قضايا وآراء

عن الذي يبسط كفيه إلى السيسي ليبلغ رضاه وما هو ببالغه

"ثلاث جبهات ولا توجد قيادات تاريخية"- الأناضول
في وسط حروب السلطة والسطوة التي يعج بها عالمنا العربي والإسلامي والتنافس على المواقع والنفوذ والسيطرة التي تملأ بلادنا العربية والإسلامية، يفاجئنا مسئول القسم السياسي للإخوان في مصر بما يسميه "تسوية سياسية" ويطلق عليها آخرون مصالحة أو مبادرة سمّها ما شئت، لكن مضمونها -وفق كلام مسئول القسم السياسي- هي ترك التنافس عن السلطة لأجل صالح الوطن، وأن هدفها طمأنة الخائفين في الدولة العميقة وقوى المعارضة المختلفة من وصول الإخوان مرة أخرى للسلطة، وكان من ضمن ما قاله أن الأستاذ إبراهيم منير -رحمه الله- القائم بأعمال مرشد الإخوان كان أوّل من أعلن عن هذه المبادرة قبل نحو ثلاث سنوات.

هذه الخلفية كان من المهم ذكرها ليفهم القارئ خلفيات الفكرة محل النقاش -ترك التنافس على السلطة- لنصل إلى تحليل موضوعي لها حول جدواها علـى مستقبل الصراع السياسي في مصر.

النقطة الأولى: حصاد المبادرة السياسي

يقول أصحاب هذه المبادرة إنهم أطلقوها قبل ثلاث سنوات من الآن، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي المكاسب السياسية التي تحققت للإخوان أو الوطن منذ ثلاث سنوات وحتى الآن؟

في معظم دول العالم تكون أربع سنوات أو خمس سنوات على الأكثر هي الفترة التي يتم فيها تغيير النظم السياسية في الدول عبر الانتخابات، وتتغير التحالفات السياسية وتسقط أنظمة وتتقدم أخرى، ما أريد قوله إنه وفقا للأعراف السياسة ثلاث سنوات فترة ليست بسيطة لنرى تقدما واضحا ملموسا، لا أتحدث عن إنجازات، ولكن مجرد تقدم.
لا يوجد أي تقدم ملموس لا في التفاوض مع النظام ولا ملف المعتقلين ولا في التحالفات السياسية مع الإخوان، فمعظم الأحزاب والتيارات المدنية لها ممثلون في الخارج كذلك والجميع لديه الحرية الكاملة

لكن الحقيقة الساطعة والمشاهدة أنه لا يوجد أي تقدم ملموس لا في التفاوض مع النظام ولا ملف المعتقلين ولا في التحالفات السياسية مع الإخوان، فمعظم الأحزاب والتيارات المدنية لها ممثلون في الخارج كذلك والجميع لديه الحرية الكاملة فلماذا لم نر أي تقدم وفقا لهذه المبادرة الهامة؟!

النقطة الثانية: طمأنة الخائفين والتخلي عن القصاص

المدهش والمثير أن هذه المبادرة والتي أكّد مسئول القسم السياسي -وغيره من أعضاء القسم السياسي- أكثر من مرة في حواراته لإعلامية وآخرها مع بي بي سي، هدفها طمأنة الخائفين في النظام وقوى المعارضة حتى تحصل مصالحة وطنية، على حد قولهم.

وهذا الكلام الذي ظاهره (الجمال) يحمل في مضمونه فكرة كارثية وهي التخلي عن القصاص للشهداء والمصابين ومن تدمرت حياتهم بسبب هذا النظام، لأنه إذا كان هدفك من ترك التنافس على السلطة هو طمأنة الخائفين لتحقيق مصالحة وطنية متوهمة كما تسمّيها، فالعقلاني والمنطقي أن تتخلى عن القصاص تماما لأنها أكثر فكرة تخيف النظام ومكونات المعارضة المختلفة من حوله، والتي شاركت بالتحريض على المذبحة في رابعة والنهضة وما قبلها وما بعدها!

وبالتالي، أنت ضمنيا تفعل عكس ما تهدف إليه! فتعطيه ضوءا أخضر بقتل المعتقلين والتنكيل بهم وتقول له عمليا وضمنيا افعل ما شئت بهم، فنحن حريصون على طمأنة الخائفين في النظام والمعارضة فلا يوجد قصاص!

