بينما يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عُدوانه العشوائي على
غزة، في انتهاك تام لكافة القوانين الإنسانية، ويرتكب عددا لا متناهيا من جرائم الحرب، يستمر اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي في التهاوي، مؤديا بذلك ثمنا غاليا، قد يقضي على بنيته قريبا.
ورصدت "عربي21" منذ اليوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، حين قصفت المقاومة
الفلسطينية محيط مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب، كيف بدأ اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي في التراجع، انطلاقا من إلغاء عدد كبير من شركات الطيران رحلاتها نحو إسرائيل، وإغلاق كافة محلات البقالة والمقاهي والصيدليات، في جميع أنحاء دولة الاحتلال.
اقتصاد يتهاوى..
على لسان كبير الخبراء الاقتصاديين، ميتاف أليكس زابيزينسكي، كشفت هيئة الاستثمار التابعة للاحتلال الإسرائيلي، عن تجاوز خسائر الاحتلال الإسرائيلي حد 70 مليار شيكل، وهو ما يعادل 17 مليار دولار، أي ما نسبته 3.5% من الناتج المحلي للاحتلال الإسرائيلي، مشيرا لكون هذه الخسائر هي مقدرة فقط خلال 17 يوما منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى".
وتابع زابيزينسكي، بأن هذه التقديرات تعتبر الأعلى من تقديرات بنك إسرائيل ووزارة الخزانة غير الرسمية، التي تراوحت بين 2 و3% من الناتج المحلي الإجمالي، مؤكدا أنه بحساب خسارة الدولة من عائدات الضرائب، يعتمد على تقديرات انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5%، أي ما يعادل 28 مليار شيكل نحو 7 مليارات دولار، متوقعًا ارتفاع العجز إلى 14 مليار دولار خلال شهرين فقط من بند الضرائب.
وقال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، إن "التكلفة المباشرة للحرب على قطاع غزة، تقدر بمليار شيكل، أي ما يناهز 246 مليون دولار يوميا" مضيفا أن "ميزانية عام 2023-2024 لم تعد مناسبة، وسيجري تعديلها".
وتابع سموتريتش، خلال مقابلة له مع إذاعة "جيش الاحتلال"، الأربعاء، بأنه لم يقيّم بعد التكاليف غير المباشرة على الاقتصاد، الذي دخل حالة شلل جزئي بفعل التعبئة الجماعية لجنود الاحتياط، والهجمات الصاروخية الفلسطينية. ناهيك عن إلزامية وزارة المالية، في "الحفاظ على وتيرة اقتراض شهرية تبلغ 12 مليار شيكل، أي حوالي 2.9 مليار دولار، في سوق السندات المحلية، إضافة إلى جمع 25 مليار شيكل، أي 6.1 مليارات دولار، من أسواق الدين الخارجية".
شلل يلوح في الأفق
من الأضرار التي لحقت بالنشاط الاقتصادي، رصدت "عربي21" هبوط مؤشر بورصة تل أبيب، بنسبة وصلت إلى 6.65% خلال التعاملات، قبل أن يغلق بنسبة 8.04%، وذلك في الأيام الأولى فقط من عملية "طوفان الأقصى"، فيما تراجعت عملة "الشيكل" إلى أدنى مستوى له منذ 7 سنوات كاملة.
كذلك، تراجعت أسعار كافة الأسهم والسندات الإسرائيلية، فيما أغلقت جُملة من الشركات أبوابها، منذ أسبوعين، وانخفضت أسعار السندات الحكومية بنسبة 3%، وإلغاء شركة "نفيديا"، التي تعتبر أكبر مصنّع للرقائق المستخدمة في الذكاء الاصطناعي في العالم، لقمة الذكاء الاصطناعي التي كان من المقرر انعقادها في قلب دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت صحيفة "ذا تايمز أوف إسرائيل"، في مقال لها، ترجمته "عربي21" إن "كلفة الحرب بين إسرائيل وقطاع غزة تقدر بما لا يقل عن 27 مليار شيكل (6.8 مليارات دولار) حتى الآن، وفقا للتوقعات الأولية لبنك هبوعليم الإسرائيلي التي تأخذ في الاعتبار الاستدعاء الكبير والواسع النطاق لـ 300 ألف جندي احتياطي الذين يجب عليهم ترك وظائفهم والتوجه لساحة المعركة، وهي أكبر تعبئة منذ حرب العام 1973".
سياحة وتسوّق يُعانقان الحضيض
تراجع اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" بتاريخ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لم يستثن مجالا إلا وأصابه بالضربة القاضية، من قبيل السياحة التي باتت في الحضيض، حيث أبلغت الفنادق عن إلغاء الحجوزات المستقبلية من قبل كافة السياح، بينما نصحت عدد من الدول مواطنيها بعدم السفر إلى دولة الاحتلال، كما قامت أخرى بإعادة سياحها من هناك، منها: بريطانيا واليونان.
