دعا حقوقيون وبرلمانيون وسياسيون
مصريون وبريطانيون إلى كشف الحقيقة كاملة حول ما جرى في
ميدان رابعة العدوية بمصر قبل عشرة أعوام، وإنصاف الضحايا ومحاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم.
جاء ذلك في حلقة نقاش انتظمت مساء أمس الخميس في العاصمة البريطانية
لندن على هامش عرض فيلم وثائقي، هو الأولمن نوعه عن
مذبحة رابعة في ذكراها السنوية
العاشرة بعنوان: "ذكريات مذبحة".
عرض الفيلم الوثائقي، الذي أعدته منصة "إيجيبت ووتش"،
وحضرته "عربي٢١" القصة الكاملة لثورة ٢٥ من يناير ٢٠١١في مصر، التي
انتهت بإسقاط حكم الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، ومهدت لانتخاب أول رئيس مدني
في مصر، بطريقة ديمقراطية شهد العالم أجمع بنزاهتها قبل أن تنتهي بمجزرة راح ضحيتها
مئات الضحايا في ميدان رابعة بمصر، بعداعتصام سلمي شارك فيه عشرات الآلاف من أنصار
الرئيس المصري الراحل محمد مرسي.
"ذكريات مذبحة"، الذي ينتمي لصنف الأفلام الوثائقية، استند إلى
شهادات حصرية تعرض لأول مرة ليس فقط لأهالي الضحايا، وإنما للناجين وشهود العيان، بما في ذلك كريج سامرز -
رئيس الأمن في سكاي نيوز؛ مصعب الشامي - مصور أسوشيتد برس وديفيد كيركباتريك، مدير
مكتب نيويورك تايمز بالقاهرة وقت المجزرة.
على مدى ساعة كاملة، تابع عشرات من النشطاء المصريين المهاجرين وعدد
من البريطانيين المعنيين بملفات حقوق الإنسان أهم المحطات السياسية التي مرت بها
الثورة المصرية، التي ألهمت ليس الشعب المصري وحده، وإنما الشعوب العربية
والأفريقية دروسا بليغة في السلمية التي أطاحت بنظام مبارك والتأسيس لانتخاب أول
رئيس مدني حكم مصر، وأول انتخابات رئاسية ديمقراطية في الشرق الأوسط.
وبقدر ما كان الإنجاز كبيرا لجهة إسقاط جدار الخوف الذي طبع الحياة
السياسية في مصر والعالم العربي على مدى عقود دولة الاستقلال الحديثة والمعاصرة،
بقدر ما كان الثمن باهظا من دماء وأرواح المصريين. ذلك هو ما انتهت إليه الثورة
المصرية في ميدان رابعة، الذي مثلت المذابح التي نقلها الفيلم الوثائقي وما تضمنه
من شهادات حية لعائلات الضحايا، وعلى رأسهم والدة أسماء البلتاجي ابنة القيادي في
إخوان مصر محمد البلتاجي، وقصة مئات الأطباء والمسعفين المصريين الذين قضوا برصاص
الجيش والأمن المصريين بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي.
لم نأت للبكاء ولكن لكشف الحقيقة
بعد عرض الفيلم انتظمت حلقة نقاش أدارها الإعلامي المصري أسامة جاويش
رئيس تحرير منصة إيجيبت ووتش" وشارك فيها كريسبين بلانت، عضو محافظ بالبرلمان
البريطاني، ورئيس سابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم، وداليا فهمي، أستاذة
مشاركة في العلوم السياسية بجامعة لونغ آيلاند، الولايات المتحدة الأمريكية، بيتر
أوبورن، صحفي بريطاني وكاتب عمود ومؤلف ومعلق سياسي حائز على جوائز في التلفزيون
والراديو، وعمرو مجدي، باحث أول، قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس
ووتش، وإليزابيث نوجنت، أستاذة مساعدة في السياسة بجامعة برينستون، الولايات
المتحدة الأمريكية، وخالد شلبي، شاهد عيان على مجزرة رابعة، وصحفي في ميدل إيست آي.
وقال أسامة جاويش في حديث مع
"عربي٢١": عندما فكرنا في
الفيلم من الأساس كان هدفنا ليس فقط كشف الحقيقة فيما جرى للديمقراطيين المصريين في
مواجهة الدكتاتورية، والعمل على إنصاف الضحايا ومحاسبة المسؤولين عما تم ارتكابه
من جرائم، وإنما أيضا استخلاص الدروس والعبر من الماضي والتفكير في المستقبل".
وأضاف: "لم نأت هنا للبكاء واللطم وذرف الدموع، مع أنني شخصيا
كنت هناك في الميدان، وكنت شاهدا على مجزرة مازالت أحداثها ماثلة في ذاكرتي، وإنما
جئنا للتفكير في المستقبل الذي يقوم على فهم الماضي".
من جهته، قال خالد شلبي في حديث مع
"عربي٢١": "لا شك
أن الجانب الإنساني يبقى هو الأهم في أي تجربة سياسية، والحديث عن مذبحة ميدان
رابعة يختزل بالفعل حلم أجيال من المصريين في الحرية والكرامة. وقد أتيت لهذه
الحلقة النقاشية لأقدم شهادتي عما عايشته من أحداث في اعتصام رابعة، وأيضا للبحث عن
سبيل للمستقبل يجمع بين إنصاف المظلومين والبناء للحرية".