والدليل أنه لم نر أي نتائج ملموسة في هذا الباب، بل كثير من القيادات والرموز قُتلت خلال هذه الفترة بعد إعلان هذه المبادرة!

بطبيعة الحال حين يقرؤون هذا الكلام سينتفضون قائلين: لم نقل ذلك، إن هدفنا هو ترك التنافس على السلطة فحسب.. أقول لهم إذا كان هدفك من الخطوة كما أعلنت مرارا وتكرارا طمأنة الخائفين -كما يُخيّل إليك- فترك القصاص أولى لأنها الفكرة الأكثر إخافة وفزعا لديهم، وبدون تركها يصبح ترك التنافس على السلطة بلا أي قيمة عملية، اللهم إلا زيادة مكاسب النظام بإعلانك الهزيمة وزيادة الإحباط لدى مؤيديك الذين ضاعت تضحياتهم بلا ثمن!!

ولا تحاولوا البحث عن مخرج لكم من هذه السقطة التاريخية، فقد حاولت التفكير نيابة عنكم، فكانت كل المخارج أسوأ من بعضها وكلها ستثير السخرية والاستهزاء أكثر من أيّ شيء آخر.

النقطة الثالثة: الصدع الإخواني

من زاوية أخرى مهمة كذلك، كيف تطلق مبادرة سياسية وأنت في حالة تشظ داخلي إلى ثلاث أجنحة كل واحد منها يدعي تمثيله للإخوان للمسلمين؟ ما هي الجهة التي يعترف بها النظام المصري بدولته العميقة ممثِلة للإخوان حتى يأخذ هذه المبادرة على محمل الجد؟!
كيف تطلق مبادرة سياسية وأنت في حالة تشظ داخلي إلى ثلاث أجنحة كل واحد منها يدعي تمثيله للإخوان للمسلمين؟ ما هي الجهة التي يعترف بها النظام المصري بدولته العميقة ممثِلة للإخوان

لقد رفضت الجبهتان الأُخريان المبادرة، فمن سيصدق النظام وقوى المعارضة من الجبهات الثلاث؟ وكيف سيضمنون أنه وقت الجد لن يقال إن موقف هذه الجبهة لا يمثلنا كإخوان وموقف الجبهة الأخرى هو من يمثلنا؟!

ولنفترض جدلا أن وحدة الصف ليست ممكنة حاليا ولا يمكن أن تكون عائقا عن إطلاق المبادرات، وسأتفق معك في ذلك، لكنك بعد ثورة يناير ولديك وحدة كاملة في الصف وبكامل قوتك وحيويتك وقياداتك التاريخية؛ أعلنت أنك لن تنافس على السلطة ثم تراجعت ونافست على كل مكونات السلطة. وأنا هنا لا أناقش صحة هذه المنافسة وقتها من عدمه، ولكن أناقش زاوية واحدة وهي مصداقيتك لدى النظام والقوى السياسية الأخرى.

وأنت قوي ومتّحد على قلب رجل واحد وتملك أوراق ضغط تراجعت عن قرارك وتنافست على السلطة، وأنت الآن ضعيف ومتشظّ لثلاث جبهات ولا توجد قيادات تاريخية؛ فما الذي تبقى من مصداقية لديك لإطلاق مبادرة كهذه؟! في الحقيقة لا شيء.

تخيل معي، يذهب مسؤول القسم السياسي أو من يمثله لمجموعة حزبية ويطرح عليهم مبادرته، ثم يأتي مسؤول القسم السياسي للجبهة الثانية أو الثالثة ويقول له لا توجد مبادرة من هذا النوع ونرفض ترك التنافس على السلطة، ما الذي ستفعله هذه القوى السياسية وكيف سيكون وزنك ومصداقيتك لديهم؟!

حتى تشكيلات المعارضة الموجودة في الخارجة الآمنة في سربها المعافاة في أبدانها فشلت في بناء تحالف سياسي حقيقي معها طيلة العشر سنوات الماضية، لأنك تعلم جيدا -لكنك تستمر في الإنكار- أنك بلا وزن حقيقي لديها وغالبها يرفضك ليس خوفا من النظام المصري فحسب، ولكن من الدول الغربية والإقليمية الداعمة له كذلك، حتى المعارضة الإسلامية في الخارج التي تحالفت معك في رابعة وقبلها وبعدها وقدمت أثمانا رغم عدم اقتناعها بما تفعله، إعلاءً لمصلحة الوطن، لم تتشاور معها في مبادرتك وتركتها خلفك! وكل الكيانات التي حاولتَ تشكيلها في الخارج في أوج وحدتك الداخلية انتهت إلى مجموعات على الواتساب لتبادل المنشورات الإخبارية!

