في خبر صادم للسوق
المصرية التي تعاني أزمات عديدة، أعلنت
شركة سعودية توقف خططها التوسعية باستثمار مليار جنيه في مصر، لتنضم بذلك إلى قائمة من الشركات الخليجية التي تعثرت في مصر، بالتزامن مع إحجام مثير للصناديق السيادية الخليجية عن الاستثمار بأكبر سوق بالمنطقة من حيث عدد المستهلكين.
ووفق ما نقلته وكالة "رويترز" الإثنين، قالت الشركة "المتحدة للإلكترونيات" (إكسترا) السعودية إنها قررت وقف خططها التوسعية في مصر بعد دراسة جدوى، مرجعة السبب لعدم وضوح التوقعات المستقبلية في المناخ
الاقتصادي العام بمصر.
وذكرت الشركة في إفصاح للبورصة السعودية أن الأثر المالي السلبي المتوقع لإلغاء خططها التوسعية في مصر يبلغ حوالي 38 مليون ريال (10.13 ملايين دولار).
وفي رسالة للعاملين بفرع الشركة بمصر، عزت "إكسترا" تجميد توسعها إلى "آخر تطورات المناخ الاقتصادي بمصر في ظل عدم وضوح التوقعات المستقبلية للسوق المحلية"، موضحة أن "222 موظفا سيتأثرون" بالقرار، وأنها ستحتفظ بـ25 بالمئة من العاملين، بحسب ما نقلته "اقتصاد الشرق".
الشركة السعودية كانت أعلنت في 16 كانون الأول/ ديسمبر 2021، تأسيس شركة تابعة لها في مصر، لتكون أولى المحطات التوسعية خارج منطقة الخليج، باستثمار أولي قدره مليار جنيه مصري، (32.41 مليون دولار)، نحو (63.6 مليون دولار) بسعر الصرف حينها.
"توقيت صعب"
ويأتي وقف الشركة السعودية خطط توسعها في مصر، في ظل
معاناة الاقتصاد المصري من أزمات عديدة مزمنة ومركبة، وفي ظل إحجام خليجي عن الطروحات المصرية لـ32 شركة عامة، وبالتزامن مع تراجع
الاستثمارات الخليجية لمصر، ووقف دعم حكوماتها للنظام المصري، وربط الاستثمار بشروط معقدة يرفض بعضها المصريون.
ويعاني السوق المصري، منذ أكثر من عام من أزمات نقص العملات الأجنبية وخاصة الدولار، التي تبعها انخفاض قيمة الجنيه، والتضخم المستمر في تكاليف الإنتاج، وسط هروب أكثر من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من البلاد قبل نحو عام.
من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي المصري والمستشار الأممي السابق الدكتور إبراهيم نوار، بحديثه لـ"عربي21"، إلى أن توقف خطط الشركة السعودية التوسعية بمصر، يأتي بالطبع "في ظل التوقعات السيئة جدا للوضع الاقتصادي بمصر".
وفي حديثه عن حالة الاقتصاد المصري بشكل عام، أعرب نوار، عن أسفه من أن "هذا (التوقعات السيئة للاقتصاد) ينعكس على الاقتصاد المحلي، وعلى فرص الاستثمار المحلي والأجنبي".
"قائمة تسبق إكسترا"
ومع طرح الحكومة المصرية في 8 شباط/ فبراير الماضي، 32 شركة مملوكة لها وللجيش تعمل في 18 قطاعا، للاكتتاب في البورصة وأمام مستثمرين استراتيجيين خلال عام، تراجع الإقبال الخليجي على الصفقات المصرية، بل زادت عمليات التخارج من السوق المصرية.
وأثير خلاف بين الحكومة المصرية ومستثمرين خليجيين حول عملية تقييم تلك الصفقات، حيث تتمسك مصر بالتقييم بالدولار الأمريكي، فيما يصر الطرف الثاني على التقييم بالعملة المحلية.
هذا الخلاف بدا لافتا مع الجانب السعودي، حيث علق صندوق الاستثمارات العامة السعودي مفاوضاته مع الحكومة المصرية حول صفقة "المصرف المتحد"، 22 شباط/ فبراير الماضي، وفق وكالة رويترز.
وفي 4 شباط/ فبراير الماضي، أشارت تقارير صحفية إلى تعثر مفاوضات استحواذ جهاز "قطر للاستثمارات"، على حصة شركة "المصرية للاتصالات" المصرية الحكومية، في شركة "فودافون مصر"، وذلك رغم رغبة القاهرة الواضحة في عودة الدوحة للاستثمار بها.
