اقتصاد عربي

خروج مثير ومتتابع لشركات كبيرة من بورصة مصر.. ماذا يعني ذلك؟

تراجع عدد الشركات المدرجة بالبورصة المصرية- الأناضول
أثار تتابع خروج شركات مصرية عملاقة من التداول بالبورصة المصرية إما بطلب الشطب الاختياري، أو بالاستحواذ عليها، أو بالانتقال إلى بورصات أخرى، أو ببيع أسهمها لشركات مسجلة ببورصات عالمية أو إقليمية؛ المخاوف على مستقبل سوق الأوراق المالية المصرية بين الأسواق العالمية والإقليمية، وفاعليته، ونموه.

ويتخوف مراقبون من تأثير عمليات الشطب الاختياري بشكل خاص على سوق المال المصري، مؤكدين أنها تسبّب نقصا في حجم سوق المال المصري، يتبعه تراجع للسيولة وضعف بحجم التداولات وتراجع ثقة المستثمرين وعدم دخول آخرين للسوق، مطالبين بزيادة الحوافز أمام الشركات لتعويض عمليات الشطب الجارية.

وتُعد البورصة المصرية بالقاهرة خامس أقدم البورصات العالمية، بعد أسواق مال أمستردام، ولندن، ونيويورك، والإسكندرية التي افتتحت بالقرن الـ19 عام 1883، لتلحق بها بورصة القاهرة عام 1903، والكائنة بأحد المباني التاريخية بوسط العاصمة المصرية.

"شطب ساويرس"
آخر القرارات المثيرة لمخاوف المراقبين من هروب الشركات الكبرى من البورصة المصرية، اتخذته عائلة "ساويرس" الأكثر ثراء في مصر والبلدان العربية وأفريقيا، وذلك عبر عرض مقدم لشركة "LPSO Holding Ltd" من الشركة الأم لعائلة ساويرس، والمدرجة بالبورصة السويسرية، لشراء جميع أسهم "أوراسكوم للتنمية" المدرجة بالبورصة المصرية.

بيان صادر عن "أوراسكوم للتنمية القابضة"، يقول إن عائلة ساويرس تقرر شطب أسهم شركة "أوراسكوم للتنمية القابضة" من بورصة "إس آي إكس" السويسرية، وأن شركتها القابضة الأساسية "إل بي إس أو هولدنج" -المساهم الرئيسي- قدّمت عرض شراء اختياريا لجميع أسهم "أوراسكوم للتنمية القابضة".

 ووفق بيان الشركة، الصادر عن رئيس قطاع علاقات المستثمرين، أحمد أبوالعلا، تعتبر "أوراسكوم القابضة للتنمية" المملوكة لسميح ساويرس، هي المالك الرئيسي لـ"أوراسكوم للتنمية مصر"، بنسبة 75.109 بالمئة من أسهمها.

وبرغم إعلان الشركة المصرية، الأربعاء، أن قرار الشطب في البورصة السويسرية يخص "أوراسكوم القابضة للتنمية" المدرجة بالبورصة السويسرية فقط وليس له أي علاقة أو تأثير على أسهم "أوراسكوم للتنمية مصر" المدرجة بالبورصة المصرية، إلا أن مراقبين يرون أن عرض شراء أسهم الشركة في مصر، هو تمهيد لدمجها في أوراسكوم سويسرا، في خطوة قد يتبعها خروج من السوق المصرية.

وقال البعض إن الشطب الاختياري لأسهم أوراسكوم للتنمية قد يتبعه سحب أسهمها ووقف التعامل عليها بالبورصة المحلية، وقصر التداول عليها ببورصات الخارج.



"قيمة الشركة وأهميتها"
"أوراسكوم للتنمية" مطور متكامل للمدن السياحية والوحدات السكنية والفنادق والمرافق الترفيهية، مثل: ملاعب الجولف ومراكز المدن والمستشفيات والمدارس والمرافق، مع محفظة أراض واسعة تصل 50 مليون متر مربع، وتدير 24 فندقا ونحو 5 آلاف غرفة فندقية في 4 أماكن مصرية هامة منها "الجونة" على البحر الأحمر، و"طابا" بجنوب سيناء.

الشركة التي جرى تدشينها عام 1989، وكان منتجع "الجونة" السياحي بساحل البحر الأحمر باكورة أعمالها، توسّعت عربيا في عمان، والمغرب، والإمارات، وانتقلت أعمالها لأوروبا في الجبل الأسود، وسويسرا، وبريطانيا، لتمتلك 33 فندقا فاخرا و7 آلاف غرفة فندقية بأوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وتمتلك فروعا وأسهما في سويسرا باسم "غلوبال تليكوم وأوراسكوم هولدنغ"، التي سحبت أسهمها من البورصة من قبل، وأعيد قيدها في بورصة سويسرا.

