مع تفاقم
الأزمة السياسية والاقتصادية في السودان جراء الاشتباكات القائمة بين الجيش السوداني وقوات الحشد السريع، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي
المصرية بمطالبة السلطات المصرية بفتح الحدود للسودانيين، وسط تكهنات حول مدى قبول أو رفض النظام المصري، وإمكانية استفادته دوليا من هذا الملف.
منظمة الصحة العالمية، أعلنت أن القتال الذي اندلع بين قوات الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، "حميدتي"، أسفر عن مقتل أكثر من 450 شخصا وإصابة نحو 3551 آخرين.
وبجانب شكاوى الكثير من السودانيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من تعرضهم لأزمات مالية واقتصادية؛ قدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أن نحو 16 مليون سوداني بحاجة إلى مساعدات خلال العام الجاري.
"مرحبا بكم"
وعبر "هاشتاغ"، "#إلغاء_تأشيرة_دخول_السودانيين_لمصر"، طالب مصريون معارضون ومؤيدون لنظام عبد الفتاح
السيسي، بإلغاء تأشيرة الدخول للمهاجرين السودانيين الفارين من القتال.
ودعا البعض إلى تفعيل اتفاقية "الحريات الأربع" الموقعة بين البلدين عام 2004، التي تكفل حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك، ونشروا نص القرار المنشور بالجريدة الرسمية المصرية.
وقال الأكاديمي والإعلامي معتز عبد الفتاح المؤيد للنظام المصري: "أهلا وسهلا بكل أخت أو أخ سوداني إلى بلدكم مصر"، داعيا أصدقاءه عبر تويتر إلى الترحيب بأشقائنا السودانيين.
وقال الكاتب الصحفي المعارض، علي زلط: "أهلا بأشقائنا السودانيين، بيوتنا وقلوبنا مفتوحة ليكم وأنتم بين ناسكم... ".
وكتب الصحفي المعارض، سامي كمال الدين: "إخوة في الأرض والنهر والدين والدم والإنسانية.. مصر تنور بيكم".
واقترح المحامي الأسواني محمد عزمي، بأن "تفتح جمعيات تنمية المجتمع في أسوان أبوابها للإخوة السودانيين النازحين من منطقة النزاع"، داعيا لـ"حملة جمع تبرعات وتوفير وجبات جاهزة".
وعلى الجانب الآخر، رفض البعض فتح تأشيرة دخول مصر لأهل السودان، بدعوى عدم تحمل البلاد وجود لاجئين آخرين، وسط ظروف مصر الاقتصادية الصعبة، وحالة الغلاء الرهيب، وانهيار الجنيه أمام العملات الأخرى، والديون المتفاقمة التي تهدد مصر بالإفلاس.
"تساؤلات"
ودفعت الأزمة مراقبين ومتابعين للتكهن والتساؤل، حول احتمالات قبول أو رفض الحكومة المصرية لدعوات فتح الباب لدخول
المهاجرين السودانيين من الحرب، واحتمالات أن يرى السيسي في فتح الحدود للسودانيين فرصة جديدة له للحصول على دعم دولي وخليجي، خاصة وأنه استخدم سابقا ملف المهاجرين الأفارقة والسوريين في مصر في الحديث مع الاتحاد الأوروبي، وحصل على مساعدات مالية وعينية، لمنع المهاجرين من العبور إلى أوروبا.
ما يدعو لتساؤل البعض: هل يستخدم السيسي هذا الملف أيضا، للضغط على الاتحاد الأوروبي مرة ثانية وتخويفه من فتح الشواطئ المصرية للهجرات نحو أوروبا؟ خاصة مع تفاقم الديون الداخلية والخارجية، وشروط صندوق النقد الدولي المجحفة والقاضية بضرورة بيع الشركات العامة لمستثمرين وطرحها بالبورصة.
"لعبة مكشوفة"
ويقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير عبد الله الأشعل، في حديث خاص لـ"عربي21": "الوضع السوداني القائم وإجلاء البعثات الدبلوماسية مقدمة لحرب طويلة في السودان تضر بها وبمصر، خاصة مع عجز الأخيرة عن وضع سياسة محكمة لكسب السودان".
وأضاف: "مصر اليوم على المحك، وكل الأطراف الإقليمية والدولية يقومون بعزلها، ومن المفروض أن يتنحى من يحكمونها ويعطوا فرصة لجيل جديد للحكم وتحقيق مصالح مصر والحفاظ على أمنها القومي الممتد بالسودان".
ويرى أن "النظام المصري لا يستطيع التحرك بملف السودان إلا بتعليمات إسرائيل وأمريكا، ومصر لم يعد لديها أوراق قوة، والخطر في السودان كبير وسيطالها خاصة مع تعرض المدنيين للخطر، وتعرض الخرطوم نفسها لمشاكل حياتية كغياب المياه ونقص الطعام مثلا، ما يدفع للهجرة نحو مصر".
وأشار إلى أن "خسارة لمصر كبيرة تبدأ بخسارة السودان باعتباره امتدادا إقليميا لها، وثانيا: خسارة مياه النيل، وثالثا: الاختلاط الاجتماعي بين المصريين والسودانيين، في بلد تأوي نحو 7 ملايين سوداني من الشمال والجنوب".
