يحرص
نتنياهو في كل مرة على إظهار موقفه العدائي تجاه الأردن، من معركة الكرامة وصولا لرفضه حل الدولتين، فضلا عن تصريحاته المتكررة خلال العدوان على
غزة، وعدوانه على
الضفة الذي يمس فعليا الأمن القومي الأردني.
ويبدو للمتتبع لعلاقات الأردن والاحتلال، خصوصا في فترات حكم نتنياهو، توترا واضحا يظهر فترة ويخفت أخرى يغذيه رغبة نتنياهو بإنهاء الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وإلغاء حل الدولتين الذي تدعو له عمان.
عداء متجذر
هزيمة معركة الكرامة
خدم في جيش
الاحتلال الإسرائيلي من 1967 حتى 1972، في وحدة النخبة "ساييرت ماتكال" التابعة لقيادة الأركان العامة، وشارك في عدة عمليات خاصة، من بينها معركة الكرامة ضد منظمة التحرير الفلسطينية والجيش الأردني عام 1968.
وأذكت الهزيمة التي تلقاها جيش الاحتلال في هذه المعركة على ما يبدو كره نتنياهو للعرب عامة والأردن خصوصا، فقد فشل الاحتلال بتحقيق أهدافه؛ إذ لجأ إلى طلب وقف إطلاق النار بعد ساعات فقط من اندلاع المعركة.
خسر الاحتلال أكثر من 250 قتيلا و450 جريحا، كما تم تدمير 88 آلية مختلفة شملت 47 دبابة و18ناقلة و24 سيارة مسلحة و19 سيارة شحن، وأسقطت 7 طائرات مقاتلة.
الوصاية الهاشمية
لا يخفي نتنياهو ولا أركان حكومته المتطرفة رغبتهم بإلغاء الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، وذلك خط أحمر بالنسبة للأردن، الذي يرى الخطوة انتهاك صارخا؛ كون الوصاية امتدادا دينيا وشرعيا للهاشمين في المنطقة، وإرثا عائليا وجب الحفاظ عليه.
وتعد أزمة بوابات البوابات الإلكترونية في المسجد الأقصى عام 2017، أبرز نقاط التوتر بين الطرفين، بعدما أغلق الاحتلال المسجد ومداخل البلدة القديمة، ومنعت إقامة صلاة الجمعة، في سابقة هي الأولى وقتها، منذ احتلال القدس عام 1967.
ومع تولي الوزير المتطرف إيتمار بن غفير حقيبة الأمن القومي في حكومة نتنياهو، بدا واضحا أن الأخير يسعى للتصعيد، واتخذ لذلك مسارا يجعل العلاقة مع عمان على صفيح ساخن.
في آذار/ مارس 2022، أرسل بن غفير رسالة إلى الملك عبد الله اتهمه فيها "بجلب الاستفزاز للقدس، مهددا بأن منعه من دخول الحرم القدسي سيكون استفزازا سيجلب النار والحرق للمدينة.
مطلع عام 2023 رفع العاهل الأردني من حدة تصريحاته ردا على اقتحامات الأقصى المتكررة، فقال خلال حوار مع قناة "سي إن إن" الأمريكية، "إذا أراد جانب أن يفتعل مواجهة معنا، فنحن مستعدون جيدا"، وأكمل "ننظر إلى النصف المليء من الكأس، وفي المقابل لدينا خطوط حمراء، وإذا أراد أحد تجاوزها، فسنتعامل مع ذلك".
وعقب أيام، استدعت عمان السفير الإسرائيلي وسلمته رسالة احتجاج على اقتحام بن غفير، لباحات المسجد الأقصى، تتضمن طلبا مشددا بالامتناع عن أي إجراءات من شأنها المساس بحرمة الأماكن المقدسة، ووضع حد لمحاولات تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم، والتأكيد أن المسجد الأقصى "الحرم القدسي" الشريف بكامل مساحته 144 دونما مكان عبادة خالص للمسلمين.