وتواصل عائلة ساويرس المكونة من نجيب الأكبر سنا، وناصف الأغنى بين إخوته، وسميح الأصغر سنا، في الأعوام الأخيرة الانتقال باستثماراتها إلى الخارج، وخاصة بلدان المغرب والسعودية وبعض الدول الأفريقية، للاستثمار في مجال السيارات والطاقة واستخراج الذهب.

ونقل ناصف ساويرس إدارة شركته الأم من القاهرة إلى الإمارات نهاية العام الماضي، وذلك وسط انتقادات أطلقها لملف الاقتصاد المصري وأزمة تراجع العملة المحلية.

آخر مشروعات العائلة خارج مصر أعلن عنه، الخميس، إذ يقود سميح ساويرس، تحالفا مع الإماراتي حسين النويس، والمصري حسام الشاعر، لتدشين مشروع سياحي بمدينة الصويرة في المغرب، باستثمار إجمالي 1.5 مليار دولار.

"شطب متتابع"
وفق مراقبين، أثار الخبر حالة من القلق بالبورصة المصرية، خاصة وأنه يأتي بعد 10 أيام من طلب "حديد عز" الشطب الاختياري من البورصة المحلية، والذي تبعه موافقة "هيئة الرقابة المالية" على شطب أكبر شركة لإنتاج الحديد الصلب بمصر والعالم العربي وأفريقيا، والذي يُرجح أن يتبعه تسجيل الشركة ببورصة أبوظبي.

وفي 8 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، قررت شركة "حديد عز"، التي تمتلك 4 مصانع بمدن السادات، والعاشر من رمضان، والسويس، والدخيلة بالإسكندرية، بطاقة إنتاجية 7 ملايين طن حديد تسليح والصلب المسطح؛ شطب أسهمها اختياريا من البورصة المصرية.

وفي ظل تراجع قيمة الجنيه المصري بمقابل العملات الأجنبية، في السنوات الماضية، وتراجع قيم أغلب الشركات المصرية، تزايدت عمليات الاستحواذ من مستثمرين عرب على الشركات المصرية العامة والخاصة، ليتم شطب أغلبها من البورصة المحلية بعد ضمها لكيانات جديدة.

وتراجع عدد الشركات المدرجة بالبورصة المصرية من نحو 1500 شركة مقيدة في تسعينيات القرن الماضي إلى حوالي 226 شركة مدرجة حتى تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، برأس مال سوقي حوالي 2.210.40 جنيه.

وفي 2023، جرى شطب عدة شركات من البورصة المصرية، بينها "البويات والصناعات الكيماويات- باكين" إثر استحواذ إماراتي في أيلول/ سبتمبر، وأيضا شركة "العز الدخيلة إسكندرية" في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

ما دفع هيئة الرقابة المالية، في أيلول/ سبتمبر الماضي، لتعديل أحكام قواعد قيد وشطب الأوراق المالية بالبورصة، واشترطت الكشف عن أسباب الشطب، وإلزام الشركات بشراء أسهم المساهمين بأعلى القيم السوقية، حال اتخاذهم قرارات الشطب الاختياري.

وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، وافقت لجنة قيد الأوراق المالية بالبورصة المصرية، على الشطب النهائي لقيد أسهم شركة "انتجريتيد دياجنوستكس هولدينجز بي ال سي"، المالكة لمعامل "البرج" و"المختبر" الشهيرة في مصر.

وفي العام الجاري، ومع عروض الاستحواذ على "السويدي إليكتريك" في آيار/ مايو الماضي، و"دومتي"، و"سيرا للتعليم"، تقترب الشركات الثلاث من الشطب من البورصة المصرية.

والثلاثاء الماضي، وافقت الهيئة العامة للرقابة المالية على عرض الشراء الإجباري المقدم من شركة "سوشيال إمباكت كابيتال" المساهم الأكبر بشركة "سيرا للتعليم"ـ للاستحواذ على حصة إضافية تصل إلى 48.78 في المئة.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تقدمت شركة "آرلا فودز الدنماركية" بعرض استحواذ على كامل أسهم شركة الصناعات الغذائية العربية (دومتي).

"أجواء الشطب الجديد"
محللون ومراقبون أعربوا عن مخاوفهم من تأثير هذا التوجه على سوق الأوراق المالية المصرية، وخفض تقييم البورصة المحلية بين بورصات الإقليم المنتعش ببورصات السعودية والإمارات، وذلك إلى جانب تراجع حجم رأس مال البورصة السوقي، مع وقوع خسائر محتملة للمساهمين الصغار.

