ملفات وتقارير

موكب أسطوري لحزب العرجاني وحشد للفقراء يستفزان المصريين.. ماذا يجري؟

تجاوز نفوذ العرجاني سيناء إلى كافة أرجاء مصر- إكس
أعرب ناشطون مصريون عن غضبهم الشديد من حجم موكب قيادات حزب "الجبهة الوطنية" المرتبط باسم رجل الأعمال السيناوي، إبراهيم العرجاني، والمولود الجديد بدعم من حكومة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، الذي يجوب أحياء القاهرة، وسط عدد كبير من سيارات الدفع الرباعي وسيارات نصف نقل من الأغلى ثمنا، مع حافلات تقلّ حشودا من الأهالي.

المشهد الذي يأتي على طريقة موكب العرجاني في سيناء، والذي وصفه البعض بـ"المهيب" ويفوق موكب السيسي، عبرّت عنه الصحفية المصرية، مي عزام، عبر  منشور لها على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "شاهدت رصة من السيارات النصف نقل الجديدة وغالية الثمن، تحمل شعار واسم حزب الجبهة الوطنية في شارع التسعين بالتجمع الخامس وكذلك أتوبيسات ركاب ضخمة جديدة".



كذلك، أعلن عدد من الناشطين على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، في مصر، عن غضبهم، جرّاء تجميع آلاف المصريات من الفقراء، ومن الذين يحصلون على معاش تكافل وكرامة، أمام مقرات الشهر العقاري، في جميع أنحاء مدن مصر، لعمل توكيلات للحزب الجديد، ما اعتبروه: "امتهانا لكرامة نساء معدومات، واستغلالا سياسيا لحاجتهن".

موكب حزب العرجاني، (رئيس اتحاد القبائل والعائلات المصرية)، وتجمعات نساء معدمات، دفعا البعض للتساؤل حول أسباب دعم النظام للحزب الجديد بفتح أبواب مكاتب "الشهر العقاري" الحكومية لجمع ملايين التوكيلات من البسطاء، رغم غلق ذات المكاتب أمام السياسي المسجون حاليا، أحمد الطنطاوي، وفق شكاوى المرشح الرئاسي، بمواجهة السيسي، خلال انتخابات العام الماضي.

البعض الآخر، ذهب حد التساؤل حول ما إذا كان تأسيس مثل هذا الحزب في هذا التوقيت الذي يُنعت بـ"الصّعب" الذي يواجهه نظام السيسي، محليا وإقليميا ودوليا، ضمن خطط مستقبلية لوصول الحزب إلى السيطرة على مقاعد البرلمان المحتملة في أيلول/ سبتمبر المقبل، ثم تبنيه تعديلات دستورية جديدة، تُبقي على السيسي في حكم البلاد مدى الحياة أو منح السلطة لأحد أبنائه.



وفي السياق نفسه، أكّد الناشط المصري، محفوظ الطويل، أنه شاهد مشهد حزب الجبهة الجديد على كورنيش النيل في المنيل، الاثنين الماضي، مشيرا إلى توقعاته بأن "يكون تأسيس مثل هذا الحزب الغريب هو تخطيط لتعديل الدستور تعديلا فجا مريبا".

وكان السيسي قد أجرى تعديلات دستورية واسعة في نيسان/ أبريل 2019، تبناها حزب السلطة الحالي "مستقبل وطن"، والتي منحت السيسي حكم مصر عامين إضافيين على مدة حكمه الثانية (2018- 2024)، وجعلت من حقه الترشّح لولاية ثالثة مدتها 6 سنوات حتى 2030، بجانب صلاحيات أخرى أثارت جميعها غضب المعارضة.

كذلك، يتخوّف البعض من تحويل بعض المسلحين والخارجين سابقا على القانون من تجار المخدرات ومهربي السلاح إلى شخصيات سياسية، تنال الشرعية والوجاهة من قبل النظام وتحويل أعمالهم غير المشروعة إلى كيانات رسمية ما يزيد تغولها، بحسب مراقبين.

وقال الباحث المصري في الشؤون العسكرية، محمود جمال: "في الوقت الذي تتجول فيه جماعات بعربيات دفع رباعي في شوارع القاهرة بدعوى أنها حزب سياسي؛ سعت القيادة العامة السورية بقيادة أحمد الشرع منذ اللحظات الأولى لاتفاق مع قادة الفصائل لحل جميع الجماعات المسلحة ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع"، مشيرا إلى أن "الجماعات المسلحة هي ضد مفهوم الدولة".


وأكد رئيس حزب "الخضر المصري" محمد عوض، أن "أولى سمات جماعات العنف والإرهاب، امتلاكها أساطيل من سيارات الدفع الرباعي".



