أعلن وزير
الخارجية البرازيلي ماورو فييرا، في ختام اجتماع وزراء خارجية مجموعة الـ20 في ريو
دي جانيرو في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أن الوزراء أظهروا تأييدا كبيرا لحلّ
الدولتين، بينما قال مفوّض الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل؛ إنه طالب
الوزير البرازيلي بإعلان هذا الأمر باسم المجموعة كلها، وتأكيد جهود إقامة دولة
فلسطينية، باعتبار ذلك بمنزلة الحلّ الجذري والجدّي للأزمة في الحوض العربي الإسلامي
أو منطقة شرق الأوسط، حسب التعبير المتداول في الإعلام الغربي والدولي.
واصل بوريل استثمار
المنتديات الدولية للتركيز على الفكرة نفسها، وفي أثناء مشاركته في المنتدى الاقتصادي
العالمي بالعاصمة السعودية الرياض في نهاية نيسان/ أبريل الماضي، قال؛ إن دولا أوروبية
ستعترف وطنيا بالدولة الفلسطينية قبل نهاية أيار/ مايو، في إشارة إلى نية إسبانيا القيام
بذلك، كما كان رئيس الوزراء بيدرو سانشيز قد أعلن منذ شهور، باعتبار ذلك واجبا أخلاقيا
ومصلحة جيو سياسية لأوروبا أيضا، حسب تعبيره الحرفي.
في الحقيقة، لم
يقتصر الأمر على إسبانيا، وإنما رأينا تفكيرا أوروبيا جماعيا مع خمس دول أخرى على
الأقل، اعترفت أو تتجه للاعتراف بالدولة الفلسطينية (إيرلندا والنرويج وسلوفينيا
ومالطا وبلجيكا)، بينما قالت صحيفة الغارديان في 3 أيار/ مايو؛ إنه حتى أستراليا
تفكر أيضا في فعل الشيء نفسه.
في الحقيقة، لم يقتصر الأمر على إسبانيا، وإنما رأينا تفكيرا أوروبيا جماعيا مع خمس دول أخرى على الأقل، اعترفت أو تتجه للاعتراف بالدولة الفلسطينية (إيرلندا والنرويج وسلوفينيا ومالطا وبلجيكا)، بينما قالت صحيفة الغارديان في 3 أيار/ مايو؛ إنه حتى أستراليا تفكر أيضا في فعل الشيء نفسه.
في السياق، كان بوريل
نفسه -هو بالمناسبة وزير خارجية إسباني سابق- قد صرح منذ فترة، أنه سئم من عملية
السلام بشكلها الراهن؛ التي لم تؤد إلى أي نتيجة، ومستنتجا ضرورة القيام بجهود
دولية مختلفة لفرض الحلّ على الجانبين.
يجري الحديث هنا
عن مسؤولية أخلاقية وتاريخية وسياسية لإسبانيا، التي استضافت مؤتمر مدريد للسلام -1991-
ورغم إطار مدريد والرباعية الدولية بعد ذلك، إلا
أن الوساطة لا تزال أحادية أمريكية مع تهميش لروسيا -راعية مدريد نظريا- والاتحاد
الأوروبي نفسه، وحصره في البعد أو الجانب الاقتصادي فقط، حتى مع كونه أكثر تأثرا
بما جرى ويجري بفلسطين والمنطقة من أمريكا، كما قال عن حق ذات مرة رئيس الوزراء الإسباني.
إذن، في سياق
التنظير والتأسيس لنهج مختلف، يستند على ضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية في بداية
السيرورة لا نهايتها. قال بوريل؛ إن عملية السلام بشكلها التقليدي كما عرفناه خلال
العقود الثلاثة الماضية، قد فشلت ولم يتبق منها شيء، وتحوّلت خاصة في السنوات
الأخيرة إلى شعار أو إطار لغوي وخطابي فقط.
هنا في السياق وفيما
يخص مصطلح عملية السلام، ثمة رواية يجب أن تروى، حيث
كان المصطلح أساسا من اختراع وبنات أفكار وزير الخارجية الأمريكي الراحل هنري كيسنجر
في سبعينيات القرن الماضي، وهدفت العملية للإلهاء والإشغال وإدارة الصراع لا حلّه
بشكل جذري، وفعل ذلك حيثما أمكن حسب التصورات والمصالح الأمريكية والإسرائيلية، خاصة
على الجبهات العربية المصرية والأردنية والسورية.
في البداية، كان
الحديث عن عملية السلام ومع الوقت لعقدين تقريبا لم يكن ثمة حديث عن السلام وإنما
عن العملية فقط، ومع مرور السنين بتنا أمام العملية والإطار والجسد فقط بدون الروح،
أي السلام المستهدف نفسه، العادل والشامل والمستدام حسب الخطاب السائد.
أما في العقد الأخير،
فقد انهارت العملية برمتها جسدا وروحا وشكلا ومضمونا، وبتنا بدون السلام وحتى بدون
العملية نفسها مع انشغال أمريكا الراعي الأحادي والحصري للعملية عن المنطقة وأزماتها،
والاكتفاء بإدارتها وإبقائها تحت السيطرة، وعدم انفجارها لصالح الانكفاء آسيويا
نحو الشرق الأقصى، والقبول والتساوق ولو بالحد الأدنى مع الأفكار
الإسرائيلية لإدارة
الصراع وفق أشكال ومسميات مختلفة.