أما عمرو مجدي، الباحث الأول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، فقد أكد في حديث
مع"عربي" أن تقادم الزمن لمذبحة ميدان رابعة لا يعني طي الملف، واستشهد
بتجارب دولية سابقة جرت في دول أمريكا اللاتينية، لم تسقط فيها جرائم حقوق الإنسان
بالتقادم.
وقال: "مصر لن تكون نشازا في التاريخ، وبالتأكيد، فإن مسؤولية
محاسبة المتهمين بارتكاب جرائم بحق المصريين ليست مسؤولية عوائل الضحايا والسياسيين
المصريين وحدهم، وإنما أيضا مسؤولية المؤسسات الحقوقية الدولية وأنصار الحرية
في العالم".
مسؤولية الغرب في إسناد الدكتاتوريات
مسؤولية المجتمع الدولي في إنصاف ضحايا الانتقال الديمقراطي في مصر، أبرزتها مشاركة كل من كريسبين بلانت، العضو المحافظ بالبرلمان البريطاني، والرئيس
السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم، وداليا فهمي، الأستاذة المشاركة في
العلوم السياسية بجامعة لونغ آيلاند، الولايات المتحدة الأمريكية، وبيتر أوبورن،
الصحفي البريطاني وكاتب العمود وإليزابيث نوجنت، الأستاذة المساعدة في السياسة بجامعة
برينستون، الولايات المتحدة الأمريكية.
لم يمنعهم اختلاف مواقعهم من الإجماع على إنكار الانقلاب في مصر
وانتقاد المواقف الغربية الرسمية، التي راعت مصالح البلدان الغربية وتجاهلت القيم
الديمقراطية.
وأكدوا أن ما جرى في مصر لم يكن في نهاية المطاف استهدافا للإسلام
السياسي وللإخوان كما تم الترويج لذلك، وإنما لتجربة ديمقراطية. ولأن العمل
السياسي والحقوقي عمل تراكمي، فإن الأمل بالمستقبل يبقى قويا كما قالت داليا فهمي.
من جهته أكد أسامة رشدي، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان السابق في مصر، أن "مجزرة رابعة التي قتل فيها أكثر من ألف من المعتصمين السلميين في 8 ساعات قبل عشر سنوات، وإصابة آلاف غيرهم، لم تكن المجزرة الوحيدة التي ارتكبها الانقلابيون في مصر، بل كانت فقط المجزرة الأكبر".
أسامة رشدي
وأوضح رشدي في حديث مع
"عربي21"، أن "الحقائق حول هذه المجزرة تكشفت خلال السنوات الأخيرة وشهادات كل من أدار الوساطات والمفاوضات، وما سجله الدكتور محمد البرادعي في بيانه المنشور في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 وما شهد به وزير الخارجية القطري الأسبق خالد العطية، وما سجله الكاتب الأمريكي ديفيد كيركباتريك في كتابه "في أيدي العسكر"، وغيرها من الشهادات الموثقة، تؤكد أن هذه المذابح كانت مقصودة لسحق القوى التي انتخبها الشعب في أول انتخابات ديمقراطية حرة جرت في مصر خلال الـ 71 عاما الأخيرة".
وأضاف: "لم يكن هناك أي مبرر لها، حيث جرى التوافق يوم 13 على تخفيف حدة التوتر والاتفاق على حل سياسي، كما قال د. البرادعي الذي يفترض أنه كان وقتها نائب رئيس الجمهورية، ومن يقوم بالتفاوض وقال؛ إنه فوجئ بما حدث".
وحول الفيلم الوثائقي، قال رشدي: "الفيلم التسجيلي عالي المستوى الذي حضرنا عرضه الأول هو وثيقة من آلاف الوثائق، التي رصدت ووثقت هذه الجريمة ضد الإنسانية التي لن تسقط بالتقادم، بل سيظل الشعب المصري يناضل، ويطالب بتحقيق العدالة لهؤلاء الضحايا ويوجهون أصابع الاتهام لكل من تآمروا لحرمان مصر من خيارها الديمقراطي السلمي والحضاري، واستخدموا صناديق الرصاص لتدمير صناديق الانتخاب التي عبر من خلالها الشعب المصري عن شرعيته بكل حرية".
وأشار رشدي في ختام حديثه إلى مذابح الانقلاب؛ سواء بالرصاص أو بأعواد المشانق أو بقتل النشطاء السياسيين خارج القانون، أو فتح السجون لعشرات الآلاف من القيادات السياسية والنشطاء في ظروف غير إنسانية. كل ذلك لايزال يشكل جملة من الجرائم ضد الإنسانية المستمرة طوال هذه العشرية السوداء من حكم هذا الانقلاب، الذي يغرق الآن في فشله؛ فدمر الاقتصاد وأفقر الشعب وأذله، بعد أن دمر العدالة وحقوق الإنسان في مصر"، وفق تعبيره.
اقرأ أيضا: عرض مؤثر لوثائقي عن مجزرة رابعة يخطف الأضواء في لندن