احتفاء بقاتل الأردنيين
عام 2018، قتل حارس السفارة الإسرائيلية في عمّان مواطنين أردنيين، داخل مجمّع السفارة، وطالب الملك الأردني حينها رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، بمحاكمة القاتل محذرا بأن التعامل مع الواقعة، سيكون له أثر مباشر على العلاقات بين الجانبين.
في المقابل، احتفى نتنياهو بالقاتل في الأحضان، نشر ذلك في مقطع مصور استفز مشاعر الأردنيين.
ردت عمان بعدها بالإعلان عن خطط لإنهاء عقد تأجير منطقتي الغمر والباقورة، وأصر على ذلك بالرغم من جهود حثيثة بذلتها حكومة الاحتلال، إلا أنها لم تنجح المفاوضات لضمان استمرار وصول المزارعين الإسرائيليين إلى المنطقتين،
طائرة نتنياهو
في آذار/ مارس 2021، بدت الأزمة بين الديوان الملكي الأردني وحكومة نتنياهو في أوضح صورها، بعد رفض عمّان مرور طائرته عبر الأجواء الأردنية، ما اضطره إلى تأجيل زيارته لعمان.
وكان الرفض الأردني ردا على الترتيبات الأمنية والشروط التي وضعتها حكومة الاحتلال للزيارة، التي كانت مقررة لولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله إلى القدس المحتلة للصلاة في المسجد الأقصى، بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج.
الضفة والأمن القومي الأردني
بدأ الاحتلال أواخر الشهر الماضي، عملية عسكرية كبرى استهدفت مدن شمالي الضفة الغربية، هي الأكبر منذ 24 عاما.
وشملت مدن ومخيمات جنين وطولكرم ونور شمس والفارعة وطوباس، وأسفرت عن استشهاد وجرح عشرات الفلسطينيين.
ومرارا حذر الأردن من مغبة إشتعال الوضع في الضفة، وانعكاسات انفجار المشهد هناك على المنطقة ككل.
يقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني ياسر الزعاترة؛ إن مخطط تهجير الفلسطينيين من "يهودا والسامرة"، بحسب تسميتهم، أي الضفة الغربية، هو جزء محوري في المشروع الصهيوني. يُقال ذلك في السر والعلن".
وأضاف في منشور على منصة "إكس": "نؤمن أن تلاحم الشعبين الفلسطيني والأردني سيُحبط هذا المخطّط، لكننا نؤمن أيضا أن أصحاب نظرية العيش تحت بساطير الاحتلال ليسوا مؤهلين لإحباطه، بل يخدمونه من الناحية العملية".
من جانبه قال نائب رئيس الوزراء الأردني السابق، جواد العناني، إن "إسرائيل تتصرف بعدائية ضد الأردن منذ عام 1996 وحتى الآن، كما زاد الأمر منذ وصول نتنياهو للحكم، حتى عندما كان في المعارضة سيطر بفكره على المزاح العام لذا فشلت كل محاولات التهدئة".
وأضاف في حديث لـ "عربي21"، "نحن أمام مشهد جدا حرج، فتوسع الاستيطان، بالضفة والقتل وتدمير البنى التحتية والتهجير والهجوم على المخيمات كل هذا يدل على مخطط إسرائيلي لتهجير الفلسطينيين نحو الأردن، الدي أعلن أنه لن يسمح بهذا مهما كان الثمن",
وتابع، أن "هناك موقفين للأردن، الأول يسعى لاستخدام الوسائل السياسية والدبلوماسية والقانونية والنفود لإيقاف هده الانتهاكات الإسرائيلية إلا أن نتنياهو وحكومته المارقة لا يسعيان للتهدئة ويريدان احتلال فلسطين من النهر إلى البحر".