أما بخصوص مشهد سيارات حزب "الجبهة الوطنية"، وقدرتهم على حشد البسطاء من المصريين أو "حزب الكنبة"، كما يُطلق على جل المصريين، نفى أحد أعضاء حزب "مستقبل وطن"، أي احتمال لتأثر الحزب، موضحا أن نائب رئيس الحزب، أحمد عبد الجواد، قد شارك قيادات الحزب الجديد احتفالهم بتدشين "الجبهة الوطنية"، مردفا: "لكل منا استعداداته وإمكانياته وأرضه التي يعمل فيها".

"التمويل وغسل السمعة"
اعترف عضو اللجنة التأسيسية لحزب الجبهة الوطنية، ووكيل البرلمان السابق، سليمان وهدان، بأن تمويل الحزب يتمّ عن طريق رجال أعمال وشركات، مُعلنا خلال لقاء بفضائية "ON"، أنّ: "أهم الممولين من رجال الأعمال، هم: كامل أبوعلى، ومحمد أبوالعنين،  وإبراهيم العرجاني، وشخصيات أخرى مثل أيمن الجميل".

إثر ذلك، تجري عملية تغطية واسعة على ما يوصف بـ"جرائم العرجاني وغسل سمعة أسرته التي جرى اتهام بعضهم بالتجارة في المخدرات والسلاح وباحتجاز ومحاصرة والهجوم والاعتداء على قوات الشرطة المصرية في سيناء، عام 2008".

وقال سليمان وهدان، إن: "العرجاني الذي يشارك ابنه عصام العرجاني في الهيئة التأسيسية للحزب، ضحّى بابنه وسيم، وأخيه أحمد في محاربة الإرهاب، وذلك على غير حقيقة ما جرى من وقائع وأحداث، سجلتها الصحف المحلية".

ولقي وسيم العرجاني، وهو في عمر الصّبا، مصرعه وثلاثة آخرين، إثر حادث سير بطريق (القاهرة- الإسماعيلية) بتاريخ 21  آب/ أغسطس 2020، كما قُتل أحمد العرجاني، (28) عاما شقيق إبراهيم العرجاني، بتاريخ 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، في سيناء، على: "يد قوات الأمن التي اتهمته بتهريب السلاح من حدود دولة الاحتلال الإسرائيلي"، وفق ما نشره الموقع الإخباري المصري "اليوم السابع".

وأبرز الموقع نفسه أن "قبيلة العرجاني فرضت "الترابين" حصارا مسلحا حول نقطة شرطة المدفونة بشمال سيناء، واحتجزوا 11 من رجال الشرطة داخلها"، وهي الأحداث التي تلاها أيضا توقيف إبراهيم العرجاني والحكم عليه بالحبس مدة عامين.

مصر التي تواجه منذ عام 2013، ما يصفه عدد من الناشطين بـ"غلق للمجال العام والتضييق على عمل السياسيين والجمعيات الأهلية والأحزاب وتفريغ لها من أدوارها السياسية والمجتمعية، وتعامل أمني مع سياسييها، وفق رصد حقوقي، بها نحو 120 حزبا بعضهم تحت التأسيس ينتظر قرار لجنة شؤون الأحزاب باعتماده رسميا، لكنه ووفق موقع الهيئة العامة للاستعلامات هناك نحو 87 حزبا مقننا".

لكنه وعلى غير المتوقع ظهر في 3 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وبأحد فنادق شرق القاهرة تجمّع تحت اسم "اتحاد مصر الوطني"، على غرار اسم اتحاد القبائل العربية المثير للجدل، والذي يقوده العرجاني، بتشكيل مجلس رئاسي له من 5 شخصيات سياسية، إلى جانب وزراء ومحافظين سابقين وبرلمانيين حاليين وشخصيات عامة.

وإزاء الانتقادات الحادّة التي طالت اسم الحزب المقترح، فقد تم تغيير اسم الحزب من "اتحاد مصر الوطني"، إلى حزب "الجبهة الوطنية"، في 30 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وهو ما أعاد للواجهة مجددا رئيس مجلس النواب المصري السابق المختفي لنحو 4 سنوات، علي عبد العال، وضمّ شيخ الطريقة الأحمدية الإدريسية السيد الإدريسي.

وإلى جانب العرجاني، هناك 4 وزراء سابقين للإسكان، والزراعة، والتضامن، والتنمية المحلية، خرج منهم 3 من تشكيل حكومة مصطفى مدبولي الحالية في الصيف الماضي.

وهم: عاصم الجزار (2019- 2024) والرئيس الحالي لمجلس إدارة شركة نيوم المصرية التابعة لـ"العرجاني جروب"، والسيد القصير (2020- 2024)، ونيفين القباج (2019- 2024)، وعادل لبيب (2013- 2015).

أيضا ضم الحزب الجديد، نوابا في البرلمان الحالي، بينهم: أحمد رسلان، ومجدي مرشد، وهشام مجدي، ومارغريت عازر، وعاطف مخاليف، وسليمان وهدان، إلى جانب عضو مجلس النواب عن مرسى مطروح والقيادي باتحاد القبائل المصرية والعربية أحمد رسلان.