كان رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد نجح في التماهي شكلا مع العملية، أولا في تسعينيات القرن
الماضي مع الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون ثم مع باراك أوباما -2008-، كما رأينا في
خطاب حل الدولتين بجامعة بار إيلان عام 2009، الذي كان ردّا على خطاب أوباما في جامعة
القاهرة، ثم أُفرغت العملية من مضمونها تماما، مع إعلان فشل آخر المحاولات الأمريكية
2014، وتسليم إدارة أوباما بالفشل وانكفائها عن المنطقة.
في عهد خلفه
الجمهوري دونالد ترامب، كانت فرصة لنتنياهو لقتل العملية تماما، كما عرفناها خلال العقود
الثلاثة الماضية شكلا ومضمونا، بعدما تخلى ترامب عن الأسس والقواعد وقطع مع تراث الإدارات
السابقة، بما في ذلك الحديث عن العملية نفسها واستمرارها وإعطاء الانطباع بأنها
حية، وذلك عبر تبني الرواية الصهيونية بالكامل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى
القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، إضافة إلى الاعتراف بضمّ هضبة الجولان
السورية، كما لم تعد المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967 غير شرعية وقانونية، وعقبة أمام عملية السلام -التي لم تعد موجودة أصلا- كما كان الحال مع الإدارات المتعاقبة؛
ديموقاطية وجمهورية.
جرى بعد ذلك ابتداع
صفقة القرن بشكل مناقض لعملية السلام شكلا ومضمونا، وهي -الصفقة-
لم تهدف إلى حل القضية، كما كان الحال مع عملية السلام، وإنما تصفيتها تماما وإزاحتها
عن جدول الأعمال الإقليمي والدولي.
بناء على ما سبق
كله، كان منطقيا أن يتحدث جوزيب بوريل عن ضرورة بل وحتمية اتباع استراتيجية مختلفة،
والضغط بوسائل أخرى. ومن هنا حضرت أفكار مثل عقد مؤتمر دولي للسلام بأنياب حقيقية
وقرارات ملزمة بعيدا عن النهج المتبع، ورفع مكانة الدولة الفلسطينية في الأمم
المتحدة سواء وطنيا أو جماعيا من قبل اتحادات قارية وإقليمية، كما فعلت إسبانيا مع
دول أوروبية أخرى، أو عبر تجمعات إقليمية، مثلما حصل مع جامايكا وترينيداد وتوباغو
وربادوس بمنطقة الكاريبي.
لا زلنا بصدد حديث دولي عام، دون تبني خطط محددة حول الاعتراف بدولة فلسطينية، ودون تحديد ماهيتها وحدودها وعاصمتها القدس -حسنا فعلت إسبانيا بخلق السابقة والطريق والمضمون-، ولا حديث عن قرار مجلس الامن رقم 242، والمبادرة العربية بالحد الأدنى، في سياق شق مسار جدي لا رجعة عنه، وانطلاق القطار نحو الدولة الفلسطينية حسب التعبير الشائع للرئيس الأمريكي جو بايدن.
في السياق نفسه،
لا بد من الإشارة إلى أن فرنسا لم تعد تعتبر الأمر من المحرمات، كما أن بريطانيا تفكر
أيضا بمناقشة الأمر، ولن تنتظر نهاية
المفاوضات بعد انتهاء حرب غزة، وحتى أمريكا تدرس
فكرة الاعتراف بالدولة بالفلسطينية، حيث طلب وزير الخارجية أنتوني بلينكن من موظفي وخبراء
وزارته وضع اقتراحات وتصورات بهذا الخصوص.
هنا، لا بد من الانتباه
إلى أننا لا زلنا بصدد حديث دولي عام، دون تبني خطط محددة حول الاعتراف بدولة فلسطينية، ودون تحديد ماهيتها وحدودها وعاصمتها القدس -حسنا فعلت إسبانيا بخلق السابقة والطريق
والمضمون-، ولا حديث عن قرار مجلس الامن رقم 242، والمبادرة العربية بالحد الأدنى، في
سياق شق مسار جدي لا رجعة عنه، وانطلاق القطار نحو الدولة الفلسطينية حسب التعبير
الشائع للرئيس الأمريكي جو بايدن.
لا بد من الإشارة
كذلك إلى عملية طوفان الأقصى وحرب غزة والاستنتاجات الأساسية منها، وعلى رأسها
ضرورة عدم العودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لجهة حصار غزة والانقسام
السياسي والجغرافي مع الضفة، وإزاحة القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال، والتلهي
بمصطلحات إدارة الصراع وتقليصه والحفاظ على الوضع الراهن، والسلام الاقتصادي، ومن ثم ضرورة مواكبة الجهود والمساعي الأوروبية والأممية فلسطينيا، وتوحيد الرؤى والقيادة
لإنهاء الانقسام، ومواصلة المسار في الأمم المتحدة، كما رأينا في جلسة الجمعية
العامة للأمم المتحدة في 10 أيار/ مايو الماضي، حيث صوت ثلثا الأعضاء تقريبا لصالح
قرار رفع مكانة فلسطين إلى دولة كاملة العضوية، في تأكيد عزلة الولايات المتحدة
التي استخدمت الفيتو ضد القرار بمجلس الأمن، وإحراج واضح لها حسب التعبير البليغ لوزيرة
خارجية الأسترالية بيني وونغ، التي تدفع باتجاه الاعتراف بالدولة؛ في خطوة ستكون
ذات دلالات مهمة سياسية وجغرافية أيضا.