استغل تجار سلعة الأرز انشغال
الحكومة المصرية بإجراءت الانتخابات الرئاسية المقررة الشهر الجاري، وقاموا برفع أسعار السلعة الاستراتيجية بنحو 35 بالمئة خلال شهرين، وسط شكاوى وغضب المصريين الذي يمثل لهم الأرز السلعة الأكثر أهمية بعد الخبز.
وتُجرى الانتخابات الرئاسية التي يخوضها رئيس النظام عبدالفتاح
السيسي، بمواجهة 3 من السياسيين المغمورين، أيام 10 و11 و12 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، والتي يحق لنحو 65 مليون مصري، الإدلاء بأصواتهم فيها، والتي يضمن السيسي، الفوز فيها بولاية ثالثة ولمدة 6 سنوات تنتهي في 2030.
"5 آلاف في شهرين"
وبمجرد أن خرج محصول الأرز من تحت يد الفلاح في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بسعر طن الشعير بين 14,500 و15 ألف جنيه للأصناف غير البلدي، ووصلت إلى التاجر تم رفع سعر الطن بمعدل 5 آلاف جنيه خلال شهرين من موسم الحصاد.
ومع مطلع كانون الأول/ ديسمبر الجاري، لامس سعر طن الشعير مبلغ 20 ألف جنيه، بمعدل مكسب حوالي 35 بالمئة يحصده
التجار في فترة زمنية قصيرة.
وأكدت شعبة الأرز بغرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات، أن أسعار الأرز زادت خلال شهر واحد بنحو 19 بالمئة، حيث يسجل الطن بنهاية تشرين الثاني/ نوفمبر نحو 19,500 جنيه للطن عريض الحبة، مقارنة بـ16,500 جنيه، مطلع الشهر، بحسب موقع "المال" الاقتصادي.
سعر الطن رفيع الحبة قفز أيضا ليسجل 19 ألف جنيه مقارنة بـ16 ألف جنيه بداية الشهر الماضي، بزيادة قدرها 3 آلاف جنيه، فيما ارتفعت أسعار الأرز الأبيض ليتراوح الطن بين 26 و29 ألف جنيه، مقارنة بـ 23 و26 ألفا مطلع الشهر الماضي.
وحملت مصادر بشعبة الأرز، التجار المسؤولية عن الأزمة، مؤكدة أن انخفاض المعروض من الأرز نتيجة قيام التجار بالتخزين تسبب بارتفاع الأسعار.
"رد التجار"
"عربي21"، توجهت بسؤال أحد التجار، وأصحاب المضارب بمحافظة الشرقية، عن أسباب ارتفاع سعر الأرز من الشعير بنحو 5 آلاف جنيه بشهرين، و3 آلاف بشهر واحد، والرد على اتهامهم بصناعة الأزمة.
وقال مفضلا عدم ذكر اسمه: "الناس من يصنعون الأزمة وليس التجار"، موضحا أنه "مع ارتفاع أسعار الأرز الجنوني كل عام تلجأ الأسر لشراء وتخزين حاجتها السنوية منه مرة واحدة مع موسم الحصاد".
ويرى في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذه إحدى أسباب قلة المعروض من الأرز وبالتالي رفع الأسعار".
وأضاف أن "ارتفاع السعر أمر طبيعي، خاصة وأننا نشتري المحصول دون أن يجف بشكل كامل، ونضطر لتركه مدة لكي يجف ما ينقص من وزنه فنضطر لبيعه بسعر أعلى، هذا بجانب النقل والعمالة وتشغيل المضارب من كهرباء وضرائب وتأمينات ورسوم، وغيرها".
وأوضح أن "تخزين الأهالي للأرز وفترة تجفيفه بمخازن التجار وبالمضارب أدت لقلة المعروض، وبالتالي فزيادة سعره طبيعية، وإن كانت أسعاره مبالغ فيها بحسب الأهالي، فإن هذا ينطبق على أسعار جميع السلع في مصر".
وبلغ إجمالى إنتاج مصر من الأرز الأبيض نحو 3.6 مليون طن، العام الماضي، فيما يصل الاستهلاك سنويا لنحو 3.2 مليون، ما يعني وجود فائض بنحو 400 مليون طن سنويا.
وقال عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات، مجدي الوليلي، لـ"ايكونمي بلس"، إن المساحات المنزرعة بالأرز الموسم الماضي نحو مليوني فدان، ما يعني إنتاج نحو 7 ملايين طن شعير، تعطي أكثر من 4 ملايين طن أرز أبيض، تغطي الاحتياجات السنوية وتفيض.
وفي العام الماضي شهد السوق المصري تلاعبا من التجار أوصل سعر طن الأرز الشعير من نحو 12 إلى نحو 27 ألف جنيه، وسط غياب تام للرقابة الحكومية في السوق.
"ليس الأرز فقط"
وتعاني مصر من أزمات سلعية وتفاقم معدلات التضخم، أظهرها في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، مؤشر أسعار الغذاء (CPI) التابع للبنك الدولي، والذي أكد أن مصر أكثر دول العالم تأثرا بتضخم الغذاء ب من حزيران/ يونيو 2023 إلى أيلول/ سبتمبر 2023.
وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي)، 10 أيلول/ سبتمبر الماضي، عن ارتفاع سنوي بنسبة 71.9 بالمئة لأسعار المواد الغذائية، التي تستورد البلاد نحو 60 بالمئة منها وخاصة القمح والذرة وزيت الطعام.
"اتهامات للحكومة والتجار"
وإلى جانب أزمة ارتفاع أسعار الأرز، يعيش السوق المصري منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي شحا بسلعة السكر، ما دفع بأسعاره لأكثر من 60 بالمئة في شهرين ليسجل سعر الطن جملة بين 45 و46 ألف جنيه، صعودا من 28 ألف جنيه قبل شهرين.
ومع أن أزمة السكر، والأرز أكثر تأثيرا وتتناولها التصريحات الحكومية وتفرد لها المواقع والصحف عناوين بارزة إلا أن هناك الكثير من الأزمات السلعية التي تؤثر على ملايين المصريين.
ومن داخل سيارة أجرة لنقل الركاب بين قرى دلتا مصر، دار الحديث بين النساء والرجال حول أسعار السلع الغذائية التي لا تتوقف عن الصعود، في مصر.
سيدة منهم تقول، إن "سعر كيلو اللبن الجاموسي في قريتي بلغ 27 جنيها"، موضحة أنه "كان قبل نحو شهر بنحو 22 جنيها"، مؤكدة أن "سعر الكيلو بالمدينة يزيد بنحو 5 جنيهات على الأقل"، معربة عن شكواها من "عدم وجود اللبن، وندرة وجوده لدى مربيي المواشي".
وأوضحت أن "سعر كيلو الجبن القريش أو الفلاحي، تعدى اليوم 75 جنيها، بينما كان بنحو 30 و35 بداية السنة، وقبل عدة أسابيع بنحو 50 و60 جنيها"، لافتة إلى أن "سعر كيلو السمن البلدي الجاموسي، تخطى 200 جنيه بالريف، وهو السعر الذي يزيد على الأقل 30 جنيها بالمدينة".
وحول سبب ارتفاع الأسعار الجنوني للبن والجبن والسمن، أشارت إلى "ارتفاع أسعار طعام الحيوانات من الأعلاف والكزب والردة -معظم خاماتها الأولية مستوردة- وزيادة تكاليف زراعة الأرض بالبرسيم والذرة، ما دفع الفلاح للتخلص من أغلب حيواناته".
ومن داخل ذات العربة انتقل الحديث عن ارتفاع أسعار السكر، حيث أكد الركاب أن "تعدي سعر كيلو السكر الـ50 جنيها بعد أن كان في حدود الـ20 جنيها قبل شهور يعني أن هناك أزمة يقف خلفها أحد المستفيدين من كبار رجال الدولة أو التجار".
وأوضحوا أن "التلاعب في تلك السلعة وصل حد تجار التجزئة"، مشيرين إلى أن "وزارة التموين خصصت لكل تاجر بقالة يمتلك رخصة، و لكل بدال أو موزع للتموين الحكومي، حصة من السكر يبيعها للأهالي بالبطاقة التموينية بسعر 27 جنيها، مع ضمان هامش ربح للتاجر".
وبينوا أن "بعض التجار استغلوا شجار الأهالي المتجمهرين أمام المحلات لشراء السكر، وأخفوا السلعة لبيعها بأكثر من 50 جنيها".
"تواطؤ حكومي"
وعن دور الدولة في ملاحقة تجار الأرز الجشعين وتجار السكر المحتالين على الأهالي وضبط سوق الألبان والجبن، ردت بعض النساء داخل العربة، قائلة: "الأفضل هو عدم وجود مفتشي التموين لآنهم يذهبون إلى التجار ويحصلون على رشا وسلع مجانية نظير عدم تحرير محاضر مخالفة".
وأكدوا أن "الأمر ينطبق على أفران الخبز البلدي المدعومة بالدقيق الحكومي، حيث تقدم تلك الأفران وخاصة في الريف منتجا رديئا، وعندما يأتي مفتش التموين يتم خبز عيش راقي خاص به، ويحصل على رشوة من المال، ويذهب دون أن يتغير من الحال شيئا".
"حكومة عمولات"
وفي رؤيته لأسباب ترك الدولة تجار الأرز وغيره من السلع يتلاعبون بسلعة استراتيجية تمس ملايين المصريين، قال المزراع المصري ومدير إحدى المشروعات الزراعية خالد درويش، لـ"عربي21"، إن "الدولة الآن لم تعد عمليا موجودة لحماية المزارعين كانوا كبارا أو متوسطي أو صغارا؛ فهي متفرغة فقط لأخذ العمولات من استيراد القمح وغيره".
