عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في
بريطانيا مساء أمس الإثنين 10 يونيو/ حزيران 2024
ندوة بعنوان "على المجتمع الدولي
اتخاذ موقف حاسم من الهجمات التي تعرقل عمل الجنائية الدولية” حول الحملة الشرسة
التي تشنها إدارة بايدن وحلفائها ضد المحكمة الجنائية الدولية على خلفية طلب
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس
الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت بسبب جرائم الحرب
والإبادة الجماعية التي يتم ارتكابها في
غزة.
حضر الندوة نخبة من الأكاديميين والحقوقيين
والخبراء القانونيين، وهم: د. دان كوفاليك ـ المحامي الأمريكي والمدافع عن حقوق الإنسان
وحقوق العمال، و د. نوا شاينديلنغر ـ أستاذة تاريخ الشرق الأوسط بجامعة ولاية
ورشيستر، و هارون رضا- المحامي الهولندي وعضو حركة 30 مارس، و إيبو ماندازا ـ الأكاديمي الزيمبابوي والمؤلف وعضو المجلس الاستشاري في معهد FPRI في فيلاديلفيا، و نعومي باراسا ـ الناشطة الكينية
في مجال العدالة الاجتماعية.
في كلمته، أكد المحامي الهولندي هارون رضا
أن إسرائيل دأبت على استخدام استراتيجيات التخويف والتخريب والابتزاز ضد الحركات
والإجراءات القانونية المناهضة لها. وشدد على أن مثل هذه التكتيكات، للأسف، سائدة
في هولندا، حيث تُقابل أي جهود ضد إسرائيل بهجمات مضادة، سواء عبر الإجراءات
القانونية والتغطيات الإعلامية المتحيزة، خاصة من الصحيفة الوطنية الرئيسية، De Telegraaf، التي وصفها بأنها صهيونية للغاية.
وأشار رضا إلى الطبيعة المتطرفة لأساليب
الترهيب هذه، منتقدًا موقف السلطات الهولندية السلبي خاصة في ما يتعلق بحماية مكتب
المدعي العام للمحكمة. وشدد على أهمية السماح للمدعين العامين والمحامين بأداء
واجباتهم دون خوف، مشدداً على ضرورة مناقشة هذه القضية علناً بدلاً من تجاهلها.
ووصف هولندا بأنها صهيونية للغاية، بناءً
على خبرته في العمل على القضايا ذات الصلة منذ عام 2008، وأشار إلى الموقف الرافض
لهيئة الادعاء الوطنية الهولندية تجاه جرائم الحرب الواضحة والجرائم ضد الإنسانية،
والتي استمرت لسنوات.
وأفاد رضا بأن فريقه قدم حوالي 27 شكوى ضد
جنود في الجيش الإسرائيلي من حملة الجنسيات المزدوجة، بعضهم هولنديون، وكذلك ضد
وزراء مختلفين، وضد مستوطنين يعيشون في الأراضي المحتلة. وعلى الرغم من بعض
الإقالات من قبل مكتب المدعي العام الهولندي، إلا أنهم لم يباشروا أي تحقيقات.
ونتيجة لذلك، فقد رفع فريق رضا دعوى قضائية بموجب المادة 12 على مستوى المحكمة العليا،
متحديًا قرارات مكتب المدعي العام وغياب التحقيقات.
وأشار رضا إلى أن أحد المستوطنين، الذي قدمت
الحركة شكوى ضده، تقدم بشكوى مضادة ضده شخصيًا أمام لجنة أخلاقيات نقابة المحامين،
والتي سيتم النظر فيها في 24 يونيو/ حزيران، وذكر أن المستوطن تلقى دعما من منظمات
ومحامين صهيونيين بارزين. بالإضافة إلى ذلك، يقوم مكتب رضا بإعداد شكوى ضد
المواطنين الأكوادوريين الذين يقاتلون مع الجيش الإسرائيلي في المحكمة الجنائية
الدولية.
وناقش رضا أيضًا شكوى شاملة مكونة من 164
صفحة تم تقديمها إلى المحكمة الجنائية الدولية، بالتعاون مع محامين آخرين، والتي
تضمنت أقسامًا فرعية للمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، إلى جانب الأدلة
المرئية والصوتية. هذه الشكوى متاحة على الإنترنت للتوقيع العام المشترك، وقد وقع
عليها ما يقرب من 4000 إلى 5000 شخص حتى الآن.
