أثارت حالة
التكتم الشديد التي يفرضها النظام المصري الحاكم على ما يجري من وقائع قتل لمجندين
وضباط مصريين أو حوادث أودت بحياة عدد منهم التساؤلات حول أسباب ذلك التوجه خاصة
مع تكرار أنباء وحوادث القتل خلال العام الجاري.
أحداث قتل
جديدة يبدو أنها وقعت لجنود مصريين، حيث تداول نشطاء مصريين مقاطع مصورة من
محافظات مصرية لثلاثة جنازات شعبية لمجندين، دون أن يعلن المتحدث العسكري أية
أنباء عن وقوع قتلى في صفوف الجيش المصري، أو وقوع حوادث طالت بعض القوات.
"أشلاء
في أكياس"
وعبر صفحته
بموقع "إكس"، نشر المعارض المصري تامر جمال، المعروف باسم "الجوكر
المصري"، 3 مقاطع فيديو من الشارع المصري لثلاث جنازات لمجندين مصريين جرى
دفنهم قبل أيام.
ونقلا عن بعض
الأهالي، وعن مصدر بمستشفى عسكري، أعلن جمال عن "مصرع أكثر من 60 مجند مصري،
ووصول الجثامين إلى مستشفى كوبري القبة العسكري (شرق القاهرة)، في تكتم شديد، مع
التأكيد على الأهالي بعدم رؤية الجثة وسرعة الدفن".
وتساءل
اليوتيوبر المصري المعارض، عن أسباب عدم إعلان المتحدث العسكري المصري عن وفاة ما
قال إنه "عدد كبير من العساكر"، قبل أيام، ولا مكان ذلك وفي أي اشتباك،
مواصلا تساؤلاته عن "أسباب تهديد الأهالي حال نشر الخبر ودفن أغلبهم
فجرا".
وأكد أنه
"لازالت بعض الجثث بمستشفى كوبري القبة العسكري خاتما بقوله إن أغلب الجنود
"أشلاء في أكياس".
المتحدث العسكري لسه متكلمش عن فين مات العدد الكبير ده من العساكر المصريين امس وامس الاول!!- وف اي اشتباك؟!
— تامر جمال (الجوكر المصري) (@tamergamalhosny) November 7, 2023
وليه تهديد الاهالي بعدم النشر - ودفن اغلبهم فجرا!!
لازالت بعض الجثث بمستشفى كوبري القبة
من حقنا نعرف ماتوا فين!!
ولا لسه بتألفوا حادث!!
ولا نستنا الملثم يقول للمصريين ولادهم… [pic.twitter.com/PcDUSbcRot](http://pic.twitter.com/PcDUSbcRot "")
ونقل جمال، مقطعا مصورا من جنازة المجند محمد إبراهيم أحمد الحاج، من قرية صهرجت الصغرى، مركز أجا محافظة الدقهلية، (دلتا النيل).
[pic.twitter.com/RW6kfUgBeO](http://pic.twitter.com/RW6kfUgBeO "")
— تامر جمال (الجوكر المصري) (@tamergamalhosny) November 7, 2023
بل إن بعض المعارضين المصريين، وبينهم ضابط أمن الدولة السابق هشام صبري، أكد مقتل الرائد طيار أنطونيوس عبدالله حبيب، في صعيد مصر، مضيفا أنه قيل لأسرته إنه "مات في طلعة تدريبية"، متسائلا: ما السبب الذي يمنع المتحدث العسكري بأن يعلن عن وفاة طيار مات أثناء التدريب؟".
الشهيد رائد طيار/ أنطونيوس عبدالله حبيب، كالمعتاد قالوا لأهله إنه مات في طلعة تدريبية.
— Hesham Sabry هشام صبري (@heshamsabry01) November 7, 2023
يا ترى أيه السبب اللي يمنع المتحدث العسكري يعلن عن وفاة طيار مات أثناء التدريب؟@EgyArmySpox [pic.twitter.com/duHpMOl6T1](http://pic.twitter.com/duHpMOl6T1 "")
كما أن مطرانية الأقباط الأرثوذوكس في مدينة مغاغة بمحافظة المنيا (صعيد مصر)، قد نعت الرائد طيار أنطونيوس عبدالله حبيب، فيما نشر نشطاء مسيحيون صورا من العزاء، ومشاركة قائد القوات الجوية الفريق محمود فؤاد عبدالجواد، بالجنازة، وعزاء عائلة الطيار المصري.
بيان اخر و به صور الجنازة [pic.twitter.com/B15FJTzdFj](http://pic.twitter.com/B15FJTzdFj "")
— enggeogy sharqawy(Bent El Sisi) (@bentelsisi) November 7, 2023
وبمراجعة صفحة المتحدث العسكري عبر مواقع التواصل الاجتماعي بقيت صفحته خالية من أية أنباء عن قتل جنود وضباط مصريين حتى وقت كتابة هذا التقرير.
"أصابع الاتهام"
وإزاء حالة التكتم الرسمية حول مقتل هذا العدد من المجندين المصريين، تباينت الروايات حول حقيقة ما جرى ومكانه وأسبابه.
