تتواصل في
مصر امتحانات الثانوية
العامة التي انطلقت منتصف حزيران/ يونيو الماضي وتستمر حتى منتصف الشهر الجاري،
وسط قلق أولياء الأمور على مستقبل أولادهم بعد استحداث نظام جديد للامتحانات جعلها
أكثر صعوبة وتعقيدا.
وواجه النظام الجديد لامتحانات الثانوية
العامة انتقادات واسعة في مصر، وسط تخبط واضح من
الحكومة المصرية في وضع رؤية
موحدة ودائمة سواء بشأن المقررات الدراسية أو أسلوب الامتحانات، وانعكس ذلك على
تدني مجموع درجات الطلاب بشكل حاد.
وتراجعت الحكومة المصرية عن تطبيق
تعديل نظام
الثانوية العامة إلى تراكمي بدلا من النظام الحالي الذي يقوم على تقييم
الطالب بناء على درجات السنة الأخيرة، وكان مجلس الوزراء اعتمد في كانون الأول/
ديسمبر 2020، مشروع قانون بتعديل نص المادة (28) من قانون التعليم.
واشتكى الطلاب وأولياء الأمور من صعوبة
امتحانات الثانوية العامة بجميع فروعها، وتصدرت وسوم بأسماء المواد منصات التواصل
الاجتماعي للتعبير عن غضبهم من تعمد وضع امتحانات صعبة تفوق قدرات الطلاب.
ونشروا مقاطع مصورة أعربوا فيها عن
استيائهم من استمرار صعوبة الامتحانات بشكل ممنهج، وحذروا من محاولات تدمير
العملية التعليمية، وتحويلهم إلى فئران تجارب، وبالتالي ضياع جهود عام كامل من
التحصيل الدراسي والمذاكرة ومواصلة الليل بالنهار.
امتحانات صعبة ونتائج على المحك
أثار وضع امتحانات صعبة ومعقدة لطلاب
الثانوية العامة والتي تستهدف تدني مجموع درجاتهم وخروجهم من تنسيق كليات القمة
بالجامعات الحكومية، تساؤلات حول نوايا الحكومة في فتح الباب أمام
الجامعات
الأهلية والالتحاق بها بعد تفويت الفرصة عليهم في الجامعات الحكومية.
وتوسعت الحكومة المصرية العام الماضي
فقط في إنشاء العديد من الجامعات الأهلية بعضها مستقل والبعض الآخر منبثق عن
جامعات حكومية، برسوم مرتفعة تضاهي الجامعات الخاصة ولكنها أقل بنسبة 20% إلى 30%
من أجل حث الطلاب على الالتحاق بها على حساب التعليم المجاني.
يخوض امتحانات الثانوية العامة هذا العام 2022-2023 نحو 783 ألف طالب، من بينهم 276 ألف طالب في الشعبة الأدبية و391.6
ألف طالب في الشعبة العلمية، علوم، ونحو 98.6 ألف طالب في الشعبة العلمية،
رياضيات.
ردود فعل غاضبة
وأعرب عدد من طلاب الثانوية العامة
الشعبة العلمية في تصريحات لـ"عربي21" عن امتعاضهم وغضبهم الشديدين من
أسلوب الامتحانات هذا العام، وقالوا: "كانت البداية بامتحان مادة الكيمياء
والجغرافيا وكانتا في غاية التعقيد، والبعض انهار في لجان الامتحانات أو خارجها
بسبب الصعوبة غير المبررة".
وأشاروا إلى أن "استكمال امتحانات
الثانوية العامة بعد إجازة عيد الأضحى بوضع امتحان صعب في مادة الفيزياء والتاريخ
أنهى آمال البعض في تحقيق الحد الأدنى من طموحهم وأحلامهم، وما يجري هو محاولة سحق
كل جهود الطلاب طوال عام كامل من المذاكرة والتحصيل".
أحد أولياء الأمور الذي يحرص دائما على
حضور امتحانات نجله في الثانوية العامة بشعبة العلمي، ويعمل في مجال الهندسة
المعمارية ويدعي "كمال"، أكد في حديثه لـ"عربي21" أن "ما
يجري في امتحانات الثانوية العامة هو تدمير ممنهج للطلاب وأحلامهم، ولم يعد أمامه
سوى إلحاق نجله بإحدى الجامعات الخاصة أو الأهلية"، مضيفا في امتعاض:
"هذا ما تريده الحكومة".