وألمح الأشعل، إلى أنه "لو استمرت اضطرابات السودان ستكون مصر الملجأ الأول للمهاجرين، والاتحاد الأوروبي لن يصرف شيئا لمصر بفعل أزمة السودان، وإذا كان السيسي يراهن على هذا الأمر، كما يدفع الاتحاد الأوروبي لتركيا فلن يحدث، ومهما قال السيسي إنه يحسن معاملة المهاجرين واللاجئين كالمصريين لنيل مساعدات أوروبا فقد انكشفت اللعبة".
وحول إمكانية وقف مصر للأزمة حتى لا تتفاقم أزمة الهجرة، قال إن "مصر لا تملك أي أوراق قوة للضغط على طرفي الحرب في السودان، بل على العكس فإن حميدتي ضد مصر، وهو من حرق الطائرات المصرية بمطار مروي واعتقل الضباط المصريين والإمارات هي من تدخلت للإفراج عنهم".
وفي أخبار قد تكون مبشرة بموقف مصري متعاون مع السودانيين، نقل بعض النشطاء، أن معبر "أرقين" الحدودي بين مصر والسودان يشهد "تمديد الجوازات للسودانيين، ويمنح خاتم الدخول بدون فيزا مسبقة للإخوة السودانيين منذ الأحد".
"من مصلحة الأوروبيين"
ويؤكد الناشط والكاتب والباحث السوداني وائل نصر الدين، أن "الموقف المصري محترم، وهناك حديث بأن مصر سمحت بمرور المهاجرين السودانيين إلى أراضيها وهذا موقف تشكر عليه".
ويعتقد نصر الدين في حديث لـ"عربي21" أن "الأوروبيين من مصلحتهم ألا يتحرك السودانيون إلى قارتهم عبر البحر المتوسط، وإذا تخلوا عن مصر فإن المهاجر السوداني إذا لم يجد بمصر الخدمات التي يطلبها سوف يتوجه نحو البحر إلى أوروبا".
وأكد أنه "ولذلك فإنه من مصلحة الأوروبيين أن يدعموا مصر ليضمنوا عدم مرور المهاجرين السودانيين لقارتهم".
وفي المقابل، انتقد الكاتب موقف دول الخليج الذي وصفه بـ"السيء"، بأزمة المهاجرين السوريين واليمنيين مستثنيا السعودية.
ودعا "الخليج لاتخاذ موقف أفضل مع السودانيين، بأن يستغل أمواله لصالح الأمة العربية والإسلامية في مسؤولية دينية وأخلاقية".
"لعب بورقة اللاجئين"
وطالما، استغل السيسي، قلق دول جنوب ووسط أوروبا من ملف المهاجرين واللاجئين الأفارقة والسوريين وحتى المصريين، وذلك للحصول على دعم تلك الدول في مقابل تشديد الرقابة على حدود مصر البحرية بالبحر المتوسط ومنع مراكب الهجرة لأوروبا.
وفي 24 نيسان/ أبريل 2021، وخلال حوار أجراه السيسي، مع صحيفة "دي فيلت" الألمانية، قال إن "مصر نجحت في منع المهاجرين غير الشرعيين من اقتحام أوروبا من طريق حدودها البحرية منذ أيلول/ سبتمبر 2016".
وأضاف: "نحن لا نطالب بأي شيء في المقابل من دول أوروبا، ولا نستخدم ذلك في الابتزاز السياسي أو الاقتصادي"، مشيرا إلى أنه يستقبل اللاجئين في مصر ويعاملهم نفس معاملة المصريين ليمنع وصولهم إلى أوروبا.
بل إن السيسي، ذهب حد انتقاد تعامل دول أوروبا مع اللاجئين، وقال في كانون الثاني/ يناير 2022، خلال "منتدى شباب العالم" بشرم الشيخ، إن مصر تستضيف 6 ملايين شخص فروا من الصراع والفقر، وأنها لا تحتجز المهاجرين في مخيمات كدول أوروبا.
لكنه عاد لمغازلة أوروبا ثانية بالقول إن حكومته شددت أمن الحدود، وتمكنت من منع استغلال مصر كنقطة انطلاق للمهاجرين الفارين من الصراع والفقر في أفريقيا والشرق الأوسط، إلى أوروبا.
وفي 30 آيار/ مايو 2022، وخلال لقاء بالرئيس البولندي المعادي للاجئين، أندريه دودا، بقصر الاتحادية، أكد السيسي أن مصر تكرس جهودها لوقف الهجرة غير النظامية لتخفيف تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
وفي المقابل، ومنذ إطلاق صندوق الطوارئ التابع للاتحاد الأوروبي لأفريقيا (EUTF) في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، جرى تخصيص 5 مليارات يورو لمكافحة الهجرة غير الشرعية عبر 250 مشروعا في 26 دولة أفريقية.
ومصر حصلت من ذلك الصندوق على 60 مليون يورو، عام 2017، من خلال مشروع تحسين إدارة الهجرة، بجانب اتفاقيات غير رسمية جرت مع الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، وذلك بحسب تقرير نشرته "منصة اللاجئين في مصر"، 13 آيار/ مايو 2022.