منذ الإخفاق في تحقيق إجماع بين مجلس النواب
والمجلس الأعلى للدولة حول القاعدة الدستورية والقوانين الانتخابية، وتجدد الخلاف
بين المجلسين حول القوانين التي أصدرها مجلس النواب بعد انتخاب رئاسة جديدة للأعلى
للدولة، والمبعوث الأممي الخاص لليبيا، عبدالله باتيلي، يبحث عن سبيل لتجاوز
الخلافات، حتى اعلن مؤخرا عن فكرة جمع "الخمس الكبار" حول طاولة تفاوض
لحل الخلافات القائمة بخصوص الانتخابات.
ويرى باتيلي، ومن يدعمه في هذه الخطة من
أطراف دولية، أن لقاء رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة،
محمد تكالة، ورئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية،
عبدالحميد ادبيبة، وقائد الجيش التابع للنواب، خليفة حفتر، يمكن أن يقصرِّ الطريق
إلى التوافق ويعالج الخلافات التي تعرقل المسار السياسي الحالي.
ينبغي التنبيه إلى أن الخطة تلقى تأييدا
أمريكيا، وتفيد بعض المصادر أنها من بنات فكر الأمريكان، كما تدعمها أطرافا
أوروبية فاعلة هي ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، لهذا يمكن أن تنجح الخطة وقد
تحقق نتائج عجز عن التوصل إليها المجلسان المعنيان بالمسار السياسي والانتخابات،
بشرط أن تنزل الأطراف الدولية بثقلها خلف الخطة.
محليا، أعلن رئيس الحكومة الليبية في الشرق،
أسامة حماد، عن رفضه الخطة، وعلل حماد موقفه الرافض بذريعة عدم شرعية الحكومة
المدعوة للمشاركة في التفاوض واستبعاد حكومته التي تحظى بدعم مجلس النواب حسب
تعبيره، وشدد على رفضه أي مخرجات للطاولة الخماسية. ولم يرد ما يفيد برفض أو
التحفظ على خطة باتيلي الجديدة من قبل الأطراف الرئيسية الأخرى ممثلة في قيادتها،
غير أن موقف حماد لا يمكن أن يكون بعيدا عن رؤية حفتر او مستقلا عنه، أيضا عبر
اعضاء في المجلسين عن امتعاظهم من المسار الذي يسير فيه باتيلي، واتهمه بعضهم
بإطالة عمر الأزمة والتمديد للاجسام الحالية، وان خطته ليست واقعية ولن تنجح.
لا توجد أرضية مشتركة بين الطرف الممثل للجبهة الغربية وهما المجلس الأعلى للدولة وحكومة الوحدة الوطنية والآخر الذي يمثل الشرق وهما مجلس النواب والقيادة العامة، فالقوانين التي تم إصدارها تلقى ترحيبا من كتلة الشرق وتتحفظ عليها جبهة الغرب
ومع التاكيد على أهمية الخطوة من ناحية أنها
تضع أهم الأجسام الفاعلة في الغرب والشرق وجها لوجه، ونخص بالذكر ادبيبة وحفتر،
إلا أن أمامها تحديات داخلية وخارجية، ذلك أن شرعية الأطراف الخمسة أخذت في
التراجع، كما أن مواقفها ومصالحها لا تمثل مواقف ومصالح المنتظم السياسي والعسكري
والاجتماعي العريض غربا وشرقا، أضف إلى ذلك الحسابات الخارجية، الدولية
والإقليمية، والتي قد تتعارض والتوافقات العادلة التي تتطلبها العملية السياسية.
يرى كثيرون أنه لا توجد أرضية مشتركة بين
الطرف الممثل للجبهة الغربية وهما المجلس الأعلى للدولة وحكومة الوحدة الوطنية
والآخر الذي يمثل الشرق وهما مجلس النواب والقيادة العامة، فالقوانين التي تم
إصدارها تلقى ترحيبا من كتلة الشرق وتتحفظ عليها جبهة الغرب، غير أن وجود الأرضية
المشتركة يعني أن المسألة محسومة ولا تتطلب تفاوضا على مستوى الأطراف الرئيسية
المتنازعة، والغاية من التفاوض هي إيجاد الأرضية المشتركة التي تقود إلى توافقات
عادلة تفضي إلى استقرار.
الإشكال الحقيقي يكمن في مساحة النزاع التي
أخذت في الاتساع إلى درجة الإحباط لدى الغالبية العظمى من الفواعل والنشطاء، كما
أن الانقسام أخذ حيزه الواسع على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية
والامنية، وهذا وضع سيضيف عوائق إلى العراقيل التي تقف أمام التوافق والسير
للانتخابات، وإذا غاب الضغط الدولي وظل المجتمع الليبي بفواعله خاملا، فإن خطة
باتيلي لن تنجح، وولن يفلح باتيلي في جمع الاطراف الخمسة على طاولة التفاوض، وفي
حال نجح في جمعهم، فإن توافقهم لن يكون ممكنا، وسيكون ماراثون الطاولة الخماسية
غير بعيد عن جولات المجلسين، النواب والأعلى للدولة، التي مضى عليها نحو ثماني
سنوات وذلك منذ إنطلاق حوارات تونس العام 2016م، دون أن تحقق التوافق المرجو وتقود
البلاد إلى الانتخابات.