تضمنت أجندة اجتماع رئاسة الوزراء اليومين الماضيين ملف دعم
المحروقات والنظر فيما تعرضه الجهات المختصة بالخصوص، ونقول إنه ومنذ الأزمة
الاقتصادية مطلع الثمانينيات واستفحالها خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي
وقضية الدعم على طاولة البحث لدى أصحاب القرار، وقدمت لمعالجتها العديد من
الدراسات، غير أنها ظلت مسألة عصية على الحل.
منذ الانقسام السياسي العام 2014م صار موضوع دعم المحروقات حاضرا
بقوة بعد أن ازداد تهريب الوقود المدعوم وذلك بسبب الفارق الكبير بين
أسعاره في
ليبيا وخارجها.
تأتي ليبيا في الترتيب الثالث عالميا من حيث رخص لتر البنزين، والذي
يبلغ 3 سنتات تقريبا وفقا للسعر الرسمي للدينار مقابل الدولار، وأقل من ذلك مقارنة
بسعر الدولار في السوق السوداء، ويباع البنزين في السعودية بأكثر من 30 سنتا ونحو
70 سنتا في دولة الإمارات.
كاتب المقال بالأمس ملأ خزان سيارته الخاصة والذي تبلغ سعته 60 لترا فقط
بـ 9 دنانير ليبية (1.7 دولار)، فيما كلفه نفس سعة خزان البنزين تقريبا في إسطنبول
قبلها بأيام 1800 ليرة تركية (نحو 63 دولارا) وهو ما يعادل 330 دينارا ليبيا
تقريبا!!
إن الجميع يتفقون على عدم القبول باستمرار بيع البنزين وغيره بالأسعار الحالية، وهذه مسألة حاسمة في الجدل حول دعم المحروقات، إلا أنهم يختلفون في طريق رفع الدعم والبدائل التي تقدم للمواطنين في حال رفع سعر الوقود إلى مستوى مقارب لأسعاره في دول الجوار العربي والأفريقي والأوروبي.
ولأن سعر البنزين يتعدى الدولار في تونس ومالطا وإيطاليا، فإن عمليات
تهريب واتجار واسعة تقع وتشرف عليها شبكات معقدة تتداخل فيها أطراف محلية وخارجية
لتستفيد من فارق السعر الكبير بين دولة المصدر والدول المستقبلة، وبحسب بيانات رسمية
فإن تهريب الوقود يكلف الخزانة الليبية نحو 30 مليار دينار في السنة.
وبرغم الخسائر الكبيرة إلا أن قرارا لم يتخذ لوقف هذا الهدر الكبير،
ولن يكون مبررا الخوف من ردود الفعل الشعبية تجاه معالجة مسألة دعم المحروقات، فقد
تم رفع الدعم عن المواد الغذائية الأساسية، وتكيف الليبيون مع هذا القرار.
وبالعودة إلى آراء الخبراء الاقتصاديين وغيرهم، فإن الجميع يتفقون
على عدم القبول باستمرار بيع البنزين وغيره بالأسعار الحالية، وهذه مسألة حاسمة في
الجدل حول دعم المحروقات، إلا أنهم يختلفون في طريق رفع الدعم والبدائل التي تقدم
للمواطنين في حال رفع سعر الوقود إلى مستوى مقارب لأسعاره في دول الجوار العربي
والأفريقي والأوروبي.
ما يدعو إليه العديد من الخبراء هو الرفع التدريجي لسعر المحروقات في
مقابل بدائل تعوض المواطن الخسائر وتخففه عنه عبء الزيادة المقررة في السعر، وقال
وزير الاقتصاد بحكومة الوحدة الوطنية إن اللجنة التي كلفت لدراسة هذا الموضوع
اقترحت عدة بدائل منها اعتماد بطاقة أو كوبون الوقود والذي يمنح كل فرد أو أسرة
كمية محدودة من الوقود بالسعر المدعوم الحالي، وما عداها من زيادة في استهلاك
الوقود تتحصل عليه بالسعر بعد رفع الدعم.
وهناك البديل النقدي، في حدود 900 دينار للفرد في السنة، بعد رفع
الدعم عن المحروقات، وهو الأكثر رواجا، إلا أن اللجنة ومن ورائها وزارة الاقتصاد
ومن بعدها رئاسة الوزراء لم تتوصل إلى سياسة محدودة وقرار فاصل في الموضوع،
والتكهنات تدور حول تخوفات ذات طبيعة سياسية وأمنية، منها ردود الفعل الشعبية في
فترة تحتاج فيها الحكومة إلى الهدوء والتأييد الشعبي، وكذلك الضغوط التي يمارسها
أصحاب المصالح، فهناك نافذون في الدولة ارتبطت مصالحهم وتعاظمت ثروتهم من تهريب
الوقود.
الهدر الكبير في أموال الليبيين بتهريب والاتجار في الوقود في زيادة
وليس العكس، ويترتب على استفحاله تداعيات كبيرة منها تعاظم نفوذ المجموعات
المهربة، حتى أن مؤسسات رسمية تتورط في تهريب الوقود وتقوم بتصديره على الملأ دون
أن يتجرأ أحد على صدها. وقد لا يجدي كثيرا مواجهة هذه اللوبيات بالقوة، وهو أمر
مطلوب، إلا أن هشاشة الدولة وفروقات الأسعار المغرية ستجعل من السيطرة عليها أمرا
متعذرا، لهذا فإن مراجعة دعم الوقود وإعادة النظر في سعر المحروقات خيار لا بد منه،
إلا أنه يتطلب حكمة وروية في تطبيقه.