والقوى المدنية المعارضة شكلا للنظام في الداخل وتعترف للسيسي والنظام بشرعيته تم إقصاؤها وتهميشها وأحيانا اعتقال أفرادها كذلك، فمن أين أتيت بكل هذه الثقة العبثية؟!

هذه هي الحقيقة التي تعرفها، ولكنك تنكرها وتتجاهلها، الحالة الوحيدة التي ستجبر الآخرين في الداخل والخارج على الاصطفاف معك هي أن تكون موحدا وقويا مؤثرا، تشعرهم بأنّك تمثل جزءا من مصالحهم أولا ومصالح الوطن ثانيا، هذه هي اللعبة السياسية في كل الدنيا لمن يعقلها.

النقطة الرابعة: الخلاف مع مجموعة الدكتور محمود حسين

كرر رئيس القسم السياسي في حواره مع بي بي سي أكثر من مرة حين سُئل عن الصدع الإخواني مع دكتور محمود حسين أن الخلاف إداري فقط، وأن الفكر والمنهج واحد وأنه فقط خلاف في تفسير اللوائح!! وهذا في الحقيقة شي جميل ورائع فعلا، إذن لماذا لا تتنازل أنت إذا كنت متفقا معه في الفكر والمنهج وتُقرّ له بالقيادة وتوحد صفّك وتقضي على الفرقة والخلاف الداخلي؟! لماذا تصرّ وتجري وراء ترك التنافس على السلطة مع النظام المصري المثخِن بدمائكم ودماء الوطن ومقدراته، في حين تتمسك بالتنافس على السلطة في شأنك الداخلي لمجرد (خلاف بسيط في تفسير اللوائح)؟! ألا يطعن ذلك في مصداقيتك حول فكرة عدم التنافس على السلطة؟!

وإذا افترضنا أنه ليس مجرد خلاف في تفسير اللوائح كما ذكرت أكثر من مرة، فمعنى هذا أنّك لا تقول الحقيقة وتراوغ أمام الشعب المصري ومؤيديك، وبالتالي تنسف ما تبقى من مصداقيتك أمامهم وأمام قوى المعارضة التي تريد أن تبني مصداقية لديهم حول ترك التنافس!! استقيموا يرحمكم الله.

النقطة الخامسة: ملف المعتقلين

سيحاول بعضهم دغدغة المشاعر بالحديث بأن هدفنا الأسمى هو تحرير المعتقلين والتخفيف عليهم، ولكن كما أكّدت في النقاط السابقة أن العكس تماما هو الذي يحدث، فالهزيمة والاستسلام لم ولن تخرجهم كذلك، كما أنّ ترك القصاص (ضمنيا) مأساتهم كما أسلفت!! بل أضافت إليهم فوق ضيق السجون ضيق الصدور حسرة أن تكون الأثمان التي يدفعونها من أعمارهم نهايتها استسلام دون مقابل؛ اللهم بعض الحضور في وسائل الإعلام!!

لو كانت هذه المبادرة ثمنا حقيقيا لخروج المعتقلين، لكنت أنا صاحبها ومنظّرها، بل لوضعت يدي في يد السيسي الطاغية وغسلت يدي ألف مرة بالماء والتراب بعدها ولقبلت الانتحار السياسي -إن جازت التسمية- لنفسي راضيا بوضع يدي في يد طاغية مثله، لكن حين أضمن أنه عندما أنزع يدي من يده الآثمة سيكون المعتقلون خارج السجون فعلا وسيفتح المجال السياسي والحريات مرة أخرى للجميع.

لكن الحقيقة أن هذه المبادرة هي من قبيل السراب الذي يحسبه الظمآن ماء، هي إحدى تجليات الهزيمة النفسية قبل الهزيمة السياسية، هي في الواقع وكما قلت في مقالي السابق المنشور على موقع "عربي21": "متى يتنحى "أنبياء" الحركات الإسلامية؟!"، هي عطاء من لا يملك ولا يقدر لمن يملك ويقدر ولا يستحق!!".