وبحسب عدد من الخبراء فإن الشطب الاختياري من البورصة، يمثل ضررا كبيرا على صغار المساهمين، ويحول ملكيتهم من ملكية قابلة للتداول إلى ملكية مقيدة وغير قابلة للتداول، ويجعلهم رهن اضطرار البيع لكبار المستثمرين، وذلك بجانب ما يثار عن دور الشطب من البورصة المحلية والقيد في بورصات خارجية، في تحويل الأموال للخارج.

ويتزامن تسارع وتيرة خروج شركات كبرى بحجم "ساويرس" و"عز" من البورصة المصرية مع توجه حكومي بطرح العديد من الأصول العامة والشركات الحكومية بالبورصة المحلية، وتضم قطاعات هامة، ما دفع البعض للقول إنّ خروج الشركات الكبرى يؤثر على الطروحات الحكومية بالبورصة التي يراهن عليها متعاملون في إعادة التوازن والثقة للسوق وزيادة رأس مال البورصة.

وفي قائمة أعلنها رئيس وزراء مصر مصطفى مدبولي، 11 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، من المقرر طرح شركات "وطنية" و"صافي" و"شل أوت" و"سايلو" التابعة للجيش في البورصة منتصف 2025، إلى جانب بنكي الإسكندرية والقاهرة، ومحطة رياح جبل الزيت، وشركة الأمل الشريف للبلاستيك.

أيضا، مصر للصناعات الدوائية، وشركة "سيد" للأدوية، وذلك ضمن برنامج حكومي أعلن عنه في الربع الأول من 2023، لطرح أسهم من 40 شركة من 18 قطاعا.

عدد من الخبراء وأساتذة الاقتصاد تحدثوا لـ"عربي21"، عمّا يجري في سوق الأوراق المالية المصرية، ودلالات تتابع تخارج شركات كبرى، وتأثير ذلك على البورصة المصرية وتعاملات الأجانب والعرب والمصريين، والوضع المحتمل لطروحات الحكومة المصرية لشركاتها، راصدين بعض نقاط الخلل وطرق معالجتها.

"المناخ العام وأسباب أخرى"
قال رئيس الأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي، أشرف دوابه: "في هذا الموضوع هناك نظرة خاصة لحالة كل شركة ولظروف كل منها على حدة"، موضحا أنّ: "توجه عز، مثلا، نحو الشطب الاختياري من البورصة المصرية جاء وفقا لرؤية الشركة لوجود بعض المخاطر التي تمر بها صناعة الحديد العالمية".

الأكاديمي المصري ورئيس التمويل والاقتصاد بجامعة "إسطنبول"، أضاف في حديثه لـ"عربي21"، أنه: "في المقابل وضعت هيئة سوق المال أو هيئة الرقابة المالية، قواعد فيها نوع من التشدد بعض الشيء حول ملف الشطب".

 وأكّد أنه "في كل الأحوال وارد جدا دخول شركات وخروج أخرى من البورصات، ولذا لا أريد تحميل الموضوع أكبر من حجمه، لأن هذه القصة لها أبعاد خاصة بكل شركة، وأبعاد أخرى مرتبطة بالوضع العام في مصر ومنه الاقتصادي".

ويرى أن "بعض الشركات تقرر الشطب من باب عملية تنويع المخاطر، أو أنها تعتقد بوجود تمويلات لها قد تتوفر لها بعيدا عن دخول أسهمها لأسواق المال أو البورصة، أو تعرضها لتقلبات سعر السهم في هذا الوضع، أو عدم التداول عليه بصورة مرضية".

ومضى بالقول: "الأسباب متعددة؛ ولا تستطيع أن تتكلم عن خروج الشركات دفعة واحدة، بل يختلف الأمر من شركة لأخرى وفقا للمناخ العام في مصر"، معتقدا في نهاية حديثه أن "الشركات الجديدة التي ستدخل البورصة المصرية لن تسد الفارق كثيرا عن عدم وجود الشركات المتخارجة".

"تخوفات من الطرح الحكومي والسيادي"
في رؤيته، قال الخبير الاقتصادي المصري، عبد النبي عبد المطلب: "ما يجري بالبورصة المصرية خوف لدى شركات القطاع المدني من الطروحات الحكومية خاصة الشركات التابعة للمؤسسات السيادية"، ملمحا إلى أنه "جرى الإعلان مرارا عن خطة الحكومة لطرح أسهم شركات مملوكة لها وللجيش، تنفيذا لالتزامها مع صندوق النقد الدولي".