وعلى الفور وجه نشطاء مصريون أصابع الاتهام إلى الجانب الإسرائيلي، الذي يخوض عمليات إبادة جماعية عبر حرب دموية على حدود مصر الشرقية ضد أكثر من 2.3 مليون فلسطيني، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أودت بحياة أكثر من 10 آلاف من المدنيين.
ومنذ ذلك التاريخ استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي الجانب المصري من منفذ رفح بجانب منشآت عسكرية ومباني مدنية وعسكريين ومدنيين مصريين في رفع، مع وقوع انفجارين في نويبع وطابا بشبه الجزيرة المصرية، ما تسبب في سقوط جرحى، وفق الرواية المصرية، لكن روايات أخرى تشير لوقوع قتلى مصريين.
وكانت إسرائيل قد اعتدت خلال الشهر الماضي 4 مرات على الجانب المصري من معبر رفح المنفذ البري الوحيد لقطاع غزة في سيناء، حيث أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أن "إسرائيل استهدفت المعبر 4 مرات وترفض دخول المساعدات".
وفي 27 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، انفجر جسم بعدما سقط على سكن لأطباء مستشفى مدينة طابا الساحلية بجنوب سيناء، مسببا إصابة 6 مصريين، ليحدث انفجارا آخر بعد ساعات قرب محطة كهرباء مدينة نويبع جنوبي سيناء نتيجة سقوط صاروخ أطلقته مسيرة، وفق بعض الروايات.
المثير هنا توافق تلك المقاطع لجنازات المجندين المصريين واتهام نشطاء للجانب الإسرائيلي، مع شهادة أحد السائقين الذين يرتادون إحدى سيارات المعونة إلى قطاع غزة.
حيث أكد السائق، لـ"عربي21"، كشاهد عيان، "وقوع قصف إسرائيلي متكرر على الأراضي المصرية أدى إلى مقتل وإصابة العديد من المجندين"، موضحا أنه "لم يمكن حصرهم ولكن تمت مشاهدة العديد منهم"، مشيرا أيضا إلى "إصابة بعض الشاحنات القريبة من معبر رفح".
"تباين وغموض"
لكن، بعض المراقبين والمحللين الذين تحدثوا لـ"عربي21"، قالوا إنه لا يمكن الجزم بأن هؤلاء الجنود جرى قتلهم في سيناء، مشيرين لاحتمالات أن تكون تلك الجريمة بحق المصريين وقعت في السودان، الذي يشهد صراعا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ نيسان/ أبريل الماضي، وتم رصد وجود قوات ومعدات مصرية هناك منذ بداية الحرب.
كما يرجح أيضا المراقبين أن يكون قد جرى قتل المجندين خلال تدريب أو مهمة أو حادث، مشيرين إلى وجود تفاوت في الحديث عن عدد المجندين والبالغ نحو 60 مجندا وفق روايات نشطاء، بينما لم يتم نشر إلا عدد 3 مقاطع لثلاث جنازات، ونعي لضابط واحد، مؤكدين أن سياق الحدث غير واضح.
ولكن الراجح هنا هو وجود قتلى مجندين و4 جنازات إحداها لرائد طيار بالصعيد، بحسب مراقبين، الذين يرون أنه بغض النظر عن مكان مقتلهم في سيناء أو السودان أو في حادث تدريب أو حادث عادي، فإن المثير للجدل هنا هو صمت المتحدث العسكري وعدم إدلائه بأي تصريح عن الأمر.
"عربي21"، ولاستجلاء الأمر تحدثت إلى خبراء ومحللين مصريين عن تتابع عمليات التجاهل الرسمي لقتلى الجيش المصري، وعدم إعلان المتحدث العسكري أسماء ضحايا المجندين المصريين، وأسباب ومكان مقتلهم، وهو ما تكرر في مواقف عديدة سابقة، وكيف يفقد هذا التجاهل ثقة المصريين بجيش مصر؟.
"أزمة ثقة تتفاقم"
وفي رؤيته، قال السياسي المصري الدكتور عمرو عادل: "هناك أزمة ثقة تتصاعد وتكاد تعم غالب الشعب المصري مع ما تسمى المؤسسة العسكرية"، مضيفا أن "حجم التحديات التي تواجهها مصر والتي تسببت بها هذه المؤسسة أصبح واضحا للغاية".
رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى "أزمة (سد النهضة) الإثيوبي، وأزمة جزيرتي (تيران وصنافير)، والتنازل عن حقول (غاز المتوسط)، والآن أزمة غزة".
ضابط الجيش المصري السابق، أكد أن "كل هذه الأزمات المتسبب فيها هو غياب مؤسسة عسكرية حقيقية تدافع عن أمن مصر، فقد تحولت إلى عصابات مرتزقة"، معربا عن تعجبه، "بعد سقوط قتلى من الجيش المصري الآن، ولا نعلم أين؟، ومتى؟، ولماذا قتلوا؟".