"تحول من النمط المليشياوي"
في قراءته، قال السياسي والإعلامي المصري، حمزة زوبع: "منذ بداية ظهور العرجاني، ومن بعدها تفجر قضية الذهب في طائرة زامبيا آب/ أغسطس 2023، نحن أمام نمط مليشياوي يجري تحضيره، ويبدو أنه حين تم تأسيس اتحاد القبائل العربية، انزعج بعض ما بقي من مؤسسات في مصر، فكانت الفكرة هي تحويله إلى حزب".

المتحدث السابق باسم حزب "الحرية والعدالة" المصري الحاكم سابقا، أضاف لـ"عربي21": "ولكن السؤال المركزي من هو العرجاني في الخريطة السياسية المصرية والاجتماعية؟"، مجيبا: "هو رجل قتل من أفراد الشرطة، وأخوه قُتل على يد الشرطة، ونجله مات في حادث سير، ويزعم سليمان وهدان أحد مؤسسي الحزب الجديد، أن نجله وشقيقه راحا ضحية الإرهاب".

وتساءل زوبع، مجددا: "كيف تُصنع الزعامات السياسية؟"، موضحا أنه "يجري على نفس نمط تصنيع محمود بدر الشهير (بانجو) وأصحابه في حملة (تمرد) 2013 ضد الرئيس محمد مرسي، فهي نفس الفكرة بصناعة أشخاص بمعامل الاستخبارات، وهذا بالتالي يجعلك تعرف أن الهدف ليس دائما هو صناعة حياة سياسية لأن هؤلاء لا يؤمنون بالسياسة، وهذا الشق الأول وهو إشغال الرأي العام".

أيضا، لفت إلى أن الغريب من وجهة نظره أن: "يأتي باحث مثل ضياء رشوان برتبة وزير كرئيس هيئة الاستعلامات الحكومية لينضم إلى كتيبة العرجاني، وهذا السؤال السياسي ولكن ما وراء السياسي هو: كيف تصرح الدولة والسلطة بعربات نصف نقل مكتوب عليها حزب (الجبهة الوطنية)؟، ومن يملكها؟، ومتى اشتراها؟، وكيف يتركونها في وقت غير مسموح فيه إطلاق هتافات باستادات الكرة أو رفع علم أو شال فلسطين؟".

ويرى أن "السماح لهؤلاء بعمل مظاهرات في الشوارع بسياراتهم يكشف مدى العلاقة الوطيدة بين هذا المنتج الذي ظهر في المجتمع وتم تسويقه بالبداية على أنه اتحاد قبائل، وإثر الانتقادات قال الإعلامي المقرب من النظام مصطفى بكري لنعتبرها جزءا من الجيش المصري".

ويعتقد السياسي المصري، أننا "أمام بناء مليشيات أزعم أنها لترهيب الشعب، ثم هي في طريقها للتحول إلى حزب لتخويف الشعب أيضا"، منتقدا "مشهد حشد البسطاء لتوقيع توكيلات للحزب وكأنهم أعضاء فيه، وكأنه لدينا الآن قبائل سيناوية لديهم أموال وسلاح وحزب ولا يمكن لأحد أن يتكلم".

ومضى زوبع، في قراءته، بالقول: "صناعة مليشيا جديدة في مصر يجعلك تشعر أنه لن يكون هناك خلاف أو صدام قادم بين الجيش والشرطة من ناحية والشعب من ناحية ثانية، وأنه تجري صناعة أشخاص آخرين لقتل المصريين بحجة الدفاع عن الوطن".

وألمح في نهاية حديثه إلى أن "هذا ما فعلوه من خلال (حركة تمرد)، وما فعلوه في 30 حزيران/ يونيو 2013، حيث أخرجوا البلطجية ومسجلي الخطر لمنع المتظاهرين وضربهم في المظاهرات الشعبية عقب مجزرة فض (رابعة العدوية)، وغيرها من المجازر، حيث كانوا هم من يحارب الناس ويطاردونهم خاصة بأحياء الفجالة والظاهر بالقاهرة".

"على درب الأسد"
في رؤيته للأمر وتعليقه عليه، قال الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية والعلاقات الدولية، أحمد مولانا، في حديثه لـ"عربي21"، إن: "النظام يعيد توزيع أوراقه دون أن يُقدم على تنفيذ أي إصلاحات، وبالتالي الضغوط على المواطنين تزداد، والأفق السياسي مسدود".

وأكد مولانا أن: "حزب (الجبهة الوطنية) مجرد إعادة تدوير لمحاولات أخرى فاشلة مثل حزب (مستقبل وطن)، لصنع رديف شعبي، ولكن بدلا من مواجهة المشاكل الحقيقية يلجأ النظام لخطوات تزيد الأزمات بدلا من حلها".

ولفت إلى أنه "يراهن على شخصيات لها تاريخ مشين، ومصر لن تنهض بهؤلاء، وبدلا من الاتعاظ ببشار الأسد وشبيحته، نظام السيسي يسير على ذات الدرب".