وفي 20 آذار/ مارس الماضي، تخارج مصرف أبوظبي الإسلامي- مصر من شركة الزجاج والبلور التي كانت مملوكة له، مقابل 231.5 مليون جنيه لصالح رجل الأعمال جمال الجارحي، فيما أعلن عن خططه للتخارج من شركتي "أسيوط للتنمية الزراعية"، و"إنتاد"، المصريتين.
وفي 23 شباط/ فبراير الماضي، قررت شركة "تابي" الإماراتية لخدمات البيع بالتقسيط، تعليق عملياتها بالسوق المصرية بعد 6 أشهر فقط من دخولها البلاد بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، رغم جمعها 275 مليون دولار من مستثمرين عالميين وإقليميين، منذ أيلول/ سبتمبر الماضي.
وفي 7 نيسان/ أبريل الماضي، هدد المستثمر الإماراتي ومالك نادي "بيراميدز" المصري، سالم الشامسي، بإيقاف استثماراته الخاصة بالنادي، وأعلن عن عقد جلسة في نهاية الموسم الكروي الحالي 2023، لمناقشة مستقبل النادي في مصر.
وفي السياق، نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" الاقتصادية البريطانية، عن مصرفي مقيم في دبي أن "صندوق أبوظبي السيادي" (ADQ)، أوقف مشاريعه مؤقتا في البلاد، فيما قال المصدر: "لا شهية لأي شيء جوهري في الوقت الحالي".
وأشارت الصحيفة في تقريرها 28 نيسان/ أبريل الماضي، لحالة الإحجام الخليجي السعودي الإماراتي والقطري عن الطروحات المصرية لشركاتها العامة، مشيرة لكثير من الخلافات حول التسعير وطريقته.
وكشفت اليومية البريطانية عن انسحاب صندوق الاستثمارات العامة السعودي وجهاز قطر للاستثمار من مفاوضات لهم بشأن الاستحواذ على بعض الأصول العامة في مصر، لافتة لرفض جهاز قطر للاستثمار عرض حصة في شركة لتصنيع البسكويت مملوكة للجيش.
"اعتباران سياسي واقتصادي"
وفي رؤيته قال رئيس الأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي الدكتور أشرف دوابه: "هذا الموضوع قد يكون له اعتبارات مرتبطة بالجانبين الاقتصادي والسياسي معا، ومن وجهة نظري فهو مرتبط بالاقتصاد السياسي".
رئيس التمويل والاقتصاد بجامعة إسطنبول، أضاف لـ"عربي21": "بصفة عامة دول الخليج الآن لديها نوع من الترقب للسوق المصري، وذلك نظرا للمخاطر المثارة حول وضع الاقتصاد المصري، نتيجة لارتفاع فاتورة الديون".
ويعتقد دوابه، أن "تخفيض (ستاندرد أند بورز)، للتصنيف الائتماني لمصر قبل أيام قد يكون له دور في هذا الجانب".
وفي 27 نيسان/ أبريل الماضي، خفضت وكالة "ستاندرد أند بورز" نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، فيما أعلنت الاثنين، خفض نظرتها المستقبلية لثلاثة بنوك مصرية هي "الأهلي"، و"مصر"، و"التجاري الدولي"، من مستقرة إلى سلبية، أيضا.
وأشار الأكاديمي المصري، إلى بعد آخر، في ملف وقف الشركة السعودية لخططها في مصر، ملمحا إلى "الضغوط المرتبطة بالعلاقة بين مصر والسعودية وما أثير عن عدم التوافق بين الجانبين الفترة السابقة".
وأوضح أن "السيسي، حاول أن يحصل على أي تمويل أو مساعدة من السعودية ولكن النتيجة جاءت بطريقة غير محققة لهدف زيارته للرياض، التي جرت بحثا عن الدعم المالي في 3 نيسان/ أبريل الماضي".
وعن تأثر سمعة مصر الاقتصادية، بقرار الشركة السعودية، قال إن "سمعة الاقتصاد المصري لا تحتاج ضغوطا أكثر مما هي فيه"، مؤكدا أنه "بالطبع فإن موقف الشركة السعودية يزيد الأمر سوءا، ولكن الوضع يعرفه الجميع".
