في احتجاجات غير مسبوقة، تُظهر التقارير
والتغطيات الصحفية حجم تفاعل المجتمعات الغربية، لا سيما في أوساط الجامعات
الأمريكية والأوروبية مع جرائم
الحرب، والمجازر الدموية التي ارتكبها جيش الاحتلال
الإسرائيلي طوال الشهور السبعة الماضية منذ اندلاع الحرب على
غزة بعد عملية طوفان
الأقصى في السابع من أكتوبر العام الماضي.
وتُبرز تقارير ومقاطع مصورة مدى اهتمام
بعض الغربيين بالتعرف على خلفيات وأسباب ثبات وصمود الغزيين في مواجهتهم للممارسات
الوحشية والدموية والتدميرية التي يواقعها جيش الاحتلال الإسرائيلي يوميا، والتي
أودت بحياة عشرات الألوف، وأوقعت عشرات آلاف الجرحى، وآلاف المفقودين، إضافة إلى
حجم التدمير الهائل الذي طال كافة محافظات ومدن وقرى قطاع غزة.
من المثير للانتباه في اهتمامات الغربيين
اكتشافهم مدى حضور العامل الديني كسبب هام وجوهري في صمود أهل غزة، ورفع
معنوياتهم، وحملهم على الصبر في مواجهة المصائب التي تصب فوق رؤوسهم كل ساعة،
والتجلد على تجرع مرارة فقد الأهل والأحباب والأصدقاء، وتحمل تبعات وخسارة تدمير
الممتلكات والمساكن، وضياع أعمالهم ومصالحهم وأعمالهم التجارية.
لكن ماذا عن
تداعيات ذلك العدوان على صورة
الإسلام النمطية "السلبية" السائدة في الغرب، والتي تكونت بفعل الرؤى
والسرديات الاستشراقية عن الإسلام؟ وهل ثمة تغيرات في تلك الصورة النمطية؟ وهل
كانت سببا في فتح عيون الغربيين لدراسة الإسلام دراسة موضوعية والاطلاع عليه من
مصادره الأصلية بعيدا عن الرؤى المضللة والمغرضة؟
كان لافتا في هذا الإطار ما نشره الإعلامي
المصري، أحمد منصور على موقعه، نقلا عن الباحث الإسرائيلي، إليعادر بن دافيد، في
تقرير نشره في صحيفة يسرائيل هيوم يوم الثلاثاء 20 مايو 2024، أوضح فيه أن معدل
اعتناق الإسلام يزداد في أمريكا منذ طوفان الأقصى بمعدلات غير مسبوقة.
وأضاف: "خلافا للعمليات العسكرية
السابقة في غزة والتي أدّت إلى زيادة الخطاب المناهض لإسرائيل بين المسلمين في
أمريكا، فإن السابع من تشرين الأول/أكتوبر يشكل نقطة تحول قد تعزز مكانة الإسلام
في الولايات المتحدة، وذلك لعدة أسباب رئيسية..".
وتابع: "لقد نجحت الحرب في غزة في تعزيز
العناصر التي ترسخ صورة الإسلام ومكانته في الولايات المتحدة، القوة الغربية
الأكثر نفوذا في العالم.. كما يجسد المسلمون الأمريكيون إمكانات عالمية مؤثرة
للغاية، على عكس المسلمين الآخرين في جميع أنحاء العالم".
من جانبه قال الأكاديمي
الفلسطيني، رئيس
مجلس إدارة قناة الحوار، الدكتور عزام التميمي: "لا توجد إحصائيات يمكن
الاعتماد عليها لمعرفة أعداد الداخلين في الإسلام بعد السابع من أكتوبر، ولكن ثمة
مؤشرات كثيرة، أغلبها مما نسمعه من الناس، أو نقرأ عنه أو نشاهده في وسائل التواصل
الاجتماعي".
وأضاف: "ومما لا شك فيه أن هذه الأيام،
بفضل صمود أهل غزة ومقاومتهم، شبيهة بأوائل أيام الثورات العربية قبل 13 عاما، حين
أصبحت سمعة العربي في الغرب حسنة لأول مرة، والآن المسلمون والإسلام يحوزان على
اهتمام وإعجاب أعداد متزايدة من الناس بسبب النموذج الذي خرج إلى العالم من قطاع
غزة".
وتابع حديثه لـ
"عربي21" بالقول: "والمثير للاهتمام في الموضوع أن السقف ارتفع والهامش توسع، وتجرأ الناس على
ما لم يكونوا يجرؤون عليه من قبل، مثل انتقاد الصهيونية، والمطالبة بمعاقبة
إسرائيل..".