أما الموقف الثاني فهو يتعلق بمحاولات ضغط إسرائيل على الأردن لفرض الامر الواقع الدي يريحها على حساب الأردن، وهدا امر مرفوض بالنسبة لعمان وسيضطرها للدفاع عن حقوقها بكل السبل المشروعة لأن ذلك يمثل اعتداء على سيادة البلاد.
وأشار إلى أن العمليات في الضفة من قتل ودمار واعتقالات وتضييق، له ثمن كبير على أمن واستقرار الأردن خصوصا إذا حاولت إسرائيل فرض فكرة الوطن البديل بالقوة.
وبين العناني، أن الأردن، يمتلك أوراق قوة كثيرة من بينها علاقاته الدولية فهو بلد متحرك دبلوماسيا لاسيما مع الدول ذات التأثير، لذا يحاول تفادي توسعة الحرب في المنطقة،
وأردف، أن الإسرائيليين يعرفون أن في حال فتحت الحدود مع
الاردن فإنها لن تستطيع تحمل تكاليف الثمن الذي ستدفعه؟
وأكد أن الاردن وقف بكل قوة ضد أعمال الإبادة الجماعية الإسرائيلية كما أوقف عدة تعاملات مع إسرائيل، مضيفا أن الموقف الرسمي الأردني يتمثل بالتواصل مع الأطراف الدولية للتأكيد والتحذير من خطورة الممارسات الإسرائيلية كي لا يفاجأ الناس في حالة اتخذ الأردن إجراءات تصعيدية.
الأردن بعيون نتنياهو
مطلع الشهر الجاري، ظهر نتنياهو خلال مؤتمر صحفي إلى جانب خارطة ليتحدث عن محور فيلادلفيا، عقدة الخلاف في صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية.
وبدا لافتا أن الخارطة التي ابتلعت الضفة الغربية، أظهرت الأردن وقطاع غزة بلون واحد دونا عن باقي الخارطة، ما اعتبرها كثيرون رسالة واضحة لفكرة الوطن البديل للفلسطينيين.
وأشارت وزارة الخارجية الفلسطينية إلى الاستخدام المتكرر من قبل نتنياهو لخريطة تضم الضفة الغربية لدولة الاحتلال، واعتبرت ذلك اعترافا واضحا بجريمة استعمارية عنصرية، واستخفافا بالشرعية الدولية وقراراتها.
وأضافت أن "خريطة نتنياهو تكشف حقيقة أجندات حكومة اليمين المتطرف الاستعمارية العنصرية".
كما انتقد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خريطة تخلو من الضفة الغربية المحتلة في مؤتمره الصحفي أمس الاثنين، وقال؛ إن "عرض مثل هذه الخرائط ليس علامة جيدة، ولا يساعد حاليا".
وفي السياق، شدد رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، ديفيد هيرست، على أن "أكبر خطر يتهدد الأردن يوجد داخل الرؤوس الإسرائيلية"، مشيرا إلى أنها الفكرة التي ترى بأن "الأردن هو فلسطين"، التي تعددت صور التعبير عنها بما في ذلك خطة آلون، التي تدعو إلى قيام إسرائيل بضم مساحات واسعة من الضفة الغربية، بينما يتم ضم ما يتبقى منها إلى الأردن.
أما النسخة الأكثر توحشا، وفقا لديفيد هيرست، فتتمثل بالتهديدات المباشرة التي يوجهها المستوطنون إلى القرى والبلدات الفلسطينية، داخل الضفة الغربية المحتلة بأن على سكانها المغادرة أو التعرض للحرق.
وشدد هيرست على أنه لم يحصل قط أن اختفى "الخيار الأردني" من الخطاب الإسرائيلي. في عام 2010، وكانت تلك نسبيا سنة أمن وسلام بالنسبة لإسرائيل، تقدم ما يقرب من نصف أعضاء الكنيست المائة، والعشرين بمقترح لمناقشة ما أطلقوا عليه "دولتين لشعبين على جانبي نهر الأردن"، بما يعني الطرد الجماعي للفلسطينيين نحو الأردن.
