أثار إعلان النظام الحاكم في
السودان التوصل إلى اتفاق مع مع إثيوبيا
بشأن
سد النهضة على النيل الأزرق تساؤلات حول مصير التوافق
المصري السوداني حول ضرورة
التوصل إلى اتفاق ثلاثي (مصر، السودان، إثيوبيا) لملء وتشغيل السد.
وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان
أكد في ختام اجتماع مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في الخرطوم قبل أيام، أنّ البلدين
"متوافقان ومتّفقان حول كافة قضايا سدّ النهضة".
بالمقابل، قال رئيس الوزراء الأثيوبي في بيان، إن "سدّ النهضة لن
يسبّب أيّ ضرر على السودان، بل سيعود عليه بالنفع في مجال الكهرباء"، وهذه هي
أول زيارة له إلى الخرطوم منذ آب/ أغسطس 2020 والتي عقد خلالها سلسلة لقاءات في العاصمة
السودانية.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من الجانب المصري حتى اللحظة حول إعلان البرهان
الذي جاء في وقت ترفض فيه القاهرة أي تصرف أحادي من جانب إثيوبيا دون التوافق معها
ومع السودان.
واتفق السودان ومصر منتصف عام 2022 على العمل معا على جميع المستويات
لدفع إثيوبيا إلى التفاوض الجاد على اتفاق ملزم ودعت الدولتان المجتمع الدولي للتدخل
من خلال مجلس الأمن الدولي بعد مفاوضات شاقة وصفرية منذ عام 2011 دون التوصل إلى أي
اتفاق.
الاستعداد للملء الرابع
في غضون ذلك، تستعد أديس أبابا لبدء الملء الرابع لسد النهضة وتخزين نحو
20 مليار متر مكعب من المياه خلف السد، حيث انتهت العام الماضي من تخزين 22 مليار متر
مكعب بعد إنجاز المرحلة الثالثة من ملء خزان السدّ الذي تبلغ سعته نحو 74 مليار متر
مكعب من المياه.
ويقع سد النهضة على النيل الأزرق الذي ينبع من الهضبة الإثيوبية على بعد
نحو 30 كلم من الحدود مع السودان في منطقة بني شنقول-قمز، ويبلغ طوله 1.8 كلم وارتفاعه
145 متراً.
إعلان البرهان جاء بعد نحو أسبوع من استقباله وزير الموارد المائية والري
المصري هاني سويلم وتأكيدهما على تعزيز علاقات التعاون في كافة المجالات وخاصة في مجال
الموارد المائية والري بما يحقق تطلعات الشعبين ويعكس وحدة الهدف والمصير.
وأوضح سويلم أن مصر تؤكد دوماً على التزامها باتفاقية عام 1959 كأساس
للتعاون الفني بين البلدين من خلال الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل.
"ليس اتفاقا ملزما"
قال الأكاديمي السوداني والخبير في الشأن الأفريقي، الدكتور ياسر محجوب
الحسين: "لا يمكن وصف ما تم في زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للخرطوم
بأنه اتفاق يحمل التزامات واضحة من الجانبين، بيد أن كل ما تم هو بيان صادر عن مجلس
السيادة الانتقالي في السودان، حمل عبارات دبلوماسية فضفاضة مثل: ضرورة تعزيز
التعاون والتنسيق بين البلدين في القضايا الثنائية إقليميا ودوليا"، مشيرا إلى
أن "مصر حريصة على التوصل لاتفاق ثلاثي وليس ثنائيا".
وأضاف لـ"عربي21": "غير أن ما يثير قلق مصر وقد تكون محقة
هو ضبابية الموقف السوداني حول السد الإثيوبي. وقد تكون الضبابية بسبب قناعات لدى بعض
الأوساط السودانية بأن السد فيه فوائد للسودان، وقد تكون هذه الضبابية أحيانا أخرى
بسبب محاولة القيادة السودانية الحصول على تنازلات مصرية في ما يتعلق بالخلاف بين البلدين
حول مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه".
وتابع المحجوب: "أميل إلى وصف ما صرح به الجنرال عبد الفتاح البرهان
بأنه لا يخرج عن المجاملة الدبلوماسية، ولذلك جاءت التصريحات حول السد فضفاضة بعض الشيء.
وقول البرهان، خلال جلسة المباحثات بين الجانبين، إن الخرطوم وأديس أبابا "متوافقتان
ومتفقتان" بشأن جميع القضايا المتعلقة بسد النهضة؛ فلا يخرج ذلك كثيرا عن سياق
تفاهم مصري سوداني في أيلول/ سبتمبر الماضي عندما زار البرهان القاهرة وبحث مع نظيره
المصري تطورات ملف سد النهضة".