ماذا وراء تعقيد امتحانات الثانوية
العامة؟
مصدر بوزارة التربية والتعليم كشف
لـ"عربي21" عن "وجود توجه رسمي بوضع أسئلة صعبة في امتحانات
الثانوية تهبط بمجموع درجات الطلاب الملتحقين بالامتحانات إلى أقل من المستوى
المعتاد في كل عام، خاصة مع بدء الحكومة في إنشاء جامعات أهلية ودخولها الخدمة
العام الماضي".
منذ عام 2014 زادت أعداد الجامعات
الخاصة والأهلية دون أي زيادة في أعداد الجامعات الحكومية، وبحسب وزارة التعليم
العالي فإن عدد الجامعات الخاصة والأهلية ارتفع من 26 جامعة عام 2014 إلى 40 جامعة
عام 2022، مقابل 27 جامعة حكومية على مستوى البلاد لم تشهد أي زيادة منذ سنوات في
ظل توجه السلطات نحو زيادة عدد الجامعات الأهلية.
وبشأن طبيعة ذلك التوجه أوضح المصدر،
الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن "هذا التوجه جاء من أعلى سلطة في الدولة بالاشتراك
مع وزارتي التربية والتعليم المسؤولة عن طلاب الثانوية العامة، والتعليم العالي
والبحث العلمي المسؤولة عن الجامعات والالتحاق بها".
واستدرك المصدر: "هناك رغبة قوية
لدى القيادة السياسية في خفض عدد الطلاب المقبولين في الجامعات الحكومية من أجل
تخفيف الضغط على موازنة التعليم الجامعي وبالتالي موازنة الدولة، والتحول تدريجيا
إلى التعليم الخاص والجامعات الأهلية وتوفير إيرادات للجامعات الحكومية من مصروفات
الجامعات الأهلية التي تتوزع في العديد من المحافظات".
ما هي الجامعات الأهلية؟
بدأت الدراسة، للمرة الأولى، في 12
جامعة أهلية العام الماضي 2022–2023، موزعة على عدد من المحافظات على مستوى
الجمهورية.
لكن هذا العام ارتفع العدد إلى 20
جامعة أهلية من بينها جامعات مستقلة غير تابعة لجامعات حكومية، هي: جامعة الملك
سلمان الدولية بشبه جزيرة سيناء، وجامعة العلمين الدولية بمدينة العلمين الجديدة،
وجامعة الجلالة بالقرب من البحر الأحمر، وجامعة المنصورة الجديدة شمال الدلتا،
وجامعة النيل، والجامعة الفرنسية الأهلية، والجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني.
وتقول الحكومة إن هذه الجامعات غير
هادفة للربح وتقدم برامج تعليمية تلبي احتياجات سوق العمل الحالية والمستقبلية
محليا وإقليميا ودوليا، وإن المصروفات الطلابية تستثمر في تحديث المعامل وتطوير
المنظومة التعليمية، وأعمال الصيانة اللازمة، وتأتي في إطار المشروع القومي للتوسع
في إنشاء جامعات أهلية بمعايير عالمية.
المثير للجدل أن الجامعات الأهلية تتيح
للطلاب الالتحاق بكليات القمة بمجموع أقل بنحو 10% عن الكليات الحكومية المجانية.
تسليع التعليم الجامعي
لكن مثل هذه الميزة، ينتقدها الخبير في
التربية والتعليم، علي اللبان، باعتبارها تخل بأحد أهم مبادئ تكافؤ الفرص
بين الطلاب، وقال: "سوف تصبح الأفضلية للقادرين على الالتحاق بالجامعات
الأهلية بناء على دفع رسوم باهظة وليس بناء على تحصيل درجات مرتفعة".
واعتبر في حديثه لـ"عربي21" أن "ما يجري هو نوع من تحويل التعليم بكليات بعينها إلى سلعة وليس حقا، وقلة
عدد الجامعات الحكومية ورداءة مستوى التعليم يخلق هناك تزاحما كبيرا على تلك الكليات
بسبب قلة المقاعد وبالتالي فالمستفيد من هذا التزاحم هو الجامعات الأهلية والخاصة".
وبلغ عدد الطلاب المقيدين بالجامعات
والمعاهد المصرية نحو 3.49 مليون طالب للعام الجامعي 2021-2022، بحسب تقرير الجهاز
المركزي للتعبئة والإحصاء الحكومي، بزيادة بلغت 70.9 ألف طالب بنسبة زيادة 2.1٪ عن
العام 2020-2021.