ولفت إلى أن "حجم المخاطر في السوق المصري أصبح عاليا، وفقا لما ترصده التقارير الدولية، خاصة في ظل وضع الاقتصاد الآن، وعدم تركيز الحكومة على الجوانب التنموية، والتركيز على نواح معينة لا نريد تكرار الحديث عنها كموضوع عسكرة الاقتصاد، وغيره".
وكانت وكالة "ستاندرد أند بورز" قد لفتت في تقريرها قبل أيام، إلى أن التوقعات السلبية لاقتصاد مصر تعكس أخطارا بأن إجراءات السياسة التي تنفذها القاهرة قد لا تكون كافية لاستقرار سعر الصرف، وجذب تدفقات العملة الأجنبية اللازمة لتلبية حاجات التمويل الخارجية السيادية المرتفعة.
"شركة اكسترا"
تأسست "المتحدة للإلكترونيات"، (اكسترا)، للعمل بمجال البيع بالتجزئة لمنتجات الأجهزة الإلكترونية والمنزلية ومنتجات العناية الشخصية كشركة مساهمة عام 2003، وجرى إدراجها ببورصة المملكة كانون الأول/ ديسمبر عام 2018، ولديها 47 فرعا بالبلد العربي الخليجي حتى 30 آب/ أغسطس 2021، بجانب 52 فرعا في الخليج خاصة البحرين، وعمان.
وحول دلالات وقف الشركة السعودية خططها التوسعية في مصر، قال الخبير الاقتصادي والاستراتيجي الدكتور علاء السيد، إن "الدلالات شديدة الوضوح؛ فالشركة كانت قد اتخذت قرارا أعتبره بشكل شخصي عاطفيا بالاستثمار في مصر ابتداء من 2022".
رئيس الأكاديمية المصرفية الدولية، أضاف لـ"عربي21": "وأسست شركة تابعة بمصر للتوسع فيها كأول دولة خارج الخليج بعد نحو 20 سنة بالسعودية والبحرين وعمان، ذلك أن الرئيس التنفيذي للشركة وكبار قياداتها الوسطى مصريون".
ولفت إلى أنها "عينت نحو 222 موظفا بفرعها المصري، ومن الواضح أن فسادا إدارياً وراء ذلك، وكانت تطمح للسيطرة على 10 بالمئة من السوق المصري بافتتاح معارض بالقاهرة وبعض الضواحي والمدن".
وأوضح أن "دراسات الجدوى التي يتوقع أنها جرت بعد هذه القرارات العشوائية بينت عدم جدوى العمل بالسوق المصري، لعدم استقرار سعر العملة المحلية وعدم توفر الدولار بالبنوك المحلية".
استشاري تطوير وتمويل المشروعات والأوقاف الاستثمارية، بين أن "الشركة تستورد 100 بالمئة من المنتجات التي تسوقها من مختلف دول العالم بالدولار الأمريكي، فاتخذت قرارها الأخير بحق السوق المصري، الذي دخلته بالخطأ".
ويرى السيد، أنه "لو أن المسؤولين بالشركة استشاروا محاسبهم القانوني الدولي وهو أحد الأربعة الكبار في العالم قبل ضياع 17 شهرا في وهم الاستثمار بدولة ذات عوار هيكلي في اقتصادها لا يمكن إصلاحه، بوجود نفس الحكومة والأساليب التي أغرقت الاقتصاد المصري تدريجيا منذ 1952 حتى اليوم؛ لوفرت على نفسها أكثر من 10 ملايين دولار أمريكي خسائر".
"عوامل هيكلية"
ويعتقد الخبير المصري، أن "السوق المصري أصبح طاردا للاستثمارات العربية والأجنبية، وخسرت شركات عملاقة مليارات الجنيهات في توسعات اصطدمت بمنافسة الوحدات الاقتصادية للجيش، وسوء المناخ الاستثماري والسياسي والأمني".
"وعدم استقرار الجنيه المصري، واقتراب إفلاس البنوك الحكومية بعدما انخفض تصنيفها بسبب تضييعها لمئات المليارات من الجنيهات، ونحو 20 مليار دولار من ودائع المواطنين في قروض حكومية من الصعب استعادتها في الظروف الحالية"، بحسب رؤيته.
ويعتقد السيد، أن "خروج شركة قطاع خاص سعودية لن يؤثر على سمعة اقتصاد أفقدته الحكومة سمعته بالكلية ودمرت إيجابياته، بعشوائية إدارتها للأزمة وبإصرارها على عدم الاعتراف بأخطائها، وبعدم نيتها وضع خطة شاملة لإعادة هيكلة الاقتصاد".