تداعيات العدوان الإسرائيلي على
غزة، والخسائر الفادحة التي تكبدها
جيش
الاحتلال في المعدات والأرواح، وانعكاس ذلك على تماسك الجبهة الداخلية، أعادت
للواجهة من جديد الحديث عن الهواجس الإسرائيلية من تفكك الدولة وانهيارها، والتي
عبر عنها مسؤولون وأكاديميون وكتاب إسرائيليون في مناسبات وأوقات مختلفة.
وكان لافتا في هذا السياق تحذير صحيفة هآرتس الإسرائيلية في افتتاحية
عددها الصادر في 7 حزيران/يونيو الماضي، تعليقا على أحداث "مسيرة
الأعلام" التي نظمها متطرفون إسرائيليون قبل ذلك بأيام من أن "العد
التنازلي لانهيار إسرائيل بدأ".
وقالت الصحيفة في افتتاحياتها: "إذا لم يتحرك المركز الإسرائيلي
لإعادة المتطرفين إلى هامش المجتمع، والقضاء على الكاهانية وإزالة آفة الاحتلال
الخبيثة من جسد الدولة، فستكون مسألة وقت فقط قبل انهيار إسرائيل النهائي.. لقد
بدأ العد التنازلي".
واستشهدت الصحيفة بتحذير الفيلسوف يسعياهو ليبوفيتش من أن
"الفخر الوطني والنشوة التي أعقبت
حرب الأيام الستة (حرب يونيو 1967) مؤقتة،
وستقودنا من القومية الفخورة الصاعدة إلى القومية المتطرفة، والمسيانية المتطرفة،
ثم ستكون المرحلة الثالثة هي الوحشية والمرحلة الأخيرة ستكون نهاية
الصهيونية" على حد قوله.
تلك التحذيرات ومثيلاتها التي يطلقها مسؤولون وأكاديميون إسرائيليون
ووسائل إعلام إسرائيلية على خلفية أحداث ووقائع مختلفة ما خلفياتها وسياقاتها؟ وما
دلالاتها؟ وكيف يمكن قراءتها؟ وهل تأتي بدوافع انتخابية وصراعات حزبية داخلية أم
تمثل تهديدات وجودية تشكل خطرا حقيقيا على إسرائيل؟
في هذا الإطار رأى الكاتب والأكاديمي
الفلسطيني، الدكتور أحمد جميل
عزم أن "فكرة انهيار إسرائيل لا زالت تبدو جزءا من التفكير الرغائبي، فقد
يكون المشروع الصهيوني يمر بسلسلة أزمات، لكن إسرائيل موحدة ضد الفلسطينيين، ولا
يوجد رفض للحرب، وتحظى بدعم أمريكي هائل عسكريا وماليا".
وأضاف: "أية خلافات سياسية، لا يبدو أنها وصلت حد التأثير على
العلاقة مع إسرائيل، فحتى خلافات التسليح تعلق بأنواع محددة من السلاح..
والصهيونية العالمية لا زالت توفر المال والدعم السياسي لإسرائيل".
وواصل عزم حديثه لـ
"عربي21" لافتا إلى أن "مواجهات ما
بعد 7 أكتوبر هي الأخطر التي تواجهها إسرائيل في تاريخها، خصوصا تداعيات ذلك على
الإسرائيليين من حيث الاستنزاف، ولعل الانقسام الداخلي الإسرائيلي بين الحريديم
والعلمانيين، وبين الصهيونية المتدينة وباقي المكونات وصلت مدى جديدا في الحدة،
وقد تغير شكل وهوية المشروع الإسرائيلي من يهودية اشتراكية، ويهودية ليبرالية إلى
صهيونية دينية تمارس الاضطهاد العنصري دون خجل".
د. أحمد جميل عزم.. كاتب وأكاديمي فلسطيني
وأوضح أن "فكرة انهيار إسرائيل من الداخل فكرة قديمة موجودة منذ
السبعينيات على الأقل، وهي جزء مما نعزي به أنفسنا. لكن وبمعايير القوة التقليدية
فإسرائيل لغاية الآن لا تواجه خطرا وجوديا، والفلسطينيون ليسوا موحدين ولا هم
أقوياء كفاية، ولا يلقون دعما عربيا أو دوليا، والأولى بدل نقاش مثل هذه الأفكار
المتعلقة بانهيار إسرائيل أن نناقش كيف نوقف الانهيار العربي، وكيف نصلح البيت
الفلسطيني الداخلي".
من جهته وصف الباحث والمؤرخ الفلسطيني، عبد العزيز أمين عرار ما ورد
في افتتاحية صحيفة هآرتس بشأن تحذيرها من انهيار إسرائيل بـ"الحقيقة التي
تظهر علاماتها على أكثر من صعيد في ظل الضربة الاستباقية التي وجهتها حركة حماس في
ظل غفوة للاحتلال، وما أظهرته الأحداث من قوة فصائل المقاومة وقدرتها على الصمود
والثبات وهي تحارب أمريكا والكيان والدول السبع الأوروبية ومن يعاضدها من أنظمة
العرب".