وأكد أن "موقف البلدين التمسك بالتوصل إلى اتفاق قانوني عادل ومنصف
وملزم لعملية ملء السد وتشغيله. فضلا عن "رفضهما أي إجراءات أحادية تهدف للاستئثار
بموارد النيل الأزرق". ويبدو أن عدم التعليق الرسمي من جانب القاهرة على ما صدر
من الجانبين السوداني والإثيوبي قد يخفي تفاهما ما، أو أن الخرطوم قد حصلت على تنازلات
أو تطمينات إثيوبية بشأن هذا الملف.
"تسعى إثيوبيا في ذات الوقت وقد خرجت منهكة من حرب التغراي إلى تخفيف
التوترات الإقليمية لا سيما أن السد بات واقعا معاشا"، بحسب المحجوب.
"حصة تاريخية وممانعة أفريقية"
ودأبت مصر على التحذير من المساس بحصتها البالغة 55.5 مليار متر مكعب
من مياه النيل والتي تعتبرها حقا تاريخيا، وتمثل المصدر الرئيسي للمياه العذبة، فيما
تصر إثيوبيا على أن السد لن يؤثر على حصص مصر والسودان من مياه النيل، وتطمح أن يصبح
السد أكبر مصدر للطاقة الكهرومائية في أفريقيا بقدرة إنتاج تبلغ 6500 ميغاواط ويساهم
في تحقيق تنمية اقتصادية كبيرة.
ويتم اقتسام مياه النيل حاليا وفقا لاتفاق وقع عام 1929 بين مصر وبريطانيا
(كسلطة احتلال آنذاك)، وفي عام 1959 تمت مراجعة الاتفاق وبلغت حصة مصر بموجبه 55.5
مليار متر مكعب سنويا، بينما بلغ نصيب السودان 18.5 مليار متر مكعب من مياه النيل البالغة
84 مليار متر مكعب سنويا، أي أن البلدين يحصلان على حوالي 87 % من مياه النيل.
في محاولة لتجاوز تلك الاتفاقية، وقعت أربع من دول حوض النيل (إثيوبيا،
وأوغندا، ورواندا، وتنزانيا) في أيار/ مايو 2010 على اتفاق إطاري بمدينة (عنتيبي) الأوغندية
لإعادة اقتسام مياه النيل ثم لحقتهم كينيا وبورندي بغياب مصر والسودان.
"محاولة فصل الموقف السوداني عن المصري"
في تقديرها رأت الخبيرة في الشؤون الأفريقية أسماء الحسيني، ونائب رئيس
تحرير صحيفة الأهرام المصرية أن "السودان يسعى إلى تبني مواقف إيجابية ترضي كل
دولة على حدة، حيث أكد البرهان قبل أيام أثناء استقباله وزير الري المصري على ضرورة
العمل ضمن اتفاق عام 1959، وتوحيد مواقفهما تجاه أي مشاريع على نهر النيل".
وأكدت في تصريحات لـ"عربي21" أن "موقف البرهان مخالف
للموقف السوداني الذي ذهب بموجبه مع القاهرة إلى مجلس الأمن ضد إثيوبيا وطالبا بالتوصل
لاتفاق إطاري ملزم لجميع الأطراف، من ناحية أخرى هناك تطورات سياسية وأمنية في السودان
وإثيوبيا تحتم على الطرفين التقارب، لكن يجب التأكيد على أنه لا يوجد اتفاق بدون مصر،
ومحاولة إثيوبيا لاستمالة السودان يهدف إلى إضعاف الموقف المصري".
وأشارت الحسيني إلى أن "مصر جددت موقفها الثابت تجاه مسألة سد النهضة
خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي للقاهرة، الاثنين، في المقابل فإن الجانب الإثيوبي
لا يأبه بالموقف المصري والسوداني ويمضي قدما في فرض إجراءات أحادية الجانب، وتحاول
استغلال الأوضاع المضطربة في السودان، وفصل السودان عن الموقف المصري المشترك، لكن
مصر لن توقع اتفاقا ثنائيا مع أديس أبابا".
واعتبرت أن "تصريحات البرهان لا تعدو كونها إعلانا شفويا لم تسفر
عن اتفاق رسمي في ظل عدم وجود المكون المدني في السلطة، وهي مجرد تصريحات لملء الفراغ
السياسي من خلال إطلاق تصريحات إيجابية لمصر وأخرى تجاه إثيوبيا".