في كلمتها، سلطت الدكتورة نوا شيندلينجر،
الأستاذ المساعد في تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ولاية وورسستر، الضوء على محنة
السجناء
الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وعلى الظروف القاسية في
مخيم "سدي تيمان"، حيث يتم احتجاز العديد من الفلسطينيين من غزة، لافتة إلى أن ما لا يقل عن
36 أسيرًا فلسطينيًا لقوا حتفهم في هذا المخيم، بالإضافة إلى 12 آخرين قُتلوا في
مراكز احتجاز أخرى، مشيرة إلى أن هذه الوفيات وقعت أثناء الاستجواب، أو أثناء النقل
جراء التعذيب الوحشي وسوء المعاملة.
معاملة هؤلاء السجناء السياسيين الفلسطينيين البالغ عددهم حوالي 9000 أسير تشكل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، مشددة على ضرورة معالجة هذه القضايا من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وأن يتم الاهتمام بهذه القضايا جنبًا إلى جنب الجرائم المروعة الأخرى التي تتم ضد الفلسطينيين في جميع أنحاء فلسطين.
وقدمت الدكتور شيندلينغر تفاصيل عن الظروف
المروعة التي يعاني منها السجناء الفلسطينيون، بما في ذلك التعذيب الجسدي،
والتعذيب النفسي، والاعتداء الجنسي، لافتة إلى أن هؤلاء الأسرى اعتقلوا قبل أحداث
السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، ويقبعون في السجون الإسرائيلية منذ سنوات عديدة،
وبعضهم منذ أكثر من عقدين من الزمن.
وأكدت أن الظروف القاسية المفروضة على أسرى
ما بعد 7 أكتوبر، بحجة أنهم من مقاتلي حماس، تنطبق أيضًا على جميع الأسرى
السياسيين الفلسطينيين. ووفقا لمحامين يمثلون هؤلاء الأسرى، فإنه لا يسمح للسجناء سوى
بأكل 830 سعرة حرارية يوميا، والتي تشمل الحد الأدنى من الطعام مثل الخيار
والبطاطس.
وأضافت أنه تتم مصادرة الممتلكات الشخصية،
ويتم حشر السجناء في زنزانات صغيرة، غالبًا بدون أسرة أو ملابس مناسبة، كما أنه لا
يسمح لهم بغسل ملابسهم.
ولفتت الانتباه إلى أن هؤلاء الأسرى يُحرمون
من المراوح أو أي وسيلة للتهوية، ويحتجزون داخل زنازين مكتظة وشديدة الحرارة،
وبدون ماء بارد، كما أنهم لا يحصلون على الكهرباء إلا بشكل محدود، فضلًا عن تعليق
الزيارات العائلية منذ ثمانية أشهر.
وسلطت د. شيندلينغر الضوء على المعاناة
العالمية التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون، بغض النظر عن ظروف أسرهم أو الاتهامات
الموجهة إليهم. واستشهدت بقضية باسم التميمي، القيادي الشعبي من قرية النبي صالح،
الذي أطلق سراحه بعد ثمانية أشهر من الاعتقال الإداري دون توجيه اتهامات إليه،
ويعاني حاليًا من سوء التغذية الحاد، مشيرة أن حالته الصحية المتدهورة تؤكد سوء
المعاملة الشديدة التي يتعرض لها السجناء السياسيون الفلسطينيون.
واختتمت كلمتها بالتأكيد على أن معاملة
هؤلاء السجناء السياسيين الفلسطينيين البالغ عددهم حوالي 9000 أسير تشكل جريمة حرب
وجريمة ضد الإنسانية، مشددة على ضرورة معالجة هذه القضايا من قبل المحكمة الجنائية
الدولية، وأن يتم الاهتمام بهذه القضايا جنبًا إلى جنب الجرائم المروعة الأخرى
التي تتم ضد الفلسطينيين في جميع أنحاء فلسطين.
