نقلت وسائل صحفية وإعلامية عن وزير
الاقتصاد
في حكومة الوحدة الوطنية قوله إن الدين العام بلغ 200 مليار دينار ليبي، ومع
التحفظ على القيمة، إلا إن الدين العام في ارتفاع مستمر حتى مع تحقيق فوائض في
الميزانية خلال الأعوام الماضية.
لم يفصح الوزير عن مصادره بخصوص الرقم الذي
أدلى به، وبالنظر إلى تطور الدين العام خلال العقد الماضي يظهر أن المديونية
العامة للدولة شهدت زيادة كبير منذ العام 2014م، خاصة خلال الأعوام التي تم فيها
إغلاق حقول وموانئ النفط، حتى بلغ الدين العام نهاية 2020م نحو 85 مليار دينار
ليبي (نحو 17 مليار دولار).
الرقم الحقيقي كان أكبر مما أعلن عنه المصرف
المركزي الليبي العام 2020م، ذلك أن إنفاقا موزايا قامت به حكومة الشرق خلال
الأعوام 2014 ـ 2020م بلغ نحو 55 مليار دينار تم اعتباره دينا عاما وحمِّل على
الخزانة العامة ليبلغ الدين في نفس السنة نحو 140 مليار دينار.
عاد المصرف المركزي ليعلن أن مديونية الدولة
بلغت نحو 155 مليار مع نهاية العام 2022م، وبالعودة إلى تصريح وزير الاقتصاد الذي
ذكر أن الدين بلغ 200 مليار بعد سنة فقط من بيان المركزي الليبي، فإن زيادة في
الدين بلغت نحو 45 مليار وقعت خلال العام
2023م، وهذا ما لا يمكن القطع به.
الميزانية العامة لحكومة الوحدة الوطنية
خلال الأعوام الثلاث الماضية حققت فائضا يمكن أن يقترب من 30 مليار دينار، فقد بلغ
الفائض نحو 20 مليار لميزانية العام 2021م، وما يزيد عن 6 مليار العام 2022م، وقد
لا يكون الفائض خلال ميزانية 2023م بعيدا عن هذا الرقم، فهل يصل العجز في ميزانية
الحكومة الموازية في الشرق إلى 45 مليار دينار، هذا ما لا يمكن الجزم به، وبالتالي
فإن كلام وزير الاقتصاد عن حجم الدين العام يحتاج إلى تدقيق ومراجعة، مع التأكيد
أن الرقم يمكن أن يكون في حدود 170 مليار دينار.
الغالبية العظمى تقريبا ينظرون إلى الخزانة العامة كثدي الأم للرضيع، يأخذ حاجته منه دون مقابل، ويعزز من هذا الخلل الهيكلي حالة التخبط في الإدارة والهدر في المال العام والفساد الذي يولد إحباطا لدى الجميع يفقدهم الحرص والجدية والمسؤولية.
تقرير البنك الدولي الصادر في نيسان / أبريل
من العام الجاري يشير إلى أن أرقام المالية العامة الليبية مقلقة، فقد أكد التقرير
أن الإنفاق العام شهد زيادة بلغت 41%، وأن الزيادة في بند واحد وهو المرتبات بلغت
53%.
التحدي والذي يأخذ شكل أزمة مستحكمة هو أن
الإنفاق في معظمه استهلاكي ولا مردود حقيقي له، إذ تشكل المرتبات ونفقات تسيير
الجهاز الحكومي والدعم أكثر من 80% من الإنفاق العام، وهو إنفاق عائده محدود،
وبالنظر إلى تدني الخدمات الحكومية، يظهر أن الخزانة العامة تتحمل عبء كادر حكومي
كبير وجهاز بيروقراطي مترهل يستنزفان الموارد المالية في مقابل أداء وإنتاجية
ضعيفة جدا.
يشكل الدين العام الليبي حسب تقارير دولية
أكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى آمن للدول التي تفتقر إلى
الموارد الطبيعية واقتصاداتها محدودة الإنتاجية، غير أنه ليس أمنا لدولة تمتلك
موارد طبيعية كبيرة ومحدودة عدد السكان، مع التنبيه إلى أن الدين العام ينشأ من
عجز الموازنات السنوية لأسباب سياسية وأمنية.
بؤرة التأزيم ناشئة من الثقافة السائدة
والتي تعم النخبويين قبل العوام والتي تتأسس على تحسين مستوى عيشهم وزيادة دخولهم
التي مصدرها الدولة بغض النظر عن الواجبات والمسؤوليات، وزاد من وطأة التأزيم عجز
النظام الرسمي قبل وبعد العام 2011م في معالجة الخلل الكبير في تركيبة الاقتصاد
ووضع الدولة الذي ينعكس في شكل إنفاق استهلاكي ضخم مقابل مردود إنتاجي متدني جدا.
الغالبية العظمى تقريبا ينظرون إلى الخزانة
العامة كثدي الأم للرضيع، يأخذ حاجته منه دون مقابل، ويعزز من هذا الخلل الهيكلي
حالة التخبط في الإدارة والهدر في المال العام والفساد الذي يولد إحباطا لدى
الجميع يفقدهم الحرص والجدية والمسؤولية.