وأوضح أن ذلك كان واضحا أيضا في ألفاظه ذلك القرار الذي أجازه الكنيست قبيل مغادرة نتنياهو في زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، والذي حظر قيام دولة فلسطينية في المستقبل.
لذلك، لم يكن مستغربا، وفقا للكاتب، أن يعلن عاهل الأردن، الملك عبد الله، أن المنطقة "لن تقبل بأن يصبح مستقبل المنطقة رهينة لسياسات حكومة إسرائيلية متطرفة".
زيارة الأغوار
في أعقاب عملية "معبر الكرامة" التي نفذتها الشهيد الأردني ماهر الجازي، تيقن الاحتلال صعوبة، وربما استحالة نجاح خططه لفرض الأمر الواقع، أو تعويم مخططاته التي تشترك فيها دول عربية، لدمجه مع محيطه العربي وفرض مقبوليته.
وذكرت العملية بعمق الأواصر والامتداد بين فلسطين والأردن، وهذا ما دفعه لزيارة منطقة الأغوار والتصريح من هناك بما يستفز الأردنيين شعبيا ورسميا.
ودانت وزارة الخارجية الأردنية، اقتحام رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، وأحد وزرائه منطقة الأغوار الفلسطينية على حدود المملكة.
وذكر بيان للوزارة مساء الخميس، أنها “تدين كذلك ما صاحب هذا الاقتحام من ادعاءات باطلة (من نتنياهو)، واختلاق لأخطار بهدف توسيع سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعبر الدعوة لتوسيع الاستيطان، وغيرها من الإجراءات غير القانونية”.
وأضافت، أنه “لا سيادة لإسرائيل على الأرض الفلسطينية المحتلة”، مؤكدة “رفض المملكة المطلق واستنكارها الشديد لتصريحات وزير المالية الإسرائيلي، الداعية إلى توسيع الاستيطان بالأرض الفلسطينية المحتلة”.
كما اعتبرت الاقتحام، “تحديا فاضحا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي، وخصوصا القرار 2334 الداعي إسرائيل لوقف الاستيطان بالضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية إنشاء وتوسيع المستوطنات هناك”.
وطالبت الخارجية الأردنية "المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، وإلزام إسرائيل وحكومتها المتطرفة وقف عدوانها على غزة، والتصعيد بالضفة الغربية، وتوفير الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني”.
والأربعاء، تعهد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإقامة "جدار قوي" على الحدود مع الأردن، وذلك بعد أيام من العملية التي نفذها الشهيد الأردني ماهر الجازي في "معبر الكرامة"، وأسفرت عن مصرع ثلاثة إسرائيليين.
وقال نتنياهو خلال جولة في المنطقة الحدودية مع الأردن، برفقة وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش: "سنعمل على إقامة جدار قوي على الحدود مع الأردن لمنع التهريب"، مشددا على أنه "من المهم لنا أن تبقى الحدود مع الأردن حدود أمن وسلام".
وأضاف: "نحن في معركة متعددة الساحات. نحن بحاجة إلى تأمين حدودنا الشرقية مع الأردن. وهذه حدود السلام. ونحن نعمل مع المملكة الأردنية لضمان أن تظل كذلك".
وأشار رئيس وزراء الاحتلال، إلى أن "التحديات تتزايد في الآونة الأخيرة، وهناك محاولة لتهريب المخربين والأسلحة عبر نهر الأردن إلى الضفة وإلى إسرائيل، ونحن نعمل هنا بالتعاون مع الأطراف كافة لوقف هذا الأمر".
يذكر أن حديث نتنياهو عن إقامة جدار مع الحدود الأردنية، يعد إحياء لمشروع سابق جرى طرحه قبل نحو عقدين من الزمن، إلا أن "إسرائيل" تراجعت عنه لأسباب مالية، بحسب وكالة الأناضول.