في بداية كلمته، أعرب البروفيسور دان
كوفاليك، الأستاذ الأمريكي ومحامي حقوق الإنسان، عن تفاؤله بشأن التطورات الأخيرة
في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، مشيرًا إلى الخطوة المهمة التي
اتخذتها المحكمة الجنائية الدولية بطلب إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت. ولفت إلى أهمية هذه
الإجراءات، مما يمثل خروجًا عن التركيز التاريخي للمحكمة الجنائية الدولية على
محاكمة الأفارقة، على الرغم من الضغوط الكبيرة على المحكمة الجنائية الدولية
للامتناع عن استهداف القادة الغربيين.
وشدد كوفاليك على أن سيادة القانون الحقيقية
يجب أن تنطبق بالتساوي على الضعفاء والأقوياء، منتقدًا لتطبيق القانون الدولي على
مدار العقود الماضية، الذي قال إنه استبعد الزعماء الغربيين الأقوياء من أي
محاكمة. وشدد على أهمية التدابير المؤقتة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية ضد
إسرائيل، على الرغم من عدم امتثال إسرائيل واستمرار الفظائع.
وسلط الضوء على دور الولايات المتحدة في دعم
الجرائم الإسرائيلية، بما في ذلك توفير المعلومات الاستخبارية والذخائر، والتي
ساهمت في سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين في غزة.
وتناول كوفاليك الظروف القاسية التي
يواجهها السجناء الفلسطينيون، متحدثًا عن التقارير التي صدرت مؤخرًا عن التعذيب
وسوء المعاملة التي يتعرض لها الأسرى داخل مقار الاحتجاز الإسرائيلية.
ودعا المجتمع الدولي إلى التحرك من خلال
المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، ومجلس الأمن التابع للأمم
المتحدة، لافتًا إلى ضرورة التصدي للتحديات التي قد تواجه هذه الإجراءات في حال
استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد أي إجراء في مجلس الأمن.
وفي كلمته، تناول البروفيسور دان كوفاليك
مفهوم "التكاملية في سياق القانون الدولي، وأوضح أن هذا المبدأ يسمح للسلطات
القضائية الدولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية، بالتدخل عندما تكون السلطة
القضائية المحلية إما غير قادرة أو غير راغبة في التحقيق بشكل صحيح ومقاضاة مرتكبي
المخالفات.
وأكد كوفاليك أنه في حالة إسرائيل، من
الواضح أن النظام القانوني المحلي لن يحقق العدالة بشكل كافٍ في ما يتعلق بالفظائع
المرتكبة، ما يبرر التدخل الدولي. وتضمن هذه الآلية عدم إفلات مرتكبي الجرائم
الخطيرة من المساءلة بسبب فشل أنظمتهم القانونية الوطنية.
وشدد كوفاليك على الحاجة الملحة لتجاوز
الولاية القضائية المحلية في مواجهة الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، كما شدد
على ضرورة تحرك المجتمع الدولي، وخاصة من خلال المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة
العدل الدولية، بسرعة نظرا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وعدم اتخاذ إجراءات
فعالة من جانب السلطات الإسرائيلية.
وأشار إلى أنه على الرغم من أنه تم طلب
إصدار أوامر اعتقال بحق قادة إسرائيليين، إلا أنها لم تصدر بعد، وحتى لو صدرت،
فسوف يستغرق الأمر وقتًا طويلاً وجهودًا إنفاذية لرؤية نتائج ملموسة. وهذا يؤكد
الأهمية الحاسمة لاستخدام مبدأ التكامل لضمان العدالة ووقف الفظائع المرتكبة.
واختتم كوفاليك كلمته بالدعوة إلى إصدار
قرار "الاتحاد من أجل السلام" من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة
لتجاوز مجلس الأمن والسماح بالتدخل العسكري لوقف الإبادة الجماعية المستمرة، وشدد
على ضرورة استخدام القوة لوقف تصرفات إسرائيل، ورسم أوجه تشابه تاريخية مع الحاجة
إلى التدخل العسكري في الحرب العالمية الثانية.
في مداخلته، بدأ إيبو ماندازا، الأكاديمي
والكاتب الزيمبابوي، كلمته بضرورة دعم أي تحرك للأمم المتحدة ضد إسرائيل. وشدد
ماندازا على ضرورة تجاوز الشكليات والمطالبة بخطوات ملموسة من الأمم المتحدة لوقف
العدوان الإسرائيلي والإبادة الجماعية.