وكيل وزارة التجارة والصناعة للبحوث الاقتصادية، سابقا، أضاف لـ"عربي21": "مؤشر البورصة الرئيسي يتراوح بين 30 وأقل من 31 ألف نقطة، وهذا مؤشر على أن رأس المال بمرحلة ثبات".

وتابع: "من هنا فالإعلان الأخير عن الطرح الحكومي أدى لحالة من عدم اليقين وخوف شركات مدنية كبرى مثل عز، وساويرس، وغيرها، وفضلوا اتخاذ إجراءات احترازية للحفاظ على قيمة أسهمهم بسوق المال حال تنفيذ الدولة طروحاتها".

وأكد أن "ما يحدث حاليا نوع من التحوط لما قد يسفر عنه طرح أسهم تلك الشركات بالبوصة، لأنه حتى الآن لا أحد يمكنه التنبؤ: من أين ستأتي الأموال التي يتم استثمارها وشراء تلك الأسهم؟، وهل سيضطر بعض حائزي أسهم الشركات المدنية للتضحية بأسهمهم للاكتتاب بالشركات الجديدة".

ويرى عبد المطلب، أن "خروج أو غلق بعض الشركات لمركزها المالي بالبورصة قد يكون أمرا عاديا، ويكون ببعض المواقف إجراءً احترازيا حتى لا تتعرض الشركات لهزات نتيجة أحداث طارئة بسوق المال"، ملمحا إلى "وجود جانب جيوسياسي بالأمر، وكأن في أحداث سوريا رسالة، رغم أنني لا أملك دلالة على هذا التحليل، لكن ما حدث قد يكون مؤشرا لأحداث قادمة".

ولفت إلى أن "أحداث سوريا كانت مفاجِئة للجميع، ليس بهروب بشار الأسد ولكن حدوثها ببساطة يشير لوجود اتفاق دولي"، مضيفا: "لا أريد الذهاب لنقاط سياسية بحتة؛ ولكن الأحداث جعلت رأس المال يتحسب لكل الاحتمالات، ويتحوط، ومن هنا كان قرار تعليق تداول أسهم بعض الشركات، وطلب الشطب الاختياري، ووقف التداول على أسهمها".

"تخارج وشطب بمباركة الدولة"
أما بخصوص تأثر الطروحات الحكومية بالبورصة المصرية، يعتقد عبد المطلب، أن: "هناك زاويتين تقومان على مجرد التحليل لا الدليل، أولها: أنها رسالة حكومية لصندوق النقد بأنها تحاول جاهدة الالتزام بتعهد طرح الشركات، لكن الوضع المالي للبورصة مع أحداث المنطقة يجعل الخطوة تحمل خطورة انهيار البورصة ككل بدلا من توسيع قاعدة الملكية وزيادة درجة التنافسية". 

وأضاف: "ما أخشاه أن يكون هذا الجزء مقصودا، وأن يكون التخارج والشطب بمباركة الدولة حتى تتمكن من تأجيل عملية طرح أسهم شركاتها".

الزاوية الثانية، وفق رؤية الخبير المصري تتمثل بأن: "الشركات لديها قناعة بأن الحكومة مضطرة لتنفيذ تعهداتها للصندوق وطرح أسهم شركاتها، وإذا حدث ذلك فإن توجهات القطاعات المالية المتحكمة بسوق المال ستتوجه للاكتتاب بهذه الشركات وترويج أسهمها بدرجات أكبر تؤدي لزيادة قدراتها التنافسية، أمام أسهم الشركات المدنية".

ويعتقد أن "حالة عدم اليقين لدى الشركات سوف تستمر لحين صدور تقرير صندوق النقد باعتماد المراجعة الرابعة وصرف الشريحة الخامسة من قرض المليارات الثمانية المقرر لمصر، أو إعلان الدولة بتأجيل طرح شركاتها بالبورصة".

وعن الخلل وطرق علاجه، أكد عبد المطلب، أنه "لا يوجد خلل، والموجود حالة ضبابية، والمطلوب لعدم تكرار مثل هذه الأمور، الشفافية والوضوح ببرنامج الطروحات الحكومي المعلن".

وختم بالقول: "بتطبيق مراحل وثيقة ملكية الدولة عبر جدول زمني معروف للطروحات ولتخارج الدولة، لكن يجري الحديث ولا يتم التنفيذ فتتأثر سوق المال بغياب الرؤية كونها سوقا شديدة الحساسية تجاه أي تغيرات بالاقتصاد المحلي والعالمي".