أعلم أن رأيي هذا سيزعج أصحابها ويغضبهم، ولكنني أكتبه -كمعارض للنظام- حسبة لله وللوطن وللتاريخ، ولتعرف الأجيال القادمة من أبنائنا وأحفادنا أن تجرع الهزيمة حتى الثمالة لم يكن خيارا مجمعا عليه، ولكن كانت هناك أصوات كثيرة ترفضه.

النقطة السادسة: ما هو وزنك السياسي؟

لنتخيل أنّك حققت الحلم ووحدت نفسك مرة أخرى وأصبح الثالوث واحدا بحمد الله، ما قيمتك لدى النظام حتى يستمع إليك؟ ما هي درجة الخطورة أو الشعور بالتهديد التي تمثلها حتى تعتبر أنك "تخيفه" أو كما تقول "طمأنة الخائفين" من ماذا؟! لماذا يخافون منك؟ هل لأنك مثلا تصدر بيانات قوية للغاية أو تعقد ندوات أو تنشأ حملات هاشتاج على منصات التواصل؟

هل هذه أوراق ضغط سياسية يشعر معها بالتهديد من عودتك لمقعد الرئاسة؟ سأذهب معك بالتفكير لأبعد مدى، لنتخيل أنه خائف بالفعل من عودتك، ما الذي سيمنعه من إزاحتك كما أزاحك من قبل وأنت في أوج قوتك وعنفوانك والشارع غالبيته معك؟!

من أراد أن يكون رقما صعبا فعليه امتلاك أوراق ضغط حقيقية، فالصراع السياسي هو صراع قوى وإرادات، ولم يكن يوما واحدا في تاريخ الإنساني صراع هاشتاجات وبيانات وحلقات نقاشية فحسب
الحقيقة التي يحاول أصحاب هذه المبادرة إنكارها أنهم بوضعهم الحالي الداخلي وافتقادهم لأوراق ضغط سياسية حقيقية لا خوف منهم ولا وزن لهم، اللهم إلا ملء ساعات البث المباشر للفضائيات.. من أراد أن يكون رقما صعبا فعليه امتلاك أوراق ضغط حقيقية، فالصراع السياسي هو صراع قوى وإرادات، ولم يكن يوما واحدا في تاريخ الإنساني صراع هاشتاجات وبيانات وحلقات نقاشية فحسب.

وإذا عجزت عن إيجاد هذه الأوراق ولا تعرف كيف تمتلكها فتنحى جانبا واترك المجال لغيرك، إنّ سنة التغيير كما يعلمنا الله والتاريخ هي وحدها من توجد الأفكار الجديدة والأدوات الجديدة وتحدث النقلات في حياة الأمم والجماعات. أم أنّك تفضل الحفاظ على فلسفة "التشغيل" التي سنتناولها لاحقا، والعيش في حالة إنكار وداخل فقاعة من الوهم عن الذات والآخرين لن تخرج المعتقلين ولن ترأب صدعا أو تصلح وطنا؟

النقطة السابعة: عدم التخلي عن العمل السياسي

تحدث أصحاب المبادرة عن عدم التخلي عن العمل السياسي، ولكنه فقط تخلي عن التنافس على السلطة، وهذه الجملة وحدها بما فيها من "ميوعة سياسية" كافية لنسف المبادرة من أساسها، حتى لو كان صفّك موحدا ولديك أوراق ضغط حقيقية، فما معنى أنّك ستمارس العمل السياسي دون الحزبي ثم تقول إنّ هذا ليس تنافسا على السلطة؟

إذا قمت بمظاهرات أو أصدرت بيانات وتصريحات ضد النظام أو ما يزعجه، سيقول لك أكمل يا أخي الحبيب فأنت لا تنافس عن السلطة؟! عارضني كما تشاء ولن أعتبر ذلك تنافسا عن السلطة!! على أساس أن من في السلطة قديسون وأنبياء أو أتقياء أخفياء!! هل يتصور عقل أن هذا طرح منطقي عقلاني يمكن قبوله في ظل بيئة سياسية مسمومة يديرها نظام طاغية يحكم مصر منذ أكثر من سبعين عام، وبعد أن رأى منك تهديدا كاملا وحقيقيا لنفوذه وسيطرته!!