د. عزام التميمي رئيس مجلس إدارة قناة
الحوار
وفي ذات السياق رأى الداعية الفلسطيني،
المقيم في السويد، فكري المسكاوي أن "أحداث غزة كشفت عن ثلاث مسائل خطيرة
أولها: أن الإسلاموفوبيا ليست ظاهرة شعبية في الغرب، ولكنها مجرد دعاية تقف خلفها
قوى متنفذة في الغرب تعمل على نشر الخوف من الإسلام لدى الشعوب الغربية، لا لأن
الإسلام يهدد هذه الشعوب والأفراد، بل لكون الإسلام سيؤثر حتما على مصالح هذه
القوى من الناحية الاقتصادية".
أما المسألة الثانية، حسب المسكاوي فهي "أن بروباجندا الإسلاموفوبيا سببها الخوف من الصحوة الشعبية على
حقيقة أن الشعوب الغربية مرتهنة لأجندات أجنبية تتحكم في سياسات واقتصاد البلاد
الغربية، وأن كل سياسي يخرج عن هذه الأجندات إما يتم إسقاطه أو حجبه".
وواصل حديثه لـ
"عربي21" موضحا أن
"المسألة الثالثة التي كشفتها أحداث غزة تتمثل في تهافت المصطلحات البراقة
التي تنادي بها الدعاية الغربية كحرية الرأي والديمقراطية وحقوق الإنسان، فحينما
تململت الشعوب الغربية بعد أن رأت بأم أعينها انهيار تلك القيم، وتجاهل الإعلام
لها، انكشفت حقيقة تلك المصطلحات والدعاوى، والمسألة لا تتعلق بالإسلام وحده، بل
بكل من يستيقظ من غفوته، ويقف ضد إرادة وسياسات القوى المتنفذة".
وعن مدى تأثير أحداث غزة على الصورة النمطية
للإسلام في الغرب، لفت الداعية المسكاوي إلى أن "الصورة النمطية تغيرت لكن
ليس على المستوى الكلي، والناس في الغرب منقسمون إلى ثلاثة أقسام: الأول: بيادق
يحركها الإعلام، وتبني آراءها على ما يتم حشوها به من السياسات الإعلامية والمواقف
الرسمية للدول.. والقسم الثاني لا علاقة له بكل ما يجري ولا اهتمام لهم إلا
بالمحافظة على حياتهم المعيشية من أن تتأثر بأي منغصات تؤثر على أشخاصهم".
فكري المسكاوي داعية وإمام فلسطيني في
السويد
وأردف: "القسم الثالث هو القسم الواعي،
والذي دفعه الفضول للبحث أكثر وأكثر، ليتشكل وعيه العام حسب ما توصل بحثه إليه،
وهم في الغالب من الشباب، وإن كان منهم من كبار السن إلا أنهم كانوا يؤثرون الصمت،
لعدم وجود غطاء شعبي لهم كما هو الحال الآن، فظل الخوف من مواجهة القوى المتنفذة
ظاهرا فيهم، وبدأوا الآن يتحللون منه".
وتابع: "كل هذا جعل العديد من الغربيين
رجالا ونساء في كثير من المجتمعات الغربية يهتمون بمعرفة الإسلام وأثره على النفس
البشرية، فمنهم من آمن، ومنهم من وقف قريبا من الإسلام ينتظر فرصته للدخول فيه..
ومن الملاحظ أن لأحداث غزة الفضل في دخول الكثيرين في الإسلام".
بدوره لفت الداعية الأردني، إمام مسجد
السلام في مدينة فورث سميث بولاية أركنسا، الدكتور أحمد الحنيطي إلى أن "ثبات
أهل غزة وصمودهم في مواجهة الوحشية الصهيونية، وتجملهم بالصبر والاحتساب كان سببا
في دفع الكثيرين من الأمريكيين والغربيين لدراسة أسباب ذلك، وهو ما فتح لهم بابا
لدراسة الإسلام، وتغيير الصورة النمطية عنه".
د. أحمد الحنيطي إمام مسجد السلام في مدينة
فورث سميث بولاية أركنسا
وأضاف في حديثه لـ
"عربي21": "كما أظهرت الاحتجاجات الشعبية في الغرب، لا سيما في أوساط طلاب الجامعات
الأمريكية والغربية، مدى السخط الشعبي على تهاوي قيم الديمقراطية والحريات وحقوق
الإنسان، وهو ما تجلى من خلال المواقف الرسمية التي تجاهلت المجازر الدموية
والإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني بحق أهل غزة، الذي كان سببا
في تعرية تلك المنظومة الثقافية، وبيان تهافتها".
وختم حديثه بالإشارة إلى أن "أحداث غزة
بمأساويتها ودمويتها دفعت الكثير من الأمريكيين إلى الرجوع إلى مصادر الإسلام
الأصلية، كالقرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية" ذاكرا أنه لاحظ "تزايد
أعداد الداخلين في الإسلام من الأمريكان بعد أحداث الحرب على غزة، لا سيما في
رمضان الماضي، ويمكن متابعة ذلك من خلال الحالات الكثيرة الموثقة في المراكز
الإسلامية المنتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية".