للمرة
الأولى يحدثُ إجماع دولي معاكس حيال دور جماعة الحوثي في
اليمن، مفاده أن خارطة
الطريق التي صممتها وفرضتها واشنطن عبر مبعوث الأمم المتحدة المتعاقبين، وتضمنت
مكاسب كبيرة لجماعة، أصبحت بحكم الميتة، في إشارة إلى إبقاء اليمن ليس فقط ساحة
مواجهة عسكرية تحت تصرف
إيران ومشروعها الجيوسياسي، ولكن أيضا مسرحا للفوضى والعبث
والاستغلال المكشوف لوضعه الاستثنائي الأليم في ظل غياب قيادة يمنية ينعقد عليها
الأمل وتحظى بالاحترام.
أكثر
من عشر سنوات من الحرب التي اندلعت في أعقاب الانقلاب على السلطة الانتقالية من
قبل جماعة
الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة علي عبد الله صالح في 21
أيلول/ سبتمبر 2014، وبتواطؤ عبثي وخيانة صريحة من جانب الرئيس الجنوبي المنتخب
على رأس السلطة الشرعية آنذاك، عبد ربه منصور هادي.
لم
يكن اليمنيون ينتظرون بعد كل هذا الوقت أن تُعلنْ عليهم القوى الإقليمية والدولية
المتدخلة في الشأن اليمني، عدم جدوى
خارطة الطريق، بعد شهرين تقريبا من إجهاض
محاولة مشرفة من جانب المركزي اليمني لفرض سياسات نقدية، كانت كفيلة بفقدان جماعة
الحوثي التوازن وبتهاوي الأساس الاقتصادي الذي يستند عليه نشاطهم العسكري ضد الشعب
اليمني.
التغير السلبي تجاه خارطة الطريق اليمنية، لا يمثل مراجعة مسؤولة لعبثية هذه الخارطة والمقاربة الأممية للحل في اليمن، بقدر ما يمثل انعكاسا لتداعيات النشاط العسكري الحوثي؛ الذي حول اليمن من دولة إلى ساحة من ساحات إيران، ومضى في معركة الإسناد الموجهة لصالح غزة وفلسطين، وعين الجماعة إلى المردود المعنوي الكبير لهذا النوع من النشاط ذي المضمون الديني والأخلاقي والإنساني الذي لا يمكن أن يختلف عليه اثنان
لم
يظهر هؤلاء الممسكون بخناق الشرعية وقرارها السيادي أيةَ إشارة إلى البدائل المفترضة
التي يتعين على "السلطة الشرعية" أن تلجأ إليها لإنهاء حالة الحرب،
والانقسام الخطير السياسي والجغرافي والاقتصادي الذي يقتل فرص اليمنين في الحياة
ويعمق مأساتهم ويكرس بؤسهم وتشردهم، ويُبقي على الظروف السيئة التي يواجهونها في
مناطق النزوح الداخلية والخارجية.
إن
التغير السلبي تجاه خارطة الطريق اليمنية، لا يمثل مراجعة مسؤولة لعبثية هذه
الخارطة والمقاربة الأممية للحل في اليمن، بقدر ما يمثل انعكاسا لتداعيات النشاط
العسكري الحوثي؛ الذي حول اليمن من دولة إلى ساحة من ساحات إيران، ومضى في معركة
الإسناد الموجهة لصالح غزة وفلسطين، وعين الجماعة إلى المردود المعنوي الكبير لهذا
النوع من النشاط ذي المضمون الديني والأخلاقي والإنساني الذي لا يمكن أن يختلف
عليه اثنان.
فتداعي الأحداث في المنطقة، في ضوء خروج لبنان من سيطرة حزب الله واستقلال سوريا
الثاني من حكم الأقلية الطائفية المدعومة من إيران وروسيا، وضع دور الحوثيين
وشركائهم في "حلف الساحات" في السياق الطبيعي، إذ كشف النوايا الحقيقية
لهذا الحلف الطائفي البشع الذي يتلفع عباءة
فلسطين، ويُبقي بكل وضوح على انحيازاته
للجرائم التي ركعت شعوب المنطقة وأساءت إلى دينها وأخلاقها ودنست كرامتها.