ألم يعلم هؤلاء أن كافة تنظيمات الإخوان في الممالك والإمارات العربية التي لا تنافس على السلطة وتعترف بشرعية الملك والأمير وتسمع له وتطيع؛ يتم حلّها كذلك واضطهادها، والأمثلة حولنا أوضح من أن تُذكر! أي أنه لم تكن مشكلة الأنظمة العربية معك أساسها في تنافسك علـى السلطة، بل في أنّك قوة شعبية منظمة وفق منهج إسلامي، ثم يأتي ثانيا أنك تؤمن بالعمل السياسي وتعتبره مكونا أصيلا في فكرك ومنهجك. هذه مشكلتك الأساسية مع الأنظمة العربية ومن ورائها القوى الدولية النافذة، وهي مشكلة غير قابلة للحل في جوهرها إلا بامتلاك أوراق ضغط تغيّر بها السلطة أو تجبرها على حلول وسط للتعايش لصالح الوطن والأمة.

إن استمرار حالة الإنكار هي حيلة نفسية معروفة للهروب من استحقاقات الواقع وواجبات المرحلة، وسعيا للعمل وفق ما نحب ونعرف أفضل من العمل وفق ما يجب وتفرضه المرحلة؛ لأنه غالبا ما يتطلب أثمانا مستحقة وعقولا غير العقول وعزائم غير العزائم حتى تأتي لحظة الصدمة الموجعة المفجعة، كما حدث سابقا -حالة الانكار- في رفض الاعتراف بأن هناك انقلابا عسكري في الطريق في عام 2013 حتى صدمتنا الحقيقة صدمة أزهقت أرواحنا وأثخنت في دمائنا.

النقطة الثامنة: ما الذي سيستفيده النظام؟

سأعتبر أنك تجاوزت كل ما سبق، فوحدت صفك وامتلكت أوراق ضغط قوية وممارستك للعمل السياسي لن تكون مشكلة للنظام، لماذا سيتنازل النظام عن ورقة رابحة له بكل المقاييس؟!

لقد بنى النظام شرعيته الداخلية والخارجية وتدفقت عليه المساعدات الخليجية والمن والسلوى من كل الجهات بسبب إقصائه إيّاك، ولا يزال يعلق شمّاعة فشله السياسي والاقتصادي عليك، فلماذا سيضطر للقبول بتسوية كهذه؟!

الجميع يعلم حتى الرضع في مهادهم والرهبان في أديرتهم والعذارى في خدورهم والفلاحون في حقولهم؛ أن ابن زايد خاصة -وابن سلمان- يكره الإخوان كرها وجوديا ككره الشيطان لسيدنا آدم عليه والسلام، وهو الداعم الأول للنظام، فهل سيتنازل النظام أو حتـى قوى المعارضة التي يتلمس معظمها الرضى الخليجي حاليا؛ عن هذا الداعم السخي الكبير لأنّك تنازلت عن شيء لا تملكه ولا تقدر عليه؟!
بنى النظام شرعيته الداخلية والخارجية وتدفقت عليه المساعدات الخليجية والمن والسلوى من كل الجهات بسبب إقصائه إيّاك، ولا يزال يعلق شمّاعة فشله السياسي والاقتصادي عليك، فلماذا سيضطر للقبول بتسوية كهذه؟!

النقطة التاسعة: طوفان الأقصى والأوضاع في المنطقة

من المدهش أن تخرج هذه المبادرة في توقيت تواجه فيه فلسطين والأقصى تهديدا وجوديا، وتتغير فيه المعادلات في المنطقة وتشتعل حروب وتتساقط عواصم عربية وتتفكك بناها الداخلية وتتشكل تحالفات إقليمية ودولية. وبدلا من أن تكون أنت بأدبياتك وتاريخك وكوادرك قاطرة التحدي والمواجهة في كافة ميادين العمل، وتكون ممثلا حقيقيا للمشروع السُني في المنطقة في مواجهة المشروع الصهيوأمريكي والمشروع الشيعي، تختار الانسحاب دون ثمن حقيقي.