ولفت أيضا إلى أن "زيادة الصراعات المسلحة المجهولة، كما حدث في العريش (اشتباكات مقر الأمن الوطني) في 30 آب/ أغسطس الماضي، تشير إلى تحول سريع لما تسمى المؤسسة العسكرية لميليشيا دون عقيدة عسكرية ولا هدف واضح لوجودها".
وقال: "يموت عشرات الجنود ولا نعرف سببا ولا هدفا ولا يخبرنا أحد مما تسمى المؤسسة العسكرية أين مات جنود مصر، والخلاصة أن ما تسمى المؤسسة العسكرية لم تعد تكترث بوجود الشعب وهي تعتبره عبئا عليهم لذلك لا يهم إخبارهم بشيء".
وختم عادل بالقول: "كذلك تتضاعف الآن عند الشعب إدراكه بحقيقة تلك المؤسسة، والتي بلاشك أصبحت مفرزة متقدمة لجيش الاحتلال الصهيوني لحماية الكيان من الشعب المصري، وكذلك حصار المقاومة في غزة، ولتعمل لصالح الكيان على حساب مصر والأمة كلها".
"شديد السوء والسلبية"
الباحث المصري في الشؤون العسكرية محمود جمال، قال إنه "بشكل عام أصبحت استراتيجية المؤسسة العسكرية التعتيم التام على أي أحداث، وذلك الأمر شديد السوء والسلبية".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أنها استراتيجية "تجعل الأقاويل والإشاعات تزداد، وهذا تهديد حقيقي للأمن القومي على عكس ما يراه نظام السيسي بأن التعتيم هو الأسلوب الأمثل حفاظا على الأمن القومي".
وبين أنه خلال الفترة الماضية، تجاهلت المؤسسة العسكرية أحداث أحدثت بلبلة في الشارع المصري بشكل كبير، على الرغم من تناولها في الإعلام العالمي، وذلك الأمر بمرور الوقت سيفقد الشارع المصري الروايات الرسمية التي ستصدر من مؤسسات الدولة".
"تعتيم لهذا السبب"
وفي تعليقه، قال الباحث المصري في الشؤون الأمنية أحمد مولانا، خلال الشهور الماضية وقعت عدة حوادث والمتحدث العسكري ووزارة الداخلية لم تعلق عليها، مثل حادث الاشتباكات في مقر الأمن الوطني في العريش 30 آب/ أغسطس الماضي، والتي قتل فيها 8 أفراد على الأصل وأصيب العشرات".
مولانا، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "كذلك حريق مديرية أمن الإسماعيلية 2 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، الداخلية نشرت بيانا حول وجود مصابين، لكن وسائل التواصل الاجتماعي نشرت أنباء عن وفيات ونعي لأكثر من 13 ضابطا وجنديا".
وأكد أنه "بالتالي يبدو أن هناك سياسة وتوجه لدى النظام بغض الطرف عن تناول أية خسائر أو تفاصيل حول أية اشتباكات أو حوادث أو أزمات تحدث بمصر".
وفي ظن الباحث المصري فإن "هذا الحرص على التعتيم والحرص على عدم المكاشفة هي سياسة ملحوظة الفترة الأخيرة، حتى في الأزمات الاقتصادية، وكل ما يمثل إخفاق أمني أو إخفاق عسكري كان يتم التعامل معه بنمط التعتيم والإخفاء وعدم المكاشفة".
ويعتقد أن الهدف هو "لكي لا يظهر النظام بصورة محرجة له أو تضعه بعض الحوادث في حرج، في ظل الحوادث التي وقعت في حرب السودان في نيسان/ أبريل الماضي، من تدمير طائرات عسكرية مصرية ومعدات كانت في قاعدة مروي، والقبض على جنود مصريين هناك بشكل مهين من قبل قوات الجنجويد".
وتابع، الباحث المصري، "وكذلك الأحداث التي تحدث حاليا في غزة وقصف برج حرس الحدود التابع للجيش المصري، ووقوع عدد من الإصابات لأفراد الجيش، ما يسيء لسمعة النظام، وظهوره بمظهر العاجز عن حماية الجنود المصريين".
وأوضح أنه "وبالتالي يكون الحل الذي يلجأ له هو إخفاء التفاصيل لتلك الأحداث والتعمية عليها سواء حدث بعضها بشكل قدري أو بشكل مفتعل".
وختم مولانا بالقول: "ومازلت الأحداث الأخيرة أو الإشارة لوجود عدد كبير من القتلى وتشييع جنازات مجندين وطيار غير واضح بالضبط ماذا حدث لهم؟، وأين؟، وأظنها سياسة سيواصلها النظام الفترة الحالية والتي بدأها بداية العام الجاري بشكل كبير".
لماذا تترك حكومة السيسي تجار الأرز يتلاعبون بالأسعار؟
لماذا سقطت انتخابات الرئاسة من حسابات المصريين في الخارج؟
استطلاع رأي يؤكد أن نسبة مؤيدي السيسي برئاسيات مصر أقل من 2 بالمئة