ولفت ماندازا إلى أن المحكمة الجنائية
الدولية ومحكمة العدل الدولية مقيدتان بتأثير الولايات المتحدة وحلفائها، ما يعيق
التقدم في أي تحقيق ضد إسرائيل.
وسلط ماندازا الضوء على الغطرسة التي
أظهرتها إسرائيل وشدد على أهمية الأطر القانونية الدولية لمعالجة هذه القضايا بشكل
فعال.
في ذات السياق، أثار ماندازا مشاركة أمريكا
الجنوبية، وخاصة الإكوادوريين، في هذه الحرب، وأشار إلى المشاركة المفاجئة لأفراد
يحملون الجنسيتين الإكوادورية والإسرائيلية في الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في
غزة.
في حالة إسرائيل، من الواضح أن النظام القانوني المحلي لن يحقق العدالة بشكل كافٍ فيما يتعلق بالفظائع المرتكبة، مما يبرر التدخل الدولي. وتضمن هذه الآلية عدم إفلات مرتكبي الجرائم الخطيرة من المساءلة بسبب فشل أنظمتهم القانونية الوطنية.
ودعا ماندازا إلى الكشف بشكل أكبر عن هذه
المشاركة، واقترح نشرها على نطاق واسع، خاصة على منصات مثل تويتر، لزيادة الضغط
على أولئك الذين يدعمون هذه الإجراءات.
وسلط ماندازا الضوء على الفجوة الكبيرة بين
المواقف الرسمية للحكومات الغربية بشأن القضية الفلسطينية ومشاعر شعوبها. وأشار
إلى الاحتجاجات والمظاهرات واسعة النطاق في جميع أنحاء الولايات المتحدة والمملكة
المتحدة وهولندا وإسبانيا ودول أخرى، مما يشير إلى معارضة شعبية قوية لسياسات
حكوماتهم. وشدد ماندازا على أهمية الاعتراف بهذه الحركات المحلية وتوسيع نطاقها،
بما في ذلك اعتراف دول مثل أيرلندا وإسبانيا بفلسطين.
وفي ختام كلمته، دعا ماندازا إلى حركة
عالمية منسقة تضم المثقفين وطلاب الجامعات والمهنيين لتحدي العدوان الإسرائيلي
ودعم الحقوق الفلسطينية، وكشف المعايير المزدوجة للديمقراطيات الغربية والدعوة إلى
مبادئ الديمقراطية الحقيقية.
في مداخلتها، انتقدت نعومي باراسا، الناشطة
الكينية في مجال العدالة الاجتماعية، منح الاتحاد الأفريقي لإسرائيل صفة مراقب في
البداية، لافتة أن هذه الخطوة كانت بمثابة خيانة للمبادئ التي تأسست بموجبها منظمة
الوحدة الأفريقية، حيث تأسست على مبادئ التضامن مع الشعوب المضطهدة ومناهضة
الاستعمار.
وقالت باراسا إن إسرائيل، باعتبارها دولة
مضطهدة ومستعمرة، لا ينبغي أن تحظى بمثل هذا الوضع داخل منظمة مبنية على معارضة
تلك التصرفات ذاتها. ودعت إلى إلغاء وضع إسرائيل كمراقب، وحثت الدول الأعضاء في
الاتحاد الأفريقي على الدعوة بقوة في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية
الدولية من أجل المساءلة، وخاصة استهداف إسرائيل والولايات المتحدة والدول الأخرى
التي تزود غزة بالأسلحة.
وسلطت باراسا الضوء على الاستخدام التاريخي
للمحكمة الجنائية الدولية لتوجيه الاتهام إلى الزعماء الأفارقة، وأشارت إلى أهمية
الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها المحكمة الجنائية الدولية ضد الزعماء الغربيين.
وشددت باراسا على أنه يجب على الاتحاد
الأفريقي استغلال هذه اللحظة للضغط من أجل المساءلة، مما يعكس الدعم الواسع النطاق
لفلسطين بين السكان الأفارقة، على الرغم من اختلاف مواقف حكوماتهم.
في ذات السياق انتقدت باراسا استخدام الجنود
الأميركيين في الآونة الأخيرة في هجمات ضد المدنيين في غزة تحت ستار الدعم
الإنساني، واصفة هذه العمليات بالمذابح والمجازر ضد المدنيين.