في خضم التطورات الجيوسياسية والمتغيرات التي تشهدها المنطقة
العربية
والعالم، تلعب
إيران دورًا معقدًا ومؤثرًا يتجاوز حدودها. ومع كل هجوم أو اتهام
يوجه ضدها، تمكنت إيران من جذب دعم متزايد من الشارع العربي، متجاوزةً بذلك العديد
من الاتهامات.
ومن خلال دعمها المتواصل لحركات المقاومة الفلسطينية والقضايا
الشعبية العربية، أصبح يُنظر إلى إيران بشكل مختلف في عيون العديد من العرب، حتى
ولو كانت هناك نقاط سوداء تظل تحيط بها وببعض حلفائها.
مثال على هذا التحول يمكن رؤيته في دعم إيران لجماعة الحوثي في
اليمن. بالرغم من الانتقادات العديدة الموجهة لهذه الجماعة، فإنهم تمكنوا من إعادة
تسويق أنفسهم بإغلاق الممر التجاري البحري في البحر الأحمر، ولو على نحو مؤقت، ما
أثر إلى حد بعيد على التجارة العالمية. هذا الفعل الذي تم نصرة لغزة أظهر حجم
التأثير الذي يمكن أن يحدثه الفاعلون المدعومون من إيران على المستوى الدولي. كما
كشف ضعف القوات الأمريكية والبريطانية والأوروبية التي لم تستطع مجتمعة على وقف
هذه الهجمات. في هذا السياق، يجد الشارع العربي نفسه أمام معضلة: كيف يمكن تجاهل
إنجازات الحوثيين المدعومين من إيران في لجم الغطرسة الأمريكية وداعميها
الصهيونيين، رغم كل الانتقادات الموجهة لهم؟.
وفي لبنان، يستمر حزب الله في لعب دور رئيسي في المعادلة السياسية
والعسكرية. ورغم أن تدخله العسكري محدود جدا، ولم يصل بعد إلى مستوى واسع النطاق
يتوازى مع حجم تصريحات زعيمها حسن نصر الله، إلا أن دعم الحزب لم يكن غائبًا عن أي
ساحة تحتاج إلى مساندة. هذا الدعم الذي ينظر إليه الشارع العربي كنوع من المساعدة
الحقيقية للقضايا العربية، يجعله أكثر تقبلاً لفكرة التعاون مع إيران وحلفائها.
ومع كل دعم أمريكي غير مشروط لإسرائيل التي لا حدود لها في البطش
والطغيان والإبادة الجماعية، يجد الشارع العربي نفسه أمام خيار واحد: دعم إيران
وحلفاء إيران معنويا طالما أنهم يسببون إزعاجاً وإرهاقاً للآلة العسكرية والسياسية
الإسرائيلية. فمن جانب يجدون مساعدات إنسانية عربية لا تسمن ولا تغني من جوع مع
وابل من تصريحات الشجب والإدانة والاستنكار، وفي الطرف الآخر يجدون سلاحاً وصواريخ
ومسيّرات ورصاصات إيرانية تتجه ناحية إسرائيل ومناصريها الغربيين.
كثير من المحللين سواء في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أو مؤسسة
كارنيغي للسلام الدولي أيدوا هذه النقطة في عدد من منشوراتهم، مشيرين إلى أن الدعم
الإيراني للفلسطينيين يعزز من مكانتها في الشارع العربي، ويجعلها تظهر كمدافع
رئيسي عن الحقوق العربية.
في المقابل، يبرز غياب واضح لأي مقاومة مسلحة سنية فعالة أو دعم من
الدول السنية للقضية الفلسطينية. هذا الغياب يترك فراغًا تستغله إيران وحلفاؤها
لتعزيز نفوذهم وزيادة تأثيرهم في الشارع العربي. ومع تزايد العمليات العسكرية
والتدخلات من الأطراف المدعومة من إيران، يتساءل الكثير من العرب: أين المقاومة
السنية؟ وأين الدعم الذي كان من المفترض أن يأتي من الدول السنية؟ وهل دورهم إرسال
سلات غذاء وعلب دواء فقط في هذه الحال؟
رغم كل ما يحيط بها من مثالب وانتقادات، تبدو إيران أكثر قربًا من الشارع العربي، خاصة في ظل تحالفاتها الدولية واستمرار دعمها للقضايا الشعبية العربية.
علاوة على ذلك، تجد إيران نفسها تتحالف مع قوى مثل الصين وروسيا، مما
يزيد قوتها على الساحة الدولية. هذا التحالف يعزز من صورتها كقوة قادرة على التحدي
والتصدي للضغوط الغربية والعربية. في هذا السياق، يصبح الشارع العربي أكثر ميلاً
لرؤية إيران كقوة داعمة للقضايا العربية والإسلامية، رغم كل الانتقادات الموجهة
لها.
ومن المصادر التي أشارت إلى هذه النقطة، معهد الشرق الأوسط في ورقة
بحثية نشروها، والتي أكدت أن الدعم الإيراني للفصائل الفلسطينية يعزز من قدرتها
على التأثير في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ويجعلها تحظى بقبول أوسع في الشارع
العربي.
وفي السياق الإيراني الداخلي، شهدت إيران انتخابات رئاسية جديدة تمت
بهدوء ودون أي بلبلة تُذكر. هذا الاستقرار السياسي الداخلي يضيف إلى ثبات إيران في
الساحة الإقليمية، ويعزز من قدرتها على الاستمرار في سياساتها الداعمة للحركات
المقاومة والقضايا العربية. رغم أن إيران تُعتبر كيانًا فارسيًا ناشرًا للتشيع
ومعاديًا للدول العربية، ومصدرًا للثورة بشعارها بعد الإطاحة بالشاه، إلا أنها
الأقرب للشارع العربي.
في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة، تتغير نظرة الشارع العربي
التقليدية تجاه إيران. ما بين الانتقادات والاتهامات، وبين الدعم والإنجازات، تجد
إيران مكانتها تزداد بين العرب. رغم كل ما يحيط بها من مثالب وانتقادات، تبدو
إيران أكثر قربًا من الشارع العربي، خاصة في ظل تحالفاتها الدولية واستمرار دعمها
للقضايا الشعبية العربية. في هذا السياق، يظل السؤال المطروح: هل ستستمر إيران في
كسب المزيد من التأييد العربي، وما أثر ذلك على المنطقة؟ أم أن هناك تحولًا
آخر يلوح في الأفق؟
*المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز
"ريكونسنس" للبحوث والدراسات - الكويت
عضو نادي الصحافة الوطني في واشنطن العاصمة