وتوقع عدد من المختصين في الاقتصاد عبر العالم، استمرار اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي في تلقّي الضربات الكبيرة من كافة النواحي، مع تزايد عمليات إلغاء جُل الرحلات الجوية؛ وأشارت بيانات حديثة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن "السياحة تشكل 3.6% من إجمالي العمالة".
كذلك، كشفت شركة الملابس "إنديتكس" وهي مالكة العلامة التجارية "زارا"، عن إغلاق "مؤقت" حتى إشعار آخر لكافة متاجرها البالغ عددها 84 متجرا في دولة الاحتلال، وكذلك الأمر بالنسبة لكل من محلات "بول أند بير" و"بيرشكا" و"ستراديفاريوس" و"ماسيمو دوتي" و"زارا هوم"؛ وبدورهم، أعلن أصحاب المطاعم في دولة الاحتلال الإسرائيلي، عن توقفهم عن أداء الضرائب، انطلاقا من تاريخ 15 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بمبرر توقف أعمالهم.
حملات مُقاطعة مُستمرة..
في ظل استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي الأهوج والوحشي على غزة، أعلن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، من كافة ربوع العالم، عن حملة مقاطعة شاملة لكافة المنتجات الصادرة من دولة الاحتلال، أو من الدول الداعمة له، باعتبارها سلاحا اقتصاديا في مواجهة العدوان الغاشم.
وعلى رأس الشركات الداعمة للاحتلال، التي تلقّت صفعة المقاطعة، "ماكدونالدز" للوجبات السريعة، منذ اللحظة الأولى من إعلان فرعها في إسرائيل، بتاريخ 12 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، عن تقديم "وجبات مجانية" للجيش الإسرائيلي؛ ورغم مُحاولات باقي الفروع المتواجدة في كافة الدول العربية تبرئة أنفسهم، إلا أن المقاطعة طالتهم، وأدّت إلى تسارع نسبة خسارتهم.
وتداول عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل متسارع طيلة الأيام الماضية، أرقام "الباركود" التي تكون ملصقة على المنتجات الواردة من دولة الاحتلال، والتي تبدأ بأرقام 729، وذلك من أجل استمرار نشر الوعي بين المستهلكين. ناهيك عن متابعتهم لزيادة خسائر هذه الشركات.
للحرب كُلفة ثقيلة على الاحتلال
قال كبير استراتيجيي الأسواق المالية في بنك هبوعليم، مودي شفرير، إنه بالنظر إلى تكاليف الحروب السابقة، يمكن التقدير أن "كلفة الحرب الحالية سوف تصل إلى ما لا يقل عن 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يناهز على الأقل 27 مليار شيكل، أي ما يعادل 6.8 مليارات دولار. بما يعني زيادة في العجز المالي بما لا يقل عن 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المقبل"؛ وذلك وفقا لموقع "غلوبس".
وفي سياق متصل، مسّ القلق عددا من الدول، من بينها الهند وعدة دول خليجية، حيث تعثر مشروع الممر الاقتصادي، الذي يمر عبرها، وصولا إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي ومن ثم إلى أوروبا، بدعم أمريكي، فيما تشير عدد من المصادر إلى كون هذه الحرب تسعى إلى "إفراغ غزة من سكانها لتمرير المشروع، حيث أن المقاومة الفلسطينية أصبحت عائقا أمام هذا الممر".
إلى ذلك، لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يتكبد أيضا جُملة من الخسائر بالنظر إلى كلفة العملية العسكرية التي تشمل تكلفة التعبئة العامة، وتكاليف عشرات الآلاف من أطنان القنابل التي تقصف بها الطائرات ومئات الصواريخ غزة، ومئات الصواريخ المضادة للصواريخ مثل باتريوت، حيث إن تكلفة صاروخ باتريوت واحد تقدر بـ 3 ملايين دولار، بالإضافة إلى كافة تكاليف الطلعات الجوية المرتفعة جدا، ناهيك عن الصيانة اللازمة لكل طائرة بعد كل طلعة.
وتكبد الاحتلال أيضا، تكاليف وخيمة عن توقف كافة الموانئ عن العمل التام، لا سيما موانئ عسقلان وأسدود وتل أبيب، وهي أكبر موانئ إسرائيل، فيما تم إيقاف شركات الشحن العالمية كافة رحلات سفنها لموانئ دولة الاحتلال؛ فضلا عن توقف صادرات الغاز الطبيعي إلى مصر ومنها إلى أوروبا، وتوقف الاستثمارات الجديدة في البحث عن الغاز.