"هذا ما يشغل الدولة"
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور علي عبدالعزيز: "لا يمكن فصل الأرز كسلعة عن باقي السلع المتأثرة بسعر الدولار مقابل الجنيه، وبالتالى يلجأ التجار إما لتخزين الأرز الشعير وبالتالى انخفاض المعروض وإما رفع سعره مباشرة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أن ذلك يأتي "على إثر ارتفاع تكلفة الزراعة والنقل وأجرة العمالة وتوقع ارتفاعات الأسعار خلال الموسم القادم، وهي أمور من الصعب على الدولة حصرها ومواجهتها إلا إذا قامت بحملات تفتيش ضخمة جدا أو بتسعير جبري، وكلاهما حلول غير مستدامة".
ولفت إلى أنه "في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، تم تصنيف الأرز سلعة استراتيجية يحظر حجبها عن التداول مع عقوبات حبس وغرامة، وتم أيضا من شهور تسعيره من التموين، ولكنه لم يعجب التجار فسحبوا الأرز الأبيض من المتاجر".
وقال عبدالعزيز: "لنعود للسبب الرئيسي، وهو ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه، فخلال نفس المدة ارتفع الدولار في السوق الحر من مستوى الـ43 إلى مستوى الـ53 جنيها، ما يفسر جانبا من أسباب ارتفاع الأرز خلال شهر واحد بـ19 بالمئة، ووصول سعر الطن إلى 19,500 جنيه".
وختم بالتأكيد على أنه "لو كان لدى الدولة وفرة دولارية لاستطاعت استيراد أرزا الآن لضبط الأسواق، ولكن لوجود فاتورة خدمة دين خلال 2024 تصل إلى 30 مليار دولار، فالفجوة تجبرهم على الصمت، بالإضافة لانشغال أجهزة الأمن بملف الانتخابات الهزلية، والمواطن سيظل الضحية".
"حقائق وحلول"
وفي تعليقه على أزمة ارتفاع سلعة الأرز الاستراتيجية، قال القيادي بحزب "التحالف الشعبي"، فؤاد سراج الدين: إن "الأرز، وطبقا لما ذكرته جريدة المال مساحة المنزرع منه الموسم المنتهي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وصل إلى مليوني فدان، بينما تقارير أخري تقول إن المساحة حوالي 1.8 مليون فدان".
المهندس الزراعي المصري، وأحد منتجي المحاصيل الزراعية في مصر، أكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "إنتاج الأرز بناء عن المساحة المنزرعة من 6 إلى 7 ملايين طن أرز شعير، تنتج حوالي من 4 ملايين إلى 3.5 مليون طن أرز أبيض، وهو ما يفيض عن الاكتفاء الذاتي الذي يقدر بحوالي 3.2 مليون طن أرز أبيض".
ولفت إلى أن "هذا يحقق فائضا من الخطأ تصديره، لأن هذا معناه أننا نصدر مياه، لأن فدان الأرز يستهلك حوالي 12 ألف متر مكعب مياه ري، والأفضل في ما بعد توفير المساحة الزائدة وزراعتها محاصيل إنتاج الزيوت".
وأضاف: "لأن عجز استهلاك زيت الطعام فجوة حوالي 90 بالمئة نستوردها، وبالتالي توفير مياه الري، وكذلك من المهم منع استيراد الأرز أو تصديره وفقا لما ذكرناه من أسباب".
وأرجع الخبير الزراعي "ارتفاع سعر الأرز بالرغم من الاكتفاء الذاتي منه إلى عوامل كثيرة منها ارتفاع أسعار إيجار الأرض الزراعية، وأجور العمال، ووسائل النقل، وانخفاض القوة الشرائية للجنيه مقابل الدولار، والذي أدى إلى ارتفاع أسعار مدخلات الزراعة المستوردة".
وعبّر عن أمله في حلول جذرية بأن "نحقق الاكتفاء الذاتي من حبوب الغذاء"، موضحا أنه "توجد أصناف كثيرة من الأرز أهمها صنف (سخا 108) الذي يُعطي محصولا يصل غلى 4 أطنان لكل فدان، وإنتاجه يستغرق 135 يوما فقط، ويتحمل التغيرات المناخية".
وأشار إلى وجود "أبحاث لوزير الزراعة الأسبق في عهد الرئيس أنور السادات الدكتور مصطفى الجبلي، يُزرع فيها الأرز على عروتين، ويوفر مياه الري، حيث يحتاج الفدان حاليا إلى حوالي 12 ألف م3 مياه ري".
وأكد سراج الدين أن "هناك أبحاثا أخرى كثيرة للحصول على محصول أقل استهلاكا للمياه، ولنا أن نعرف أن كيلو واحدا من الأرز يستهلك إنتاجه 3 م3 مياه ري، فهو شره للمياه".
وأكد على أهمية سلعة الأرز الاستراتيجية، مبينا أن بعض الدول المنتجة لها قد تستخدمها كسلاح اقتصادي مثل قرار روسيا والهند بعدم تصدير الأرز منتصف العام الجاري.
وخلص سراج الدين قائلا: "لذا فإنه حري بنا العمل على الصرف لإنجاز الأبحاث العلمية في إنتاج محاصيل توفر المياه خاصة ونحن نمر بأزمة سد النهضة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي ضرورة حتمية فقد نملك المال ولا نجد من يبيع لنا حبوب الغذاء، ولذا نأمل أن نخرج من أزماتنا ونتروى في اختيار خطوات المستقبل".