بدأ يبرز سيناريو مقلق يتعلق بالحرب في
غزة، وهو
احتمال شن
إسرائيل هجوما على رفح. هذا السيناريو يحمل في طياته تداعيات خطيرة.
يُخشى أن يؤدي هذا الهجوم إلى ضغوط غربية هائلة على
مصر؛ ليس لوقف القتال فحسب، بل لفتح حدودها لاستقبال المدنيين الفارين من جحيم
الحرب، وهو ما سيُعتبر بمثابة حل إنساني ظاهري، أو هكذا سيروج له الإعلام
الإسرائيلي والغربي الداعم له، إلا أنه يخفي خلفه تحديات جمة..
أولا، توسّع إسرائيل وتمددها. وثانيا، فرض حالة الأمر
الواقع كما حصل في نكبة 1948 وحرب 1967، مما يجعل حلّ القضية وفق المبادرة العربية
حلما بعيد المنال، وثالثا، وهو الأهم من الناحية الإنسانية، يُتوقع أن ينجم عن
الهجوم على رفح مشاهد مروعة للدمار والإبادة قد لا يُمكن مقارنتها بأي من المآسي
التي حدثت بعد ٧ تشرين الأول/ أكتوبر.
يُخشى أن يؤدي هذا الهجوم إلى ضغوط غربية هائلة على مصر؛ ليس لوقف القتال فحسب، بل لفتح حدودها لاستقبال المدنيين الفارين من جحيم الحرب، وهو ما سيُعتبر بمثابة حل إنساني ظاهري، أو هكذا سيروج له الإعلام الإسرائيلي والغربي الداعم له، إلا أنه يخفي خلفه تحديات جمة
ويُذكر أن رفح، بكثافتها السكانية العالية حيث يعيش
أكثر من 10 آلاف مدني في كل كيلومتر مربع، تُعد مسرحا لكارثة إنسانية قد تُطلق
موجات عارمة من اللاجئين نحو الحدود المصرية.
إضافة إلى التحديات الأمنية والإنسانية، يستحق الوضع
الاقتصادي في مصر تسليط الضوء بشكل خاص، إذ تعكس لغة الأرقام تحديات متزايدة تواجه
البلاد، ويشير التضخم غير المسبوق إلى وضع يُعتبر أكثر صعوبة مما كان متوقعا.
وبالرغم من الآمال الكبيرة التي عُلقت خلال العقد
الماضي لتحسين الأوضاع الاقتصادية، والتي، وفقا لما تم الإعلان عنه في العديد من
اللقاءات والتصريحات الرسمية، لم تحقق النتائج المرجوة. وقد أطلقت الأستاذة في
الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، الدكتورة عالية المهدي، مؤخرا نداء
للحكومة المصرية بضرورة التحرك السريع لإنقاذ الواقع الاقتصادي في مصر من الأزمات
المالية المتلاحقة، مع تجاوز معدل التضخم في مصر 31 في المئة وارتفاع أسعار المواد
الغذائية بأكثر من 70 في المئة. ووصفت الدكتورة عالية المشهد الاقتصادي بأنه
"ليس جيدا"، مشدّدة على "أننا في أزمة حاليا، لكنها ليست أزمة
نقدية وسعر صرف فحسب".
ومن خلال رحلاتي المتواصلة بين الكويت وواشنطن،
والإقامة في قلب مطبخ السياسة الدولية لمدة تزيد عن ستة أشهر كل عام، ومن خلال
احتكاكي المباشر بمسؤولين حاليين وسابقين، أجد نفسي مضطرا للتعبير عن وجهة نظري
بصدق شديد ومن منطلق تجربة شخصية عميقة..
هذا الواقع المرير يدعونا للتساؤل عن مدى فعالية جهودنا ومكانتنا في ساحة السياسة الدولية.. هل نستطيع حقا أن نكون لاعبين رئيسيين يُحدثون تغييرا ملموسا؟ أم أننا مجبرون على قبول الواقع الذي نُعاني منه؟
وبصدر مثقل وقلب متعب، أجزم بأننا، في
هذا العالم الذي يعمل بعضه ليل نهار في سبيل البحث والتحليل وجمع البيانات
والدراسة، لا نُعد خصوما يُحسب لهم حساب في المعترك الدولي.. نحن، برغم امتلاكنا
للعدالة والإنصاف والحقيقة، نجد أنفسنا محاصرين بين أنظمة مهلهلة تعاني من الضعف
والفساد من جانب، وأنظمة مترفة غارقة في نعيم الحياة من جانب آخر. وفي المنتصف،
تقف بعض الأنظمة التي تحاول الاجتهاد ضمن قدراتها المحدودة، قدرات لا تُمكنها من منافسة
الماكينة الديناميكية العالمية التي تدور بلا توقف في سبيل تحقيق مخططاتها، والتي
لا تُعود علينا بالنفع الحقيقي.
إن هذا الواقع المرير يدعونا للتساؤل عن مدى فعالية
جهودنا ومكانتنا في ساحة السياسة الدولية.. هل نستطيع حقا أن نكون لاعبين رئيسيين
يُحدثون تغييرا ملموسا؟ أم أننا مجبرون على قبول الواقع الذي نُعاني منه؟
إن الوقت قد حان لنتجاوز الرضوخ للأوضاع القائمة ونسعى
لخلق مستقبل يُمكننا من خلاله تحقيق العدالة والإنصاف؛ ليس فقط لأنفسنا، بل للعالم
أجمع.