسبة هو جزء من وحدة الداخل
الإسرائيلي خلف نتنياهو، إضافة إلى أن المؤسسة العسكرية استعدت أكثر لهذه الجبهة
بعد حرب عام 2006".
مستقبل نتنياهو
بعد
أن قدم نتنياهو هدايا اعتبرها ثمينة جدا للجبهة الإسرائيلية الداخلية، متمثلة بعدة
نجاحات تكتيكية على الجبهة الشمالية، فقد ارتفعت أسهمه في استطلاعات الرأي والتي رجحت
في حال عُقدت انتخابات الآن نجاحه بالفوز به باكتساح.
لكن
الضربة الإيرانية لم تدعه يفرح كثيرا بهذه الاستطلاعات، فهل ستكون هي المسمار
الأخير في نعش مستقبله السياسي؟
يرد
بشارات على هذا التساؤل بالقول: "لا أعتقد ذلك، فمن المبكر الحديث عن هذا
الأمر لأن نتنياهو في نهاية المطاف استطاع أولا أن يحيد بشكل كبير موضوعات
المعارضة، ثانيا بضمه لساعر (له أربعة مقاعد في الكنيست) إلى الحكومة
استطاع الآن أن يحقق استقرارا إضافيا".
وأضاف:
"بل إنه بالعكس، استطاع أن يحقق استقرارا أمام حالة الابتزاز التي يمكن أن
يمارسها عليه بن غفير وسموتريتش، فالأول لديه ستة مقاعد وكان دائما يبتزه بها، الآن
يستطيع نتنياهو أن يقول له إنك لا تستطيع أن تبتزني بأي مقعد من المقاعد لأن لدي
حالة استقرار بدون حساباتك، وهذا ربما أحد الأهداف التي سعى إليها نتنياهو من إدخال ساعر إلى
الحكومة".
وأوضح أن "نتنياهو
أيضا استطاع تحييد باقي القيادات الإسرائيلية من غانتس إلى آيزنكوت ولابيد من
المعارضة، وحتى غالانت، كلهم استطاع أن يُضعفهم أمام الشارع الإسرائيلي، وهذه ربما
واحدة من القضايا التي منحته القدرة على إدارة هذه المرحلة، وهو يضمن الآن على أقل
تقدير أن تستمر هذه الحكومة بشكلها الطبيعي حتى عام 2026".