هنا سيعترض واحد من هؤلاء بالقول: لم نقل هذا وسنظل نقوم بواجبنا تجاه فلسطين، سأقول له: لنتخيل معا أنك تجاوزت كل ما سبق ذكره وأن النظام الذي لا تنافسه على السلطة يرفض المظاهرات من أجل فلسطين لأنها تحرجه وتهدد شرعيته، ماذا ستفعل؟ هل ستصمت أم ستواجهه وتدخل معه في صدام، أم ستحافظ على "المكتسبات" والتي ستكون وقتها "خروج المعتقلين"؟ أم ستكتفي بتسجيل موقف بائس على سلم نقابة الصحفيين وتقول لأهل غزة وفلسطين: لكم الله ولنا سلم نقابة الصحفيين؟!

ما هو البديل؟

سيقول بعضهم أشعل شمعة وأخبرنا عن حل ممكن بدلا من أن تلعن الظلام. ورغم أنّ هذا منطق فاسد للحوار لكني سأتجاوزه أيضا وسأشعل الشمعة كما يطلبون، رغم أنني ذكرته في ثنايا المقال ولكنه مرة أخرى يكمن في إعادة تعريف الأنا والذات -دون إنكار- بحيث تتوافق أهدافك العليا مع وسائلك المستخدمة، في وحدة الصف وليس تشظّيه، في امتلاك أوراق ضغط حقيقية تجعل لك وزنا سياسيا، في التنحّي وفتح المجال لمضاء سنّة التغيير وتجديد الدماء وإعادة الزخم؟ لقد كان ولا يزال طوفان الأقصى نقطة تحول هائلة لمن يعقل ويحسن استغلال الفرص، ولكنهم لا يحبون الناصحين.

ولقد كتبت سابقا مقالات عديدة حول موضوع الحل والخروج من الأزمة على موقع "عربي21" لمن يبحث عنها، وكذلك لي دراسة موسعة عن وضع الجماعة ومستقبلها كتبتها منذ عدة سنوات تحت عنوان "الإخوان المسلمون في مصر تحديات الواقع وخيارات المواجهة"، من إصدارات المعهد المصري للدراسات في نيسان/ أبريل 2020، قد تكون تحتاج لمراجعة أو إنضاجا بعد مرور أربع سنوات عليها، لكنها لا تزال في تقديري تصلح لوضع إطار عام للحركة وإنقاذ للموقف يمكن النقاش حوله.

الحفاظ على التشغيل لا الإنجاز

في النهاية إن هذه المبادرة هي عرض لمرض أسمه ضياع البوصلة وافتقاد الدور وغلبة منطق "التشغيل" على الفاعلية والإنتاج والوصول للأهداف، كأننا في سفينة تتجه نحو شلال مميت في ظلمة الليل البهيم، والقائد نظره ضعيف ولا يعرف كيف يستخدم المقود أو البوصلة ولا يريد أن يغير المسار، ويردد في داخله إن شاء الله سننجو ببركة دعاء الصالحين وهو على نفس المسار المهلك الذي لا يريد تغييره!!

ولكن من يراهم من بعيد دون أن يرى الشلال المميت في ظلمة الليل سيرى خلية نحل تعمل بهمة عالية، فالمهندسون يقومون بعمل رائع في صيانة الماكينات وإصلاح الأعطال، والمطبخ يعد طعاما ممتازا وطاقم الضيافة يُكرم الرّكاب، والمسجد على السفينة فيه القائمون الراكعون الساجدون، وهذا يعقد ندوة نقاشية جميلة، وذاك يداعب أولاده، ويا للروعة هناك قسم للأشبال لتعليم القرآن، وطبيب ماهر يعالج الغثيان!

ومن يرى من بعيد يقول لنفسه: يا للروعة ليتني أكون معهم فأفوز فوزا عظيما، وهناك في الأعلى يجلس الربان تائها، فهو ليست لديه الخبرة في قيادة السفن ومن حوله يتنازعون على المسار والطريق، والجميع في الأسفل مستمع بمنطق "التشغيل" لا الوصول للهدف الذي صُممت من أجله السفينة وقُدمت التضحيات الجسام في بناء كل لبنة فيها.

فهل سيستمر من في الأسفل مستمتعين بالرحلة وقضاء الوقت في "التشغيل" حتى تأتي الكارثة، أم سيأخذون زمام المبادرة ويطمئنون على سلامة الربان والطريق؟ وهل سيفيق طاقم السفينة من سباتهم العميق ويتقدمون لإصلاح البوصلة وتصحيح المسار، أم سيكتفي الجميع بلعن الظلام ومن يشكك في سلامة الطريق؟!

x.com/Mamdouh_Almonir