وأضاف: "إن جميع ذلك من المؤشرات التي تدل على ضعف الكيان
الصهيوني، وتبرز خللها البادي للعيان، والحق يقال إن ما تنشره أقلام صهيونية في
هآرتس هو جزء من استقلالية هذه الصحيفة، ويعد تعبيرا عن صراحة كتاب يهود سواء
اختلفوا حزبيا، أو كانت أقلام أكاديمية وجامعية، حيث باتت ثقة الجميع مهزوزة بعد
فشل جيش الاحتلال في زحزحة المقاومة في غزة وإعلان نصرها الذي تطمح إليه".
عبد العزيز عرار.. باحث ومؤرخ فلسطيني
وعن مدى انتشار تلك التخوفات في الأوساط الإسرائيلية ومعرفة دوافعها
إن كانت بالفعل تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل أم أنها تأتي في سياق صراعات داخلية،
وتنافسات حزبية لفت عرار إلى أنها تعبر عن "العديد من الأكاديميين، وحتى في
أوساط الناس العاديين الذين يختلط بهم العمال في مزارعهم ومصانعهم وورشهم، إذ إنهم
يتلقون لأول مرة في تاريخ الصراع ضربة بهذا المستوى".
وأردف: "وإذا ما نظرنا إلى صراعاتهم السياسية، وتتبعنا ما يجري
من مناكفات ومماحكات سياسية بينهم، ومعارضتهم لرئيس الوزراء نتنياهو نجد أنهم
ليسوا على قناعة بإمكانية تحقيق أهدافه التي وضعها للقضاء على حماس، مع وجود
جماعات دينية مؤمنة بأن تاريخ دولتهم لن يطول، وهذا موقفهم قبل الحرب، ومنهم جماعة
ناطوري كارتا".
بدوره لفت الباحث في الصراع الإسرائيلي العربي، عادل شديد إلى أن
"عقدة العقد الثامن لا زالت تسيطر على العقل والوعي الجمعي الإسرائيلي، ولم
تغب عن الكثيرين منهم طيلة السنوات والعقود الماضية، حتى في ذروة قوة إسرائيل في
المنطقة".
وأضاف: "أما اعتبار هذا القلق والخوف من انهيار إسرائيل كجزء من
النقاش الحزبي الداخلي على خلفية انتخابية فلا أرى ذلك، لأن هذا الحديث يقلق
الإسرائيليين ويخيفهم، لذا فمن يتبنى هذا الخطاب لن يستفيد من ذلك، لكن في تقديري
أن ما أعاد طرح الموضوع مجددا هو الخلافات العميقة التي عصفت بإسرائيل بعد تشكيل
الحكومة الحالية، قبل سنة ونصف تقريبا".
وتابع شديد حديثه لـ
"عربي21" بالقول: "ومن المعروف أن
تلك الحكومة ضمت غلاة اليمين الديني، وغلاة اليمين الديني القومي، وهم أصحاب فكرة
أرض إسرائيل الكبرى الواحدة والموحدة، وأصحاب الفكر الديني الشريعاتي (المسيحاني)
الذين يرون في المظاهر العلمانية والليبرالية أحد عوامل تفكيك إسرائيل".
عادل شديد.. باحث في الصراع الإسرائيلي العربي
وأردف: "ثم إن هذه الجماعات ذاهبة نحو المواجهة باتجاهين،
مواجهة باتجاه الداخل الإسرائيلي، وأخذها باتجاه ديني شريعاتي، وإلغاء المنظومة
القيمية القانونية والليبرالية والديمقراطية، وفرض الشريعة اليهودية على جميع
مناحي الحياة، ثم إن التيار القومي ذاهب باتجاه مواجهة مفتوحة مع الفلسطينيين
والعرب، وهدم الأقصى".
وقال شديد: "ومن الملاحظ في الآونة الأخيرة إبان الحرب على غزة،
والجبهات المفتوحة في الضفة ولبنان والعراق واليمن أن هذه المواجهات في فلسطين
وخارجها لم تفضِ إلى تهدئة وإطفاء نار الخلافات الداخلية في إسرائيل، بل استمرت
تلك الخلافات وتصاعدت، وهو ما اعتبر من قبل مجموعة من النخب الفكرية والأكاديمية
في إسرائيل أنها ذاهبة باتجاه التفكك، وأن الحروب الداخلية الأهلية مسألة وقت في
حال توقف الحروب الخارجية".
وخلص في ختام حديثه إلى التأكيد على أن "عقدة العقد الثامن
قائمة، وأن الانقسامات والشروخات في إسرائيل موجودة، والتي حولت إسرائيل من مجتمع
يفترض أن يكون متماسكا في هذا البحر الكبير من الأعداء وفق الخطاب الإسرائيلي إلى
قبائل متناحرة ومتناقضة، وغير متفقة، وتصاعد المواجهة الخارجية التي باتت وبشكل
واضح تدلل على أن إسرائيل غير قادرة على حسمها في ظل انهيار اقتصادي، وغياب الأمن
الفردي والوجودي، والذي يضرب بالأساس بالوجود الحقيقي لإسرائيل في المنطقة".