"بينتقموا منا بالأولاد؟ معلشش، إنا لله وإنا إليه راجعون" هي أكثر من مجرد جملة للتعبير عن الصبر في عمق الحزن، لكنها باتت رمزا للصمود؛ توجّهت من مدير مكتب الجزيرة في
غزة ومراسلها،
وائل الدحدوح، لتصل لقلوب الملايين من الناس، في كافة بقاع الأرض.
وتجسيدا منه لكافة معاني الصمود والقوة، قال الدحدوح، بعد استشهاد 12 فردًا من عائلته، بينهم زوجته وأبناؤه وأحفاده، إثر قصف الاحتلال منزلين في مخيم النصيرات سكنته عائلته بعد تهجيرهم من غزة، أوضح الدحدوح: "دموعنا دموع إنسانية وليست دموع جبن وانهيار، فليخسأ جيش الاحتلال"، قالها وهو حامل طفلته بين ذراعيه، في مشهد يبرز وحشية الاحتلال.
بعدها بساعات قليلة، ظهر وائل، بصمود وثبات، على شاشة قناة "الجزيرة" من أجل مواصلة أحداث قصف الاحتلال الإسرائيلي على غزة، في انتهاك صارخ لكافة القوانين الدولية الإنسانية.
من هو وائل الدحدوح؟
ولد وائل، يوم 30 أبريل 1970، في حي الزيتون، وهو الذي يعتبر أقدم أحياء مدينة غزة، وعاش في كنف أسرة ميسورة الحال؛ فيما قضى شبابه في سجون الاحتلال الإسرائيلي لمدة سبعة أعوام، وذلك بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة عام 1988.
حصل وائل على شهادة ثانية للثانوية العامة في السجن الإسرائيلي، ثم على بكالوريوس في الصحافة والإعلام من الجامعة الإسلامية في غزة عام 1998، بعد أن قام الاحتلال بمنعه من السفر للدراسة في الخارج تخصص "الطب" الذي كان يطمح إليه؛ ثم حصل على درجة الماجستير في الدراسات الإقليمية من جامعة القدس أبوديس عام 2007.
وائل الدحدوح هو مدير مكتب قناة "الجزيرة" في غزة، بدأ عمله الصحفي قبل ما يناهز 25 عاما، قضى جُلّها في تغطية أحداث فلسطين، من سنة 1998، ثم أحداث انتفاضة الأقصى عام 2000، إذ كان يشتغل لصالح قناة "سحر" الفضائية، ليتميز بصفته مراسلا لصحيفة "القدس" الفلسطينية، ثم مراسلا لقناة العربية عام 2003، قبل أن يلتحق بقناة "الجزيرة" عام 2004.
لم يترك وائل، ميدان المعركة أبدا، حتى بعد استشهاد عائلته، التي عرف خبرها وهو على الهواء مباشرة، فقال: "القصف الإسرائيلي استهدف عائلتي في منطقة تبعد عن شمال غزة الذي طلب جيش الاحتلال إخلاءه"؛ وقبلها سطع نجمه مع عدد من التغطيات التي تعتبر "خطرة"، غير أنه نجح خلالها في فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته المتكرر في القطاع، وأيضا غطّى عمليات اغتيال الاحتلال لمجموعة من أبرز الشخصيات الفلسطينية، أبرزهم الشيخ أحمد ياسين وشقيقه.
"غزة تنتصر"
لعل أبرز ما علق بالمشاهد العربي الذي يعرف وائل الدحدوح، منذ سنوات، هو تغطيته لأكثر الحروب التي مرّت تعقيدا، وهي "الحرب الثالثة" التي استمرت لمدة 51 يوما، في عام 2014، وما تلاها من حلقات سميت بـ"غزة تنتصر".
كذلك، عمل الدحدوح على إنتاج عدد من الحلقات عن "أنفاق المقاومة في غزة"، وآخر عن "عمليات المقاومة خلف خطوط جيش الاحتلال الإسرائيلي" خلال حرب عام 2014 نفسها. وكان صاحب أول تقرير على الهواء مباشرة في أولى حلقات برنامجه "الجزيرة هذا المساء" من قلب بلدة بيت حانون خلال تعرضها لاجتياح إسرائيلي.
وقال الدحدوح، خلال حوار صحفي معه سابقا: "دور الأب مفقود في مهنة الصحافة.. فعندما يحتاجك أولادك يفتقدون وجودك، وهذا شيء مؤلم جدا"؛ ليقول بعدها بسنوات، في تصريح لقناة "الجزيرة" التي يشتغل فيها: "من الواضح أن مسلسل استهداف الأطفال والنساء والمدنيين مستمر، وكنت تحدثت عن الغارات الإسرائيلية التي استهدفت كل المناطق، بما فيها منطقة النصيرات، وكانت تراودنا بعض الشكوك بأن الاحتلال الإسرائيلي لن يترك هؤلاء دون عقاب، ومع الأسف هذا الذي حدث، وهذه هي المنطقة التي قال عنها الاحتلال الأخلاقي إنها آمنة".
وأضاف وائل: "القصف الإسرائيلي استهدف عائلتي في منطقة بعيدة عن شمال غزة الذي طلب جيش الاحتلال إخلاءه" متابعا: "ينتقمون منا بالأولاد، دموعنا دموع إنسانية وليست دموع جبن وانهيار، فليخسأ جيش الاحتلال".