أصبح تراجع بعض أهم موارد
مصر الدولارية المحدودة، يشكل هاجسا لدى الحكومة المصرية التي تلقت دفعة مساعدات وقروض بنحو 50 مليار دولار، بعد اتفاق تطوير مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي للبلاد مع الإمارات.
من شأن تراجع الموارد الدولارية، بحسب خبراء ومحللين
اقتصاد، أن يحد من أثر تلك القروض والدعم الدولي والإقليمي في إقالة مصر من عثرتها الاقتصادية، وقدرتها على تدعيم حجم الاحتياطي النقدي الذي استنزف خلال السنوات الثلاث الماضية.
تراجعت صادرات مصر البترولية من 8.6 مليار دولار في النصف الأول من العام المالي 2022- 2023 إلى 3.2 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالي الحالي بنسبة تراجع 63%، ما فاقم أزمة نقص العملة الصعبة.
تراجع الصادرات البترولية أدى إلى تحويل الفائض التجاري البترولي البالغ 1.8 مليار دولار إلى عجز بقيمة 3.1 مليار دولار، حيث انخفضت صادرات الغاز الطبيعي بمقدار 4.7 مليار دولار، والمنتجات البترولية بمقدار مليار دولار نتيجة انخفاض الكميات المصدرة، والأسعار العالمية، وفق تقرير أداء ميزان المدفوعات للبنك المركزي.
إلى جانب ذلك، واصلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج تراجعها، وبلغت نحو 9.4 مليار دولار خلال النصف الأول من 2023-2024، مقارنة بنحو 12 مليار دولار بالفترة نفسها من العام المالي السابق 2022-2023 بنسبة تراجع 21.2% على أساس سنوي.
تداعيات اتساع العجز
من شأن هذا العجز أن يؤثر بشكل سلبي الاستثمارات الجديدة الوافدة إلى البلاد من مشروع رأس الحكمة، والتعهدات الاستثمارية من مؤسسات مالية دولية، وعلى قدرة مصر على تحسين وضع الاحتياطي النقدي الأجنبي.
زاد احتياطي المركزي المصري من النقد الأجنبي إلى 40.36 مليار دولار بنهاية آذار/ مارس بزيادة 5 مليارات دولار، وهو أعلى مستوى له منذ شباط/ فبراير 2022 عندما سجل 40.99 مليار دولار، مقارنة بأكثر قليلا من 45 مليار دولار في مطلع عام 2022.
كما أدت التوترات الجيوسياسية في المنطقة إلى تراجع حجم التجارة العالمية في قناة السويس، الذي انخفض بنحو 55% حاليا، مقابل تقديرات لصندوق النقد الدولي بحدوث تراجع 50% في أول شهرين من عام 2024.
حلول وخيارات محدودة
يقول الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال المصري الأمريكي، محمد رزق؛ إن " تراجع صادرات مصر من المواد البترولية وتحويلات المصريين بالخارج، فضلا عن استيراد الغاز الطبيعي لتشغيل محطات الكهرباء ومشتقات الطاقة، قد يستنزف بالفعل الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، ويقلل من أثر المساعدات والدعم الأخير للبلاد".
ويرى في تصريحات لـ"عربي21"، أنه "لا بد أن تعثر مصر على روافد جديدة للدولار، وليس أمامها غير السياحة من منظوري، وربما محاولة إعادة نسبة معقولة من تحويلات المصريين بالخارج إلى الجهاز المصرفي، بعد انخفاض سعر الدولار في السوق السوداء نظير مزايا يتم تقديمها للمصريين بالخارج".
واستدرك رزق: "أيضا لا بد من النظر إلى الاستثمار المباشر نظرة جادة، ومحاولة إزالة العقبات أمام هذا الرافد الدولاري الخطير لتحقيق التنمية، فضلا على رفع قيمة الصادرات ومحاولة إحلال المنتج المصري، بدلا من المستورد لتخفيف الضغط على ميزان المدفوعات والدولار".
أزمة الاقتصاد المصري .. أزمة قرار
توقع الباحث في الاقتصاد السياسي ودراسات الجدوى والدراسات التنموية، مصطفى يوسف، أن "يضغط العجز سواء التجاري أو الموازنة العامة للدولة على قدرة مصر من الاستفادة بشكل كامل من مليارات الدعم والقروض الجديدة، ويترتب عليه زيادة الديون وزيادة معدل الفائدة، ومن ثم التضخم ونمو اقتصادي قصير المدى".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "تكمن الأزمة الاقتصادية في مصر أن القرار الاقتصادي لا يزال بيد رئيس البلاد، ويخرج من أيدي دائرة ضيقة حوله، ومن ثم فإن السياسات الاقتصادية والمالية على حالها، لن تتغير إلا بشكل بطيء، وأكثر ما يثقل كاهل البلاد، هو أن أكثر من نصف الإنفاق في الميزانية يذهب إلى الديون، والخسائر الجديدة هو بيع الأصول الرابحة".
واعتبر يوسف أن "على الدولة المصرية أن تحد من الإنفاق في ما يتعلق بالمشروعات غير ذات جدوى اقتصادية، وإسناد الأمر إلى متخصصين، والأهم من كل ذلك هو إنهاء احتكار وهيمنة الجيش للاقتصاد والمناقصات والمشروعات والصناديق والأراضي... إلخ، دون ذلك أرى أن مصر تسير في دائرة، وسوف تعود إلى النقطة نفسها التي خرجت منها".
وأشار إلى أن هناك رؤية مغلوطة للمساعدات والدعم المالي الجديد، "هي ليست من أجل دعم الاقتصاد المصري، بل من أجل دعم نظام
السيسي، والاستمرار في قيامه بدوره الوظيفي في تبريد الأوضاع في مصر، ومنع الهجرة إلى أوروبا وحماية حدود إسرائيل، والضغط على المقاومة الفلسطينية من خلال إحكام الحصار البري عليها".