هرول
الحوثيون لأول مرة باتجاه خارطة الطريق، التي لطالما ترفّعوا عليها على الرغم من
المكاسب الثمينة التي ضمنتها لهم، وباتوا يتمنون زيارة من أي مستوى من موظفي مكتب
المبعوث الأممي إلى اليمن الذي كانوا يماطلون في استقباله أو يطردونه من صنعاء إذا
لزم الأمر.
استمرار الحوثيين في إرسال صواريخ قادرة على الوصول إلى أهدافها في تل أبيب، هي رسائل إيرانية صريحة للجميع، وهي كذلك رسائل تخص الحوثيين إلى الأطراف الإقليمية وفي مقدمتهم السعودية، وتتعلق بحجم التعقيدات التي يمكن أن يواجهونها، والارتدادات الخطيرة على أمنهم وعمقهم الاستراتيجي في حال أصروا على إبقاء خارطة الطريق في التابوت، وحولوا الاستدارة الأمريكية الصهيونية المميتة تجاه الحوثيين؛ إلى مكاسب ميدانية وسياسية تغير قواعد المواجهة بين الأطراف
وتطورات
كهذه تكشف عمق شعور الحوثيين بخطر فقدان المزايا والدور وربما الوجود، ليس لأن
الطرف الآخر "المقيد والمكبل" عازمٌ على مقاتلتهم، وهو قادر على ذلك بكل
تأكيد، بل لأن الغطاء الدولي الذي مثلته الولايات المتحدة والغرب، ومكنهم من دخول
صنعاء بلا مقاتلين، تحول إلى عدو يتتبع موارد قوتهم بجدية تامة، ويرصد ويكشف عن
تحصيناتهم العسكرية في جبال اليمن الشمالية الغربية، وشرع بالفعل بإرسال إشارات
قوية بشأن إمكانية تدميرها، باستخدام طائرات (بي2-B2)
الشبحية.
إنه
تطور يقود إلى إمكانية تشكل موقف عسكري متعدد الأطراف يمكن من بلوغ مرحلة تدمير
سلطة الأمر الواقع التابعة للحوثيين، ومعها الأسلحة التي يتحصلون عليها من إيران
ومن شبكة الدعم الدولية، وتلك التي استحوذوا عليها من "مخزون عفاش"
العظيم. و"عفاش" هو اللقب المتأخر الذي حمله علي عبد الله صالح بعد
الإطاحة به من حكم دام لـ33 عاما، إلى جانب صفة "الزعيم".
الليونة
على المستوى السياسي التي أبداها الحوثيون، يبدو أنها محروسة بتصميم انتحاري
لإبقاء خيار المواجهة ضمن حلف الساحات الذي جرى تفكيكه، فيما لا تزال "الساحة"
اليمنية في حالة مواجهة عسكرية مفتوحة مع الكيان الصهيوني، يبدو أنها بدأت تكتسب
قدرا من التأثير الميداني بعد الحصيلة غير المسبوقة التي سجلت في
تل أبيب بعد سقوط
صاروخ أطلق من اليمن، وفشل الدفاع الجوي الصهيوني في إسقاطه، بحسب اعتراف علني
نادر من الجانب الإسرائيلي، ربما يكون له ما بعده على صعيد المواجهة العسكرية
المفتوحة مع الحوثيين.
في
تقديري أن استمرار الحوثيين في إرسال صواريخ قادرة على الوصول إلى أهدافها في تل
أبيب، هي رسائل إيرانية صريحة للجميع، وهي كذلك رسائل تخص الحوثيين إلى الأطراف
الإقليمية وفي مقدمتهم السعودية، وتتعلق بحجم التعقيدات التي يمكن أن يواجهوها،
والارتدادات الخطيرة على أمنهم وعمقهم الاستراتيجي في حال أصروا على إبقاء خارطة
الطريق في التابوت، وحولوا الاستدارة الأمريكية الصهيونية المميتة تجاه الحوثيين؛
إلى مكاسب ميدانية وسياسية تغير قواعد المواجهة بين الأطراف اليمنية وتدفع باتجاه
خوض حرب حاسمة ضد الحوثيين وسلطتهم ووجودهم السياسي والعسكري في اليمن